الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله الغني الحميد يجوز أن يكون " الذين يبخلون " ابتداء كلام على الاستئناف لأن الكلام الذي قبله ختم بالتذييل بقوله والله لا يحب كل مختال فخور فيكون " الذين يبخلون " مبتدأ وخبره محذوفا يدل عليه جواب الشرط وهو فإن الله الغني الحميد . والتقدير : فإن الله غني عنهم وحامد للمنفقين .

ويجوز أن يكون متصلا بما قبله على طريقة التخلص فيكون الذين يبخلون بدلا من كل مختال فخور ، أو خبرا لمبتدأ محذوف هو ضمير كل مختال فخور . تقديره : هم الذين يبخلون ، وعلى هذا الاحتمال الأخير فهو من حذف المسند إليه اتباعا للاستعمال كما سماه السكاكي ، وفيه وجوه أخر لا نطول بها .

والمراد بـ " الذين يبخلون " : المنافقون ، وقد وصفهم الله بمثل هذه الصلة في سورة النساء ، وأمرهم الناس بالبخل هو الذي حكاه الله عنهم بقوله هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ، أي : على المؤمنين .

وجملة ومن يتول فإن الله الغني الحميد تذييل لأن " من يتول " يعم الذين يبخلون وغيرهم فإن الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل أي : في سبيل الله وفي النفقات الواجبة قد تولوا عن أمر الله و ( من ) شرطية عامة .

[ ص: 414 ] وجملة فإن الله الغني الحميد قائمة مقام جواب الشرط لأن مضمونها علة للجواب ، فالتقدير : ومن يتول فلا يضر الله شيئا ولا يضر الفقير لأن الله غني عن مال المتولين ، ولأن له عبادا يطيعون أمره فيحمدهم .

والغني : الموصوف بالغنى ، أي : عدم الاحتياج . ولما لم يذكر له متعلق كان مفيدا الغنى العام .

والحميد : وصف مبالغة ، أي : كثير الحمد للمنفقين على نحو قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه الآية .

ووصفه بـ " الحميد " هنا نظير وصفه بـ " الشكور " في قوله إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم ، فإن اسمه " الحميد " صالح لمعنى المحمود فيكون فعيلا بمعنى مفعول ، وصالح لمعنى كثير الحمد ، فيكون من أمثلة المبالغة لأن الله يثيب على فعل الخير ثوابا جزيلا ويثني على فاعله ثناء جميلا فكان بذلك كثير الحمد . وقد حمله على كلا المعنيين ابن برجان الإشبيلي في شرحه لأسماء الله الحسنى ووافقه كلام ابن العربي في أحكام القرآن في سورة الأعراف ، وهو الحق . وقصره الغزالي في المقصد الأسنى على معنى المحمود .

وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر فإن الله الغني الحميد بدون ضمير فصل ، وكذلك هو مرسوم في مصحف المدينة ومصحف الشام . وقرأه الباقون فإن الله هو الغني الحميد بضمير فصل بعد اسم الجلالة وكذلك هو مرسوم في مصاحف مكة والبصرة والكوفة ، فهما روايتان متواترتان .

[ ص: 415 ] والجملة مفيدة للقصر بدون ضمير فصل لأن تعريف المسند إليه والمسند من طرق القصر ، فالقراءة بضمير الفصل تفيد تأكيد القصر .

التالي السابق


الخدمات العلمية