الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 101 ]

                                                                                                                                                                                                                      باب الفعل

                                                                                                                                                                                                                      أما قوله: (حتى نرى الله جهرة) فيقول: "جهارا" أي: "عيانا يكشف ما بيننا وبينه" كما يقول الرجل: "جهرت الركية" إذا كان ماؤها قد غطاه الطين فنقي ذلك حتى يظهر الماء ويصفو.

                                                                                                                                                                                                                      53- وأما قوله: (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى) فـ "الغمام" واحدته "غمامة" مثل "السحاب" واحدته "سحابة". وأما "السلوى" فهو طائر لم يسمع له بواحد، وهو شبيه أن يكون واحده "سلوى" مثل جماعته، كما قال: "دفلى" للواحد والجماعة، و"سلامى" للواحد والجماعة. وقد قالوا "سلاميات". وقالوا "حبارى" للواحد، وقالوا للجماعة: "حباريات"، وقال بعضهم للجماعة "حبارى". قال الشاعر [ الفرزدق ]:


                                                                                                                                                                                                                      (80) وأشلاء لحم من حبارى يصيدها إذا نحن شئنا صاحب متألف

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 102 ]

                                                                                                                                                                                                                      وقالوا: "شكاعى" للواحد والجماعة، وقال بعضهم للواحد: "شكاعاة".

                                                                                                                                                                                                                      54- وقوله: (وقولوا حطة) أي: "قولوا": "لتكن منك حطة لذنوبنا" كما تقول للرجل: "سمعك إلي". كأنهم قيل لهم: "قولوا: "يا رب لتكن منك حطة لذنوبنا". وقد قرئت نصبا على أنه بدل من اللفظ بالفعل.

                                                                                                                                                                                                                      وكل ما كان بدلا من اللفظ بالفعل فهو نصب بذلك الفعل، كأنه قال: "احطط عنا حطة" فصارت بدلا من "حط" وهو شبيه بقولهم: "سمع وطاعة"، فمنهم من يقول: "سمعا وطاعة" إذا جعله بدلا من: "أسمع سمعا وأطيع طاعة". وإذا رفع فكأنه قال: أمري سمع وطاعة". وقال الشاعر [ الفرزدق ] :


                                                                                                                                                                                                                      (81) أناخو بأيدي عصبة وسيوفهم     على أمهات الهام ضربا شآميا

                                                                                                                                                                                                                      وقال الآخر [ عمرو بن كلثوم ]:


                                                                                                                                                                                                                      (82) تركنا الخيل وهي عليه نوحا     مقلدة أعنتها صفونا

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 103 ]

                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم: "وهي عليه نوح" جعلها في التشبيه هي النوح لكثرة ما كان ذلك منها كما تقول: "إنما أنت شر" و"إنما هو حمار" في الشبه، أو تجعل الرفع كأنه قال: "وهي عليه صاحبة نوح"، فألقى الصاحبة وأقام النوح مقامها. ومثل ذلك قول الخنساء :


                                                                                                                                                                                                                      (83) ترتع ما رتعت حتى إذا ذكرت     فإنما هي إقبال وإدبار

                                                                                                                                                                                                                      ومثله: (قالوا معذرة إلى ربكم) كأنهم قالوا: "موعظتنا إياهم معذرة" وقد نصب على: "نعتذر معذرة" وقال: (فأولى لهم) : (طاعة وقول معروف) على قوله: (إذا جاءتهم ذكراهم) : (فأولى لهم) : (طاعة وقول معروف) جعل الطاعة مبتدأ فقال: (طاعة وقول معروف) خير من هذا، أو جعل الطاعة مبتدأ فقال "طاعة وقول معروف خير من هذا". وزعم يونس أنه قيل لهم "قولوا حطة" أي: تكلموا بهذا الكلام. كأنه فرض عليهم أن يقولوا هذه الكلمة مرفوعة.

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 104 ]

                                                                                                                                                                                                                      55- وقال: (فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء) وقال: (والرجز فاهجر) وقال بعضهم : (والرجز) .

                                                                                                                                                                                                                      وذكروا أن "الرجز": صنم كانوا يعبدونه فأما "الرجز" فهو: "الرجس. وقال: (إنما المشركون نجس) و"النجس": القذر.

                                                                                                                                                                                                                      56- وقال: (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) بكسر الشين بنو تميم، وأما أهل الحجاز فيسكنون : (اثنتا عشرة عينا) .

                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) . من "عثا يعثى وقال بعضهم: "يعثو" من "عثوت" فـ "أنا أعثو" مثل: "غزوت" فـ "أنا أغزو".

                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية