الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          341 - مسألة : كل من ركع ركعتي الفجر لم تجزه صلاة الصبح إلا بأن يضطجع على شقه الأيمن بين سلامه من ركعتي الفجر ، وبين تكبيره لصلاة الصبح .

                                                                                                                                                                                          وسواء - عندنا - ترك الضجعة عمدا أو نسيانا ; وسواء صلاها في وقتها أو صلاها قاضيا لها من نسيان ، أو عمد نوم .

                                                                                                                                                                                          فإن لم يصل ركعتي الفجر لم يلزمه أن يضطجع ، فإن عجز عن الضجعة على [ ص: 228 ] اليمين لخوف ، أو مرض ، أو غير ذلك أشار إلى ذلك حسب طاقته فقط ؟ .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثنا عبد الواحد هو ابن زياد - ثنا الأعمش عن أبي صالح هو السمان - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه } ؟ .

                                                                                                                                                                                          فقال له مروان بن الحكم : ما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه ؟ قال أبو هريرة : لا ، فبلغ ذلك ابن عمر ، فقال : أكثر أبو هريرة على نفسه فقيل لابن عمر عندها : تنكر شيئا مما يقول ؟ قال : لا ; ولكنه اجترأ وجبنا ، فبلغ ذلك أبا هريرة ، فقال : فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا ؟ .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق وكيع عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه عن قبيصة بن ذؤيب قال : مر بي أبو الدرداء من آخر الليل وأنا أصلي ؟ فقال : افصل بضجعة بين صلاة الليل ، وصلاة النهار .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وقد أوضحنا أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كله على الفرض ، حتى يأتي نص آخر أو إجماع متيقن غير مدعى بالباطل - : على أنه ندب ، فنقف عنده ، وإذا تنازع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فالرد إلى كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : قد ورد إنكار الضجعة عن ابن مسعود ؟ قلنا : نعم ; وخالفه أبو هريرة ; ومع أبي هريرة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره وعمله .

                                                                                                                                                                                          وإن كان إنكار ابن مسعود : حجة على غيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم - : فقد أنكر رضي الله عنه : وضع الأيدي على الركب في الصلاة ، وضرب اليدين على ذلك ؟ وقد أنكر قصر الصلاة إلا في حج ، أو عمرة ، أو جهاد [ ص: 229 ] وأنكر قراءة القرآن في ليلة ؟ فما التفتم إنكاره فالآن استدركتم هذه السنة ؟ .

                                                                                                                                                                                          وقالوا : لو كانت الضجعة فرضا لما خفيت على ابن مسعود وابن عمر ؟ فقلنا لهم : فهلا قلتم مثل هذا في إتمام عثمان رضي الله تعالى عنه بمنى ; وإتمام عائشة وسعد رضي الله عنهما ؟ فقولوا : لو كان قصر الصلاة سنة ما خفي على هؤلاء وهلا قلتم : لو كان الجلوس في آخر الصلاة فرضا ما خفي على علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين يقول : إذا رفعت رأسك من آخر صلاتك من السجود فقد تمت صلاتك ، فإن شئت فقم ، وإن شئت فاقعد ؟ ومثل هذا كثير جدا ; وإنما هو شيء يفزعون إليه إذا ضاق بهم المجال ثم هم أول تارك له ؟ ، وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : فبطلت صلاة من لم يضطجع من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم ؟ قلنا : إن المجتهد مأجور يصلي ، وإن خفي عليه النص ; وإنما الحكم فيمن قامت عليه الحجة فعند .

                                                                                                                                                                                          ثم نعكس قولهم عليهم ، فنقول للمالكيين والشافعيين : أترى بطلت صلاة ابن مسعود ومن وافقه ; إذا كان يصلي ، ولا يرى الوضوء من مس الذكر ؟ ونقول للحنفيين : أترى صلاة ابن عمر ، وأبي هريرة فاسدة ، إذ كانا يصليان ، وقد خرج من أنف أحدهما دم ، ومن بثرة بوجه الآخر دم فلم يتوضأ لذلك ؟ .

                                                                                                                                                                                          ونقول لجميعهم : أترون صلاة عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وابن عباس ، وأبي بن كعب ، وأبي أيوب ، وزيد ، وغيرهم - : كانت فاسدة إذا كانوا يرون : أن من وطئ ولم ينزل فلا غسل عليه ، ويفتون بذلك ؟ ومثل هذا كثير جدا ، يعود على من لم يكن بيده حجة غير التشنيع وهو عائد عليهم ; لأنهم أشد خلافا على الصحابة منا ، [ ص: 230 ] وسؤالهم هذا لازم لأبي هريرة كلزومه لنا ولا فرق ؟ .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يزيد هو المقري - ثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو الأسود عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن } ؟ .

                                                                                                                                                                                          قال علي : روينا من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني : أن أبا موسى الأشعري وأصحابه كانوا إذا صلوا ركعتي الفجر اضطجعوا ومن طريق الحجاج بن المنهال عن جرير بن حازم عن محمد بن سيرين قال : أنبئت : أن أبا رافع ، وأنس بن مالك وأبا موسى ، كانوا يضطجعون على أيمانهم إذا صلوا ركعتي الفجر ؟ .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عثمان بن غياث هو ابن عثمان - أنه حدثه قال : كان الرجل يجيء وعمر بن الخطاب يصلي بالناس الصبح فيصلي ركعتين في مؤخر المسجد ويضع جنبه في الأرض ويدخل معه في الصلاة .

                                                                                                                                                                                          وذكر عبد الرحمن بن زيد في " كتاب السبعة " أنهم - يعني : سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وعروة بن الزبير ، وأبا بكر بن عبد الرحمن ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وسليمان بن يسار - : كانوا يضطجعون على أيمانهم بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح فإن عجز فقد قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ، وقال عليه السلام : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } ؟ .

                                                                                                                                                                                          وحكم الناسي ههنا كحكم العامد ; لأن من نسي عملا مفترضا من الصلاة [ ص: 231 ] والطهارة فعليه أن يأتي به ; لأنه لم يأت بالصلاة كما أمر ، إلا أن يأتي نص بسقوط ذلك عنه ؟ وإنما يكون النسيان بخلاف العمد في حكمين : أحدهما - سقوط الإثم جملة هنا ، وفي كل مكان .

                                                                                                                                                                                          والثاني - : من زاد عملا لا يجوز له ناسيا ، وكان قد أوفى جميع عمله الذي أمر به ، فإن هذا قد عمل ما أمر ، وكان ما زاد بالنسيان لغوا لا حكم له ؟ فإن أدرك إعادة الصلاة في الوقت لزمه أن يضطجع ويعيد الفريضة ، وإن لم يقدر على ذلك إلا بعد خروج الوقت لم يقدر على الإعادة لما ذكرنا قبل ؟ .

                                                                                                                                                                                          ولا يجزئه أن يأتي بالضجعة بعد الصلاة ; لأنه ليس ذلك موضعها ; ولا يجزئ عمل شيء في غير مكانه ، ولا في غير زمانه ، ولا بخلاف ما أمر به ; لأن هذا كله هو غير العمل المأمور به على هذه الأحوال - ، وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية