(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77nindex.php?page=treesubj&link=28989_31938_24552_24549_31935فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا )
اعلم أن تلك القرية هي
أنطاكية ، وقيل هي
الأيلة ، وههنا سؤالات :
الأول : إن الاستطعام ليس من عادة الكرام ؛ فكيف أقدم عليه
موسى وذلك العالم ؟ لأن
موسى كان من عادته عرض الحاجة ، وطلب الطعام ؛ ألا ترى أنه تعالى حكى عنه أنه قال في قصة
موسى عند ورود
ماء مدين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) [القصص : 24] .
الجواب : أن إقدام الجائع على الاستطعام أمر مباح في كل الشرائع بل ربما وجب ذلك عند خوف الضرر الشديد .
السؤال الثاني : لم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها ) وكان من الواجب أن يقال : استطعما منهم ؟
والجواب أن التكرير قد يكون للتأكيد كقول الشاعر :
ليت الغراب غداة ينعب دائما كان الغراب مقطع الأوداج
السؤال الثالث : إن
nindex.php?page=treesubj&link=24548الضيافة من المندوبات ؛ فتركها ترك للمندوب ، وذلك أمر غير منكر ، فكيف يجوز من
موسى عليه السلام مع علو منصبه أنه غضب عليهم الغضب الشديد الذي لأجله ترك العهد الذي التزمه مع ذلك العالم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=76إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ) وأيضا مثل هذا الغضب لأجل ترك الأكل في ليلة واحدة لا يليق بأدون الناس فضلا عن كليم الله .
الجواب : أما قوله : الضيافة من المندوبات قلنا : قد تكون من المندوبات ، وقد تكون من الواجبات بأن كان الضيف قد بلغ في الجوع إلى حيث لو لم يأكل لهلك ، وإذا كان التقدير ما ذكرناه لم يكن الغضب الشديد لأجل ترك الأكل يوما ، فإن قالوا : ما بلغ في الجوع إلى حد الهلاك ، بدليل أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77لو شئت لاتخذت عليه أجرا ) وكان يطلب على إصلاح ذلك الجدار أجرة ، ولو كان قد بلغ في الجوع إلى حد الهلاك لما قدر على ذلك العمل ؛ فكيف يصح منه طلب الأجرة ؟ قلنا لعل ذلك الجوع كان شديدا إلا أنه ما بلغ حد الهلاك ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77فأبوا أن يضيفوهما ) وفيه بحثان :
البحث الأول : يضيفوهما يقال : ضافه إذا كان له ضيفا ، وحقيقته مال إليه من ضاف السهم عن الغرض . ونظيره : زاره من الازورار ، وأضافه وضيفه أنزله ، وجعله ضيفه ، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا أهل قرية لئاما .
[ ص: 134 ] البحث الثاني : رأيت في كتب الحكايات أن أهل تلك القرية لما سمعوا نزول هذه الآية استحيوا ، وجاءوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحمل من الذهب وقالوا : يا رسول الله نشتري بهذا الذهب أن تجعل الباء تاء ؛ حتى تصير القراءة هكذا : ( فأتوا أن يضيفوهما ) . أي ( أتوا ) لأن يضيفوهما ، أي كان إتيان أهل تلك القرية إليهما لأجل الضيافة ، وقالوا : غرضنا منه أن يندفع عنا هذا اللؤم فامتنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال : إن تغيير هذه النقطة يوجب دخول الكذب في كلام الله ، وذلك يوجب القدح في الإلهية ؛ فعلمنا أن
nindex.php?page=treesubj&link=28740تغيير النقطة الواحدة من القرآن يوجب بطلان الربوبية والعبودية ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه ) أي : فرأيا في القرية حائطا مائلا ، فإن قيل كيف يجوز وصف الجدار بالإرادة مع أن الإرادة من صفات الأحياء ؟ قلنا : هذا اللفظ ورد على سبيل الاستعارة ، وله نظائر في الشعر قال :
يريد الرمح صدر أبي براء ويرغب عن دماء بني عقيل
وأنشد
الفراء :
إن دهرا يلف شملي بجمعل لزمان يهم بالإحسان
وقال
الراعي :
في مهمه فلقت به هاماتها فلق الفئوس إذا أردن نصولا
ونظيره من القرآن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=154ولما سكت عن موسى الغضب ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=82أن يقول له كن فيكون ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11قالتا أتينا طائعين ) [فصلت : 11] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77أن ينقض ) يقال انقض إذا أسرع سقوطه من انقضاض الطائر ، وهو انفعل مطاوع قضضته ، وقيل : انقض فعل من النقض كاحمر من الحمرة ، وقرئ : أن ينقض ، من النقض ، وأن ينقاض من انقاضت العين إذا انشقت طولا ، وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77فأقامه ) قيل : نقضه ثم بناه ، وقيل : أقامه بيده ، وقيل : مسحه بيده ؛ فقام ، واستوى ، وكان ذلك من معجزاته ، واعلم أن ذلك العالم لما فعل ذلك ، وكانت الحالة حالة اضطرار وافتقار إلى الطعام ؛ فلأجل تلك الضرورة نسي
موسى ما قاله من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=76إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ) فلا جرم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77لو شئت لاتخذت عليه أجرا ) أي طلبت على عملك أجرة تصرفها في تحصيل المطعوم وتحصيل سائر المهمات ، وقرئ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77لاتخذت عليه أجرا ) والتاء في تخذت أصل كما في تبع ، واتخذ افتعل منه كقولنا اتبع من قولنا تبع ، واعلم أن
موسى -عليه السلام - لما ذكر هذا الكلام قال العالم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78هذا فراق بيني وبينك ) وههنا سؤالات :
السؤال الأول : قوله : هذه إشارة إلى ماذا ؟ والجواب من وجهين :
الأول : أن
موسى عليه السلام قد شرط أنه إن سأله بعد ذلك سؤالا آخر يحصل الفراق حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=76إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ) فلما ذكر هذا السؤال فارقه ذلك العالم وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78هذا فراق بيني وبينك ) أي هذا الفراق الموعود .
الثاني : أن يكون قوله هذا إشارة إلى السؤال الثالث أي : هذا الاعتراض هو سبب الفراق .
السؤال الثاني : ما معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78هذا فراق بيني وبينك ) ؟ الجواب : معناه هذا فراق حصل بيني وبينك ، فأضيف المصدر إلى الظرف ، حكى
القفال عن بعض أهل العربية أن البين هو الوصل لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94لقد تقطع بينكم ) فكان المعنى هذا فراق بيننا ، أي اتصالنا ، كقول القائل : أخزى الله الكاذب مني ومنك ، أي أحدنا هكذا قاله
الزجاج ، ثم قال العالم
لموسى عليه السلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ) أي سأخبرك بحكمة هذه المسائل الثلاثة ، وأصل التأويل راجع إلى قولهم آل الأمر إلى كذا أي صار إليه ، فإذا قيل : ما تأويله ؟ فالمعنى ما مصيره ؟ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77nindex.php?page=treesubj&link=28989_31938_24552_24549_31935فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا )
اعْلَمْ أَنَّ تِلْكَ الْقَرْيَةَ هِيَ
أَنْطَاكِيَّةُ ، وَقِيلَ هِيَ
الْأَيْلَةُ ، وَهَهُنَا سُؤَالَاتٌ :
الْأَوَّلُ : إِنَّ الِاسْتِطْعَامَ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْكِرَامِ ؛ فَكَيْفَ أَقْدَمَ عَلَيْهِ
مُوسَى وَذَلِكَ الْعَالِمُ ؟ لِأَنَّ
مُوسَى كَانَ مِنْ عَادَتِهِ عَرْضُ الْحَاجَةِ ، وَطَلَبُ الطَّعَامِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي قِصَّةِ
مُوسَى عِنْدَ وُرُودِ
مَاءِ مَدْيَنَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) [الْقَصَصِ : 24] .
الْجَوَابُ : أَنَّ إِقْدَامَ الْجَائِعِ عَلَى الِاسْتِطْعَامِ أَمْرٌ مُبَاحٌ فِي كُلِّ الشَّرَائِعِ بَلْ رُبَّمَا وَجَبَ ذَلِكَ عِنْدَ خَوْفِ الضَّرَرِ الشَّدِيدِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : لِمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ) وَكَانَ مِنَ الْوَاجِبِ أَنْ يُقَالَ : اسْتَطْعَمَا مِنْهُمْ ؟
وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّكْرِيرَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ :
لَيْتَ الْغُرَابَ غَدَاةَ يَنْعِبُ دَائِمًا كَانَ الْغُرَابُ مُقَطَّعَ الْأَوْدَاجِ
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24548الضِّيَافَةَ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ ؛ فَتَرْكُهَا تَرْكٌ لِلْمَنْدُوبِ ، وَذَلِكَ أَمْرٌ غَيْرُ مُنْكَرٍ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ مِنْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ عُلُوِّ مَنْصِبِهِ أَنَّهُ غَضِبَ عَلَيْهِمُ الْغَضَبَ الشَّدِيدَ الَّذِي لِأَجْلِهِ تَرَكَ الْعَهْدَ الَّذِي الْتَزَمَهُ مَعَ ذَلِكَ الْعَالِمِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=76إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ) وَأَيْضًا مِثْلُ هَذَا الْغَضَبِ لِأَجْلِ تَرْكِ الْأَكْلِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَلِيقُ بِأَدْوَنِ النَّاسِ فَضْلًا عَنْ كَلِيمِ اللَّهِ .
الْجَوَابُ : أَمَّا قَوْلُهُ : الضِّيَافَةُ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ قُلْنَا : قَدْ تَكُونُ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ ، وَقَدْ تَكُونُ مِنَ الْوَاجِبَاتِ بِأَنْ كَانَ الضَّيْفُ قَدْ بَلَغَ فِي الْجُوعِ إِلَى حَيْثُ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ لَهَلَكَ ، وَإِذَا كَانَ التَّقْدِيرُ مَا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يَكُنِ الْغَضَبُ الشَّدِيدُ لِأَجْلِ تَرْكِ الْأَكْلِ يَوْمًا ، فَإِنْ قَالُوا : مَا بَلَغَ فِي الْجُوعِ إِلَى حَدِّ الْهَلَاكِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ) وَكَانَ يَطْلُبُ عَلَى إِصْلَاحِ ذَلِكَ الْجِدَارِ أُجْرَةً ، وَلَوْ كَانَ قَدْ بَلَغَ فِي الْجُوعِ إِلَى حَدِّ الْهَلَاكِ لَمَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ ؛ فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ ؟ قُلْنَا لَعَلَّ ذَلِكَ الْجُوعَ كَانَ شَدِيدًا إِلَّا أَنَّهُ مَا بَلَغَ حَدَّ الْهَلَاكِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ) وَفِيهِ بَحْثَانِ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : يُضَيِّفُوهُمَا يُقَالُ : ضَافَهُ إِذَا كَانَ لَهُ ضَيْفًا ، وَحَقِيقَتُهُ مَالَ إِلَيْهِ مِنْ ضَافَ السَّهْمُ عَنِ الْغَرَضِ . وَنَظِيرُهُ : زَارَهُ مِنَ الِازْوِرَارِ ، وَأَضَافَهُ وَضَيَّفَهُ أَنْزَلَهُ ، وَجَعَلَهُ ضَيْفَهُ ، وَعَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانُوا أَهْلَ قَرْيَةٍ لِئَامًا .
[ ص: 134 ] الْبَحْثُ الثَّانِي : رَأَيْتُ فِي كُتُبِ الْحِكَايَاتِ أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ لَمَّا سَمِعُوا نُزُولَ هَذِهِ الْآيَةِ اسْتَحْيَوْا ، وَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحِمْلٍ مِنَ الذَّهَبِ وَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ نَشْتَرِي بِهَذَا الذَّهَبِ أَنْ تَجْعَلَ الْبَاءَ تَاءً ؛ حَتَّى تَصِيرَ الْقِرَاءَةُ هَكَذَا : ( فَأَتَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ) . أَيْ ( أَتَوْا ) لِأَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ، أَيْ كَانَ إِتْيَانُ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ إِلَيْهِمَا لِأَجْلِ الضِّيَافَةِ ، وَقَالُوا : غَرَضُنَا مِنْهُ أَنْ يَنْدَفِعَ عَنَّا هَذَا اللُّؤْمُ فَامْتَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ : إِنَّ تَغْيِيرَ هَذِهِ النُّقْطَةِ يُوجِبُ دُخُولَ الْكَذِبِ فِي كَلَامِ اللَّهِ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْقَدْحَ فِي الْإِلَهِيَّةِ ؛ فَعَلِمْنَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28740تَغْيِيرَ النُّقْطَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْقُرْآنِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ) أَيْ : فَرَأَيَا فِي الْقَرْيَةِ حَائِطًا مَائِلًا ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَجُوزُ وَصْفُ الْجِدَارِ بِالْإِرَادَةِ مَعَ أَنَّ الْإِرَادَةَ مِنْ صِفَاتِ الْأَحْيَاءِ ؟ قُلْنَا : هَذَا اللَّفْظُ وَرَدَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ ، وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الشِّعْرِ قَالَ :
يُرِيدُ الرُّمْحُ صَدْرَ أَبِي بَرَاءٍ وَيَرْغَبُ عَنْ دِمَاءِ بَنِي عَقِيلٍ
وَأَنْشَدَ
الْفَرَّاءُ :
إِنْ دَهْرًا يَلُفُّ شَمْلِي بَجَمْعَلٍ لَزَمَانٌ يَهُمُّ بِالْإِحْسَانِ
وَقَالَ
الرَّاعِي :
فِي مَهْمَهٍ فَلَقْتُ بِهِ هَامَاتِهَا فَلْقَ الْفُئُوسِ إِذَا أَرَدْنَ نُصُولًا
وَنَظِيرُهُ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=154وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=82أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) [فُصِّلَتْ : 11] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77أَنْ يَنْقَضَّ ) يُقَالُ انْقَضَّ إِذَا أَسْرَعَ سُقُوطُهُ مِنَ انْقِضَاضِ الطَّائِرِ ، وَهُوَ انْفَعَلَ مُطَاوِعُ قَضَضْتُهُ ، وَقِيلَ : انْقَضَّ فِعْلٌ مِنَ النَّقْضِ كَاحْمَرَّ مِنَ الْحُمْرَةِ ، وَقُرِئَ : أَنْ يُنْقَضَ ، مِنَ النَّقْضِ ، وَأَنْ يَنْقَاضَّ مَنِ انْقَاضَّتِ الْعَيْنُ إِذَا انْشَقَّتْ طُولًا ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77فَأَقَامَهُ ) قِيلَ : نَقَضَهُ ثُمَّ بَنَاهُ ، وَقِيلَ : أَقَامَهُ بِيَدِهِ ، وَقِيلَ : مَسَحَهُ بِيَدِهِ ؛ فَقَامَ ، وَاسْتَوَى ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ الْعَالِمَ لَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ ، وَكَانَتِ الْحَالَةُ حَالَةَ اضْطِرَارٍ وَافْتِقَارٍ إِلَى الطَّعَامِ ؛ فَلِأَجْلِ تِلْكَ الضَّرُورَةِ نَسِيَ
مُوسَى مَا قَالَهُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=76إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ) فَلَا جَرَمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ) أَيْ طَلَبْتَ عَلَى عَمَلِكَ أُجْرَةً تَصْرِفُهَا فِي تَحْصِيلِ الْمَطْعُومِ وَتَحْصِيلِ سَائِرِ الْمُهِمَّاتِ ، وَقُرِئَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ) وَالتَّاءُ فِي تَخِذْتَ أَصْلٌ كَمَا فِي تَبِعَ ، وَاتَّخَذَ افْتَعَلَ مِنْهُ كَقَوْلِنَا اتَّبَعْ مِنْ قَوْلِنَا تَبِعَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ
مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ قَالَ الْعَالِمُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ) وَهَهُنَا سُؤَالَاتٌ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَاذَا ؟ وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ شَرَطَ أَنَّهُ إِنْ سَأَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ سُؤَالًا آخَرَ يَحْصُلُ الْفِرَاقُ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=76إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ) فَلَمَّا ذَكَرَ هَذَا السُّؤَالَ فَارَقَهُ ذَلِكَ الْعَالِمُ وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ) أَيْ هَذَا الْفِرَاقُ الْمَوْعُودُ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ هَذَا إِشَارَةً إِلَى السُّؤَالِ الثَّالِثِ أَيْ : هَذَا الِاعْتِرَاضُ هُوَ سَبَبُ الْفِرَاقِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : مَا مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ) ؟ الْجَوَابُ : مَعْنَاهُ هَذَا فِرَاقٌ حَصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، فَأُضِيفَ الْمَصْدَرُ إِلَى الظَّرْفِ ، حَكَى
الْقَفَّالُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الْبَيْنَ هُوَ الْوَصْلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ) فَكَانَ الْمَعْنَى هَذَا فِرَاقُ بَيْنِنَا ، أَيِ اتِّصَالُنَا ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ : أَخْزَى اللَّهُ الْكَاذِبَ مِنِّي وَمِنْكَ ، أَيْ أَحَدَنَا هَكَذَا قَالَهُ
الزَّجَّاجُ ، ثُمَّ قَالَ الْعَالِمُ
لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ) أَيْ سَأُخْبِرُكَ بِحِكْمَةِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ ، وَأَصْلُ التَّأْوِيلِ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِمْ آلَ الْأَمْرُ إِلَى كَذَا أَيْ صَارَ إِلَيْهِ ، فَإِذَا قِيلَ : مَا تَأْوِيلُهُ ؟ فَالْمَعْنَى مَا مَصِيرُهُ ؟ .