الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقالوا يا أيه الساحر قال الجمهور: وهو خطاب تعظيم فقد كانوا يقولون للعالم الماهر ساحر لاستعظامهم علم السحر، وحكاه في مجمع البيان عن الكلبي والجبائي، وقيل: المعنى يا غالب السحرة من ساحره فسحره كخاصمه فخصمه فهو خطاب تعظيم أيضا، وقيل: الساحر على المعنى المعروف فيه وقد تعودوا دعاءه عليه السلام بذلك قبل، ومقتضى مقام طلب الدعاء منه عليه السلام أن لا يدعوه به إلا أنهم لفرط حسرتهم سبق لسانهم إلى ما تعودوا به، وقيل: هو خطاب استهزاء وانتقاص دعاهم إليه شدة شكيمتهم ومزيد حماقتهم وروي ذلك عن الحسن.

                                                                                                                                                                                                                                      ودفع الزمخشري المنافاة بين هذا الخطاب وقولهم الآتي: إننا لمهتدون بأن ذلك القول وعد منوي إخلافه وعهد معزوم على نكثه معلق بشرط أن يدعو لهم وينكشف عنهم العذاب وفيه أن الوعد وإن كان منوي الإخلاف لكن إظهار الإخلاف حال التضرع إليه عليه السلام ينافيه لأنهم في استلانة قلبه عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل الأظهر أنهم قالوا يا موسى كما في الأعراف لكن حكى الله تعالى كلامهم هنا على حسب حالهم ووفق ما في قلوبهم تقبيحا لذلك وتسلية لحبيبه صلى الله تعالى عليه وسلم ويكون ذلك على عكس قوله سبحانه إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وجعل على هذا قولهم الآتي مجمل ما فصل هنالك من الإيمان وإرسال بني إسرائيل فلا يحتاج إلى التزام كون القولين في مجلسين للجمع بين ما هنا وما هناك، ولا يخلو عن بعد والالتزام المذكور لا أرى ضررا فيه. وقرئ (يا أيه) بضم الهاء

                                                                                                                                                                                                                                      ادع لنا ربك ليكشف عنا العذاب بما عهد عندك أي بعهده عندك، والمراد به النبوة وسميت عهدا إما لأن الله تعالى عاهد نبيه عليه السلام أن يكرمه بها وعاهد النبي ربه سبحانه على أن يستقل بأعبائها أو لما فيها من الكلفة بالقيام بأعبائها ومن الاختصاص كما بين المتواثقين أو لأن لها حقوقا تحفظ كما يحفظ العهد أو من العهد الذي يكتب للولاة كأن النبوة منشور من الله تعالى بتولية من أكرمه بها والباء إما صلة - لادع - أو متعلق بمحذوف وقع حالا من الضمير فيه أي متوسلا إليه تعالى بما عهد أو بمحذوف دل عليه التماسهم مثل أسعفنا إلى ما نطلب، وإما أن تكون للقسم والجواب ما يأتي، وهي على هذا للقسم حقيقة وعلى ما قبله للقسم الاستعطافي وعلى الوجه الأول للسببية، وإدخال ذلك في الاستعطاف خروج عن الاصطلاح، وجوز أن يراد بالعهد عهد استجابة الدعوة كأنه قيل: بما عاهدك الله تعالى مكرما لك من استجابة دعوتك أو عهد كشف العذاب عمن اهتدى، وأمر الباء في الوجهين على ما مر وأن يراد بالعهد الإيمان والطاعة أي بما عهد عندك فوفيت به على أنه من عهد إليه أن يفعل كذا أي أخذ منه العهد على فعله ومنه العهد الذي يكتب للولاة، و (عندك) يغني عن ذكر الصلة مع إفادة أنه محفوظ مخزون عند المخاطب، والأولى على هذا أن تكون ما موصولة، وهذا الوجه فيه كما في الكشف نبو لفظا ومعنى وسياقا ما لا يخفى على الفطن.

                                                                                                                                                                                                                                      إننا لمهتدون لمؤمنون ثابتون على الإيمان وهو إما معلق بشرط كشف العذاب كما في قولهم المحكي في سورة الأعراف لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك أو غير معلق ويجب حينئذ أن يكون هذا منهم في مجلس آخر، وإن قلنا: لم يصدر منهم طلب الدعاء إلا مرة أو أكثر منها لكن على طرز واحد قيل هنا: أرادوا من الاهتداء الإيمان وإرسال بني إسرائيل كما سمعت آنفا

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية