الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 89 ] باب اسم الفاعل.

                                                                                                                                                                                                                      44- وقال: (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) فأضاف قوله: (ملاقو ربهم) ولم يقع الفعل.

                                                                                                                                                                                                                      وإنما يضاف إذا كان قد وقع الفعل تقول: "هم ضاربو أبيك" إذا كان قد ضربوه. وإذا كانوا في حال الضرب أو لم يضربوا قلت: "هم ضاربون أخاك" إلا أن العرب قد تستثقل النون فتحذفها في معنى إثباتها وهو نحو : (ملاقو ربهم) ومثل : (كل نفس ذائقة الموت) ولم تذق بعد. وقد قال بعضهم: (ذائقة الموت) على ما فسرت لك. وقال الله جل ثناؤه : (إنا مرسلو الناقة) وهذا قبل الإرسال ولكن حذفت النون استثقالا. وقال: (وكلبهم باسط ذراعيه) فأثبت التنوين لأنه كان في الحال. وقال: (إنا كاشفو العذاب قليلا) على ذلك أيضا. وزعموا أن هذا البيت ينشد هكذا:


                                                                                                                                                                                                                      (64) هل أنت باعث دينار لحاجتنا أو عبد رب أخا عمرو بن مخراق

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 90 ] فأضاف ولم يقع الفعل ونصب الثاني على المعنى لأن الأول فيه نية التنوين، كقول الله جل وعز : /(جاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا) ولو جررت "الشمس" و"القمر" و"عبد رب أخا عمرو " على ما جررت عليه الأول جاز وكان جيدا. وقال: (إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك) فالنصب وجه الكلام لأنك لا تجري الظاهر على المضمر، والكاف في موضع جر لذهاب النون. وذلك لأن هذا إذا سقط على اسم مضمر ذهب منه التنوين والنون إن كان في الحال وإن لم يفعل، تقول: "هو ضاربك الساعة أو غدا" و"هم ضاربوك". وإذا أدخلت الألف واللام قلت: "هو الضارب زيدا" ولا يكون أن تجر زيدا لأن التنوين كأنه باق في "الضارب" إذا كان فيه الألف واللام؛ لأن الألف واللام تعاقبان التنوين. وتقول: "هما الضاربان زيدا" و"هما الضاربا زيد" لأن الألف واللام لا تعاقبان التنوين في الاثنين والجميع. فإذا أخرجت النون من الاثنين والجمع من أسماء الفاعلين أضفت وإن كان فيه الألف واللام؛ لأن النون تعاقب الإضافة وطرح النون ها هنا كطرح النون في قولك: "هما ضاربا زيد" ولم يفعلا؛ لأن الأصل في قولك: "الضاربان" إثبات النون لأن معناه وإعماله مثل معنى "الذي فعل" وإعماله. قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                      (65) الحافظو عورة العشير لا     يأتيهم من ورائنا نطف

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 91 ] وفي كتاب الله : (والمقيمي الصلاة) وقد نصب بعضهم فقال: (والمقيمي الصلاة) و"الحافظو عورة" استثقالا للإضافة كما حذفت نون "اللذين" و "الذين". قال الشاعر: [ الأخطل ] :


                                                                                                                                                                                                                      (66) أبني كليب إن عمي اللذا     قتلا الملوك وفككا الأغلالا

                                                                                                                                                                                                                      وقال [ أشهب بن رميلة ]:


                                                                                                                                                                                                                      (67) فإن الذي حانت بفلج دماؤهم     هم القوم كل القوم يا أم خالد

                                                                                                                                                                                                                      فألقى النون. وزعموا أن عيسى بن عمر كان يجيز: [قول أبي الأسود الدؤلي ]


                                                                                                                                                                                                                      (68) فألفيته غير مستعتب     ولا ذاكر الله إلا قليلا

                                                                                                                                                                                                                      كأنه إنما طرح التنوين لغير معاقبة إضافة وهو قبيح إلا في كل ما كان معناه "اللذين" و "الذين" فحينئذ يطرح منه ما طرح من ذلك. ولو جاز هذا البيت لقلت: "هم ضاربو زيدا" وهذا لا يحسن. وزعموا أن بعض العرب

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 92 ] قال: (واعلموا أنكم غير معجزي الله) وهو أبو السمال وكان فصيحا. وقد قرئ هذا الحرف : (إنكم لذائقو العذاب الأليم) وهو في البيت أمثل لأنه أسقط التنوين لاجتماع الساكنين. وإذا ألحقت النون نصبت لأن الإضافة قد ذهبت، قال: (والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة) قال: (والذاكرين الله كثيرا) قال الشاعر: [ الخرنق ]


                                                                                                                                                                                                                      (69) النازلون بكل معترك     والطيبون معاقد الأزر

                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية