الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب النهي عن تلقي الركبان وأن بيعه مردود لأن صاحبه عاص آثم إذا كان به عالما وهو خداع في البيع والخداع لا يجوز

                                                                                                                                                                                                        2054 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله العمري عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التلقي وأن يبيع حاضر لباد [ ص: 437 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 437 ] قوله : ( باب النهي عن تلقي الركبان ، وأن بيعه مردود ؛ لأن صاحبه عاص آثم إذا كان به عالما ، وهو خداع في البيع ، والخداع لا يجوز ) جزم المصنف بأن البيع مردود بناء على أن النهي يقتضي الفساد ، لكن محل ذلك عند المحققين فيما يرجع إلى ذات المنهي عنه لا ما إذا كان يرجع إلى أمر خارج عنه فيصح البيع ويثبت الخيار بشرطه الآتي ذكره ، وأما كون صاحبه عاصيا آثما والاستدلال عليه بكونه خداعا فصحيح ، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون البيع مردودا ؛ لأن النهي لا يرجع إلى نفس العقد ولا يخل بشيء من أركانه وشرائطه ، وإنما هو لدفع الإضرار بالركبان ، والقول ببطلان البيع صار إليه بعض المالكية وبعض الحنابلة ، ويمكن أن يحمل قول البخاري أن البيع مردود على ما إذا اختار البائع رده فلا يخالف الراجح ، وقد تعقبه الإسماعيلي وألزمه التناقض ببيع المصراة فإن فيه خداعا ومع ذلك لم يبطل البيع ، وبكونه فصل في بيع الحاضر للبادي بين أن يبيع له بأجر أو بغير أجر ، واستدل عليه أيضا بحديث حكيم بن حزام الماضي في بيع الخيار ففيه : " فإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما " قال : فلم يبطل بيعهما بالكذب والكتمان للعيب ، وقد ورد بإسناد صحيح : " أن صاحب السلعة إذا باعها لمن تلقاه يصير بالخيار إذا دخل السوق " ثم ساقه من حديث أبي هريرة ، قال ابن المنذر : أجاز أبو حنيفة التلقي وكرهه الجمهور .

                                                                                                                                                                                                        قلت : الذي في كتب الحنفية يكره التلقي في حالتين : أن يضر بأهل البلد ، وأن يلتبس السعر على الواردين . ثم اختلفوا : فقال الشافعي من تلقاه فقد أساء وصاحب السلعة بالخيار ، وحجته حديث أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تلقي الجلب ، فإن تلقاه فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق قلت : وهو حديث أخرجه أبو داود والترمذي وصححه ابن خزيمة من طريق أيوب ، وأخرجه مسلم من طريق هشام عن ابن سيرين بلفظ : " لا تلقوا [ ص: 438 ] الجلب ، فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار " وقوله : " فهو بالخيار " أي : إذا قدم السوق وعلم السعر ، وهل يثبت له مطلقا أو بشرط أن يقع له في البيع غبن؟ وجهان ، أصحهما الأول وبه قال الحنابلة ، وظاهره أيضا أن النهي لأجل منفعة البائع وإزالة الضرر عنه وصيانته ممن يخدعه . قال ابن المنذر : وحمله مالك على نفع أهل السوق لا على نفع رب السلعة ، وإلى ذلك جنح الكوفيون والأوزاعي قال : والحديث حجة للشافعي ؛ لأنه أثبت الخيار للبائع لا لأهل السوق . انتهى . واحتج مالك بحديث ابن عمر المذكور في آخر الباب ، وسيأتي الكلام على ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا عبد الوهاب ) هو ابن عبد المجيد الثقفي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن سعيد بن أبي سعيد ) هو المقبري .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن التلقي ) ظاهره منع التلقي مطلقا سواء كان قريبا أم بعيدا ، سواء كان لأجل الشراء منهم أم لا ، وسيأتي البحث فيه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية