الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( مسائل شتى ) أي متفرقات من كتاب القضاء جريا على عادة المؤلفين جمع شتيت كمرضى جمع مريض من أمر شت أي متفرق وشت الأمر شتا وشتاتا تفرق واشتت مثله والشتيت المتفرق وقوم شتى وأشياء شتى وجاءوا أشتاتا أي متفرقين وأنكر الأصمعي أن تقول شتان ما بينهما وما ورد منه فمولد وتمامه في الصحاح ومنه قوله تعالى { إن سعيكم لشتى } أي إن عملكم لمختلف أي في الجزاء وفي الرازي الكبير أنها أنزلت في أبي بكر وأبي سفيان .

                                                                                        وفي الدر المنثور في { صاحب نخلة كان غصن منها متدليا في بيت فقير فكان إذا جاء لينثر ثمرة وسقط شيء منها في بيت جاره يأخذه الصبيان فكان ينزل إليهم ويأخذ منهم حتى كان يأخذ التمرة من فم الصبي فشكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا صاحب النخلة وقال له اعطني نخلتك المائلة ولك نخلة في الجنة فقال يا رسول الله ليس لي ثمرة أطيب منها فذهب وكان عندهما رجل يسمع كلامهما فذهب إليه واشترى منه النخلة بأربعين نخلة على ساق واحد وأشهد له ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه النخلة فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم خلف الفقير وأعطاه النخلة } .

                                                                                        ( قوله لا يتد ذو سفل ولا يثقب فيه كوة بلا رضا ذي العلو ) أي عند أبي حنيفة وقالا يفعل ما لا يضر بالعلو وقيل ما حكى عنهما تفسير لقوله فلا خلاف وقيل بل فيه خلاف فعندهما الأصل الإباحة ; لأنه تصرف في ملكه وهو يقتضي الإطلاق والأصل عنده الحظر ; لأنه تعلق به حق محترم للغير فصار كحق المرتهن والمستأجر في منع المالك عن التصرف فيه والإطلاق يعارضه الرضا فإذا أشكل لا يزول المنع على أنه لا يعرى عن نوع ضرر بالعلو من توهين البناء أو نقصه فيمنع عنه ولهذا لا يملك صاحب السفل أن يهدم كل الجدار أو السقف وكذا بعضه وقول أبي حنيفة قياس كما ذكره فخر الإسلام وفي المغرب وتد الوتد ضربه بالميتدة وأثبته وفي البناية أنه كالخازوق وهو القطعة من الخشب أو الحديد يدق في الحائط ليعلق عليه شيء أو يربط به شيء . ا هـ .

                                                                                        والكوة بفتح الكاف ثقب البيت والجمع كوى وقد تضم الكاف في المفرد والجمع ويستعار لمفاتيح الماء إلى المزارع والجداول كذا في المغرب وفي الصحاح أن الجمع يمد ويقصر وأشار المصنف إلى منعه من فتح الباب ووضع الجذوع وهدم سفله وفي فتح القدير إن فتح الباب ينبغي أن يمنع اتفاقا وإن وضع مسمارا صغيرا أو وسطا يجوز اتفاقا ولم يذكر المصنف منع صاحب العلو من التصرف في العلو لاختلاف المشايخ قال الولوالجي في كتاب القسمة علو لرجل وسفل لآخر اختلف المشايخ على قول أبي حنيفة قال بعضهم لصاحب العلو أن يبني ما بدا له ما لم يضر بالسفل وذكر في بعض المواضع ليس له ذلك أضر بالسفل أو لم يضر هكذا ذكر في الجامع الصغير والمختار للفتوى أنه إذا أشكل أنه يضر أم لا لا يملك وإذا علم أنه لا يضر يملك ا هـ .

                                                                                        وجعله في الهداية على الخلاف السابق وقيد المصنف بالتصرف في الجدار بضرب الوتد وفتح الطاق احترازا عن تصرفه في ساحة السفل فذكر قاضي خان لو حفر صاحب السفل في ساحته بئرا وما أشبه ذلك له ذلك عند أبي حنيفة وإن تضرر به صاحب العلو وعندهما الحكم معلول بعلة الضرر . ا هـ .

                                                                                        واتفقوا على منع هدم صاحب السفل الجدار الحامل للعلو كما [ ص: 30 ] قدمناه فإن هدمه أجبر على بنائه ; لأنه تعدى على صاحب العلو بهدم ما هو قرار العلو كالراهن إذا قتل المرهون والمولى إذا قتل عبده المديون فرق بين حق التعلي وبين حق التسييل حيث لو هدم في الأول يجبر على البناء ولو هدم في الثاني لا يجبر وفي الذخيرة السفل إذا كان لرجل وعلو لآخر فسقف السفل وجذوعه وهراديه وبواريه وطينه لصاحب السفل غير أن صاحب العلو مسكنه في ذلك ا هـ .

                                                                                        وذكر الطرسوسي أن الهرادي ما يوضع فوق السقف إما من قصب أو من عريش وذكر ابن وهبان أنه المكعب وفي جامع الفصولين لكل من صاحب السفل والعلو حق في ملك الآخر لذي العلو حق قراره ولذي السفل حق دفع المطر والشمس عن السفل فالملك مطلق والحق مانع وقد اجتمعا فجمعنا بينهما وتمامه فيه وفي الحائط بين اثنين لو كان لهما عليه خشب فبنى أحدهما للباني أن يمنع الآخر من وضع الخشب حتى يعطيه نصف قيمة البناء مبنيا وفي الأقضية حائط مشترك أراد أحدهما نقضه وأبى الشريك إن كان بحال لا يخاف سقوطه لا يجبر وإن كان بحيث يخاف عن الإمام أبي بكر محمد بن الفضل يجبر وإن هدماه وأراد أحدهما البناء وأبي الآخران كان أساس الحائط عريضا يمكنه أن يبني حائطا في نصيبه بعد القسمة لا يجبر الشريك وإن كان لا يمكن يجبر كذا عن الإمام أبي بكر محمد بن الفضل وعليه الفتوى وتفسير الجبر أنه إن لم يوافقه الشريك أنفق على العمارة ورجع على الشريك بنصف ما أنفق وفي شهادات الفضلي لو هدماه وامتنع أحدهما يجبر ولو انهدم لا يجبر ولكن يمنع من الانتفاع به ما لم يستوف نصف ما أنفق فيه إن فعل ذلك بقضاء القاضي وإن كان بلا قضاء فبنصف قيمة البناء كذا في فتح القدير وفي جامع الفصولين لو هدم ذو السفل سفله وذو العلو علوه أخذ ذو السفل ببناء سفله إذ فوت عليه حقا ألحق بالملك فيضمن كما لو فوت عليه ملكا . ا هـ .

                                                                                        وظاهره أنه لا جبر على ذي العلو وظاهر ما في فتح القدير خلافه والظاهر الثاني ويحمل الأول على ما إذا بنى صاحب السفل سفله وطلب من ذي العلو بناء علوه فإنه يجبر ولو انهدم السفل بغير صنع صاحبه لا يجبر على البناء لعدم التعدي ولصاحب العلو أن يبني إن شاء ويبني عليه علوه ثم يرجع ويمنعه من السكنى حتى يدفع إليه لكونه مضطرا كمستعير الرهن إذا قضى الدين بغير إذن الراهن لا يكون متبرعا ولو انهدم العلو والسفل فكذلك ثم الرجوع بقيمة البناء أو بما أنفق قيل إن كان صاحب العلو مضطرا يرجع على صاحب السفل بقيمة السفل مبنيا لا بما أنفق وقيل إن بنى بأمر القاضي رجع بما أنفق وإلا رجع بقيمة البناء وبه يفتى كذا في قسمة الولوالجية وإذن الشريك كإذن القاضي فيرجع بما أنفق كما حرره العلامة ابن الشحنة في شرح المنظومة .

                                                                                        وإذا قلنا يرجع بقيمة البناء عند عدم الإذن فهل المعتبر قيمته يوم البناء أو وقت الرجوع قولان والصحيح وقت البناء وهو مبني على أن المبنى يبنى على ملك الشريك أو على ملك الباني ثم ينتقل منه أيضا وفي جامع الفصولين جدار بينهما ولكل - [ ص: 31 ] منهما حمولة فوهي الحائط فأراد أحدهما رفعه ليصلحه وأبى الآخر ينبغي أن يقول مريد الإصلاح للآخر ارفع حمولتك بأسطوانات وعمد ويعلمه أنه يريد رفعه في وقت كذا وأشهد على ذلك فلو فعله وإلا فله رفع الجدار فلو سقط حمولته لم يضمن ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( مسائل شتى ) ( قوله وأشار المصنف إلى منعه ) أي منع صاحب السفل [ ص: 30 ] ( قوله فإن هدمه أجبر على بنائه إلخ ) قيد بهدمه له ; لأنه لو انهدم لا يجبر بدليل ما سيذكره قريبا من أنه لو انهدم السفل بغير صنع صاحبه لا يجبر على البناء لعدم التعدي إلخ وفي فتح القدير وعلمت أنه ليس لصاحب السفل هدمه فلو هدمه يجبر على بنائه ; لأنه تعد على صاحب العلو وهذا أصل كلي كل من أجبر على أن يفعل مع شريكه فإذا فعل أحدهما بغير أمر شريكه فهو متطوع ; لأن له طريقا وهو المطالبة بالمشاركة في الفعل كنهر بينهما امتنع أحدهما عن كريه وكرى الآخر إلى آخر ما يأتي في آخر القولة الثانية ثم قال وإن كان لا يجبر لم يكن متطوعا كعلو لرجل وسفل لآخر سقط السفل فبناه الآخر لا يكون متطوعا ; لأنه لا يجبر صاحب السفل على بنائه فكان في بنائه إياه مضطرا ليصل إلى حقه إلخ فثبت الفرق بين الهدم والانهدام فتنبه .

                                                                                        ( قوله فسقف السفل وجذوعه وهراديه إلخ ) قال منلا علي التركماني في مجموعته الفقهية وتطيينه لا يجب على واحد منهما أما ذو العلو فلعدم وجوب إصلاح ملك الغير عليه ، وأما ذو السفل فلعدم إجباره على إصلاح ملكه وإن زال الطين عنه بتعدي الساكن وجب الضمان وإلا لا كذا أفتى العلامة الخير الرملي رحمه الله تعالى كما هو مصرح في فتاويه في كتاب الدعوى مولانا حامد أفندي وفيها أيضا وأجاب الشيخ اللطفي في فتاويه في مثل هذه المسألة بقوله سقف السفل لصاحب السفل غير أن لصاحب العلو حق السكنى والمقام عليه ومرمة ذلك السقف من تطيين وغيره تلزمه غير أنه لا يجبر على ذلك والله سبحانه أعلم ( قوله والظاهر الثاني ) أراد ما في جامع الفصولين لذكره بعد كلام الفتح السابق وقوله ويحمل الأول على ما إذا بنى إلخ أراد بالأول ما في الفتح من قوله لو هدماه وامتنع أحدهما يجبر ويخالف هذا الحمل ما قدمه عن الذخيرة من أن سقف السفل وجذوعه وهراديه وبواريه وطينه لصاحب السفل وعليه فلا يجبر صاحب العلو على البناء فيه ; لأنه لا ضرر لصاحب السفل في تركه بل فيه نفع التخفيف عن سقفه تأمل ثم ظهر لي عدم المخالفة بين ما في الفتح وبين ما في جامع الفصولين وذلك أن ما في الفتح في الحائط المشترك وما في الجامع في السفل والعلو والفرق أظهر من أن يخفى .




                                                                                        الخدمات العلمية