nindex.php?page=treesubj&link=29050_31910nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=15هل أتاك حديث موسى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=16إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=17اذهب إلى فرعون إنه طغى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=18فقل هل لك إلى أن تزكى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=19وأهديك إلى ربك فتخشى .
هذه الآية اعتراض بين جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=13فإنما هي زجرة واحدة وبين جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=27أأنتم أشد خلقا الذي هو الحجة على إثبات البعث ثم الإنذار بما بعده دعت إلى استطراده مناسبة التهديد لمنكري ما أخبرهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من البعث لتماثل حال المشركين في طغيانهم على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بحال
فرعون وقومه ، وتماثل حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع قومه بحال
موسى - عليه السلام - مع
فرعون ليحصل من ذكر قصة
موسى تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - وموعظة للمشركين وأئمتهم ، مثل :
أبي جهل ، ،
وأمية بن خلف ، وأضرابهما لقوله في آخرها :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=26إن في ذلك لعبرة لمن يخشى .
و ( هل أتاك ) استفهام صوري يقصد من أمثاله تشويق السامع إلى الخير من غير قصد إلى استعلام المخاطب عن سابق علمه بذلك الخبر ، فسواء في ذلك
[ ص: 74 ] علمه من قبل أو لم يعلمه ، ولذلك لا ينتظر المتكلم بهذا الاستفهام جوابا عنه من المسؤول ، بل يعقب الاستفهام بتفصيل ما أوهم الاستفهام عنه بهذا الاستفهام كناية عن أهمية الخبر ، بحيث إنه مما يتساءل الناس عن علمه .
ولذلك لا تستعمل العرب في مثله من حروف الاستفهام غير ( هل ) لأنها تدل على طلب تحقيق المستفهم عنه ، فهي في الاستفهام مثل ( قد ) في الإخبار ، والاستفهام معها حاصل بتقدير همزة استفهام ، فالمستفهم بها يستفهم عن تحقيق الأمر ، ومن قبيله قولهم في الاستفهام : أليس قد علمت كذا فيأتون ب ( قد ) مع فعل النفي المقترن باستفهام إنكار من غير أن يكون علم المخاطب محققا عند المتكلم .
والخطاب لغير معين فالكلام موعظة ويتبعه تسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم .
و ( أتاك ) معناه : بلغك ؛ استعير الإتيان لحصول العلم تشبيها للمعقول بالمحسوس ، كأن الحصول مجيء إنسان على وجه التصريحية ، أو كأن الخبر الحاصل إنسان أثبت له الإتيان على طريقة الاستعارة المكنية ، قال
النابغة :
أتاني أبيت اللعن أنك لمتني
والحديث : الخبر ، وأصله فعيل بمعنى فاعل من حدث الأمر إذا طرأ وكان ، أي : الحادث من أحوال الناس ، وإنما يطلق على الخبر بتقدير مضاف لا يذكر لكثرة الاستعمال تقديره خبر الحديث ، أي : خبر الحادث .
و ( إذا ) اسم زمان ، واستعمل هنا في الماضي وهو بدل من حديث موسى بدل اشتمال ; لأن حديثه يشتمل على كلام الله إياه وغير ذلك .
وكما جاز أن تكون ( إذا ) بدلا من المفعول به في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء يجوز أن تكون بدلا من الفاعل وغيره ، واقتصار
ابن هشام وغيره على أنها تكون مفعولا به أو بدلا من المفعول به اقتصار على أكثر موارد استعمالها إذا خرجت عن الظرفية ، فقد جوز في الكشاف وقوع ( إذ ) مبتدأ في قراءة من قرأ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=164لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا في سورة آل عمران .
[ ص: 75 ] وأضيف ( إذ ) إلى جملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=16ناداه ربه ) والمعنى : هل أتاك خبر زمان نادى فيه
موسى ربه .
والواد : المكان المنخفض بين الجبال .
والمقدس : المطهر . والمراد به التطهير المعنوي وهو التشريف والتبريك لأجل ما نزل فيه من كلام الله دون توسط ملك يبلغ الكلام إلى
موسى - عليه السلام - ، وذلك تقديس خاص ، ولذلك قال الله له في الآية الأخرى فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس .
وطوى : اسم مكان ، ولعله هو نوع من الأودية يشبه البئر المطوية ، وقد سمي مكان بظاهر
مكة ذا طوى بضم الطاء وبفتحها وكسرها . وتقدم في سورة طه . وهذا واد في جانب جبل الطور في برية سينا في جانبه الغربي .
وقرأ الجمهور ( طوى ) بلا تنوين على أنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث بتأويل البقعة ، أو للعدل عن طاو ، أو للعجمة . وقرأه
ابن عامر ،
وعاصم ،
وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ،
وخلف منونا باعتباره اسم واد مذكر اللفظ .
وجملة اذهب إلى فرعون بيان لجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=16ناداه ربه ) .
وجملة ( إنه طغى ) تعليل للأمر في قوله : ( اذهب ) ، ولذلك افتتحت بحرف ( إن ) الذي هو للاهتمام ويفيد مفاد التعليل .
والطغيان إفراط التكبر وتقدم عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=22للطاغين مآبا في سورة النبأ .
وفرعون : لقب ملك القبط
بمصر في القديم ، وهو اسم معرب عن اللغة العبرانية ، ولا يعلم هل هو اسم للملك في لغة القبط ، ولم يطلقه القرآن إلا على ملك
مصر الذي أرسل إليه
موسى ، وأطلق على الذي في زمن
يوسف اسم الملك ، وقد تقدم الكلام عليه عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه في سورة الأعراف .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=18هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك عرض وترغيب ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=44فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى .
[ ص: 76 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=18هل لك ) تركيب جرى مجرى المثل فلا يغير عن هذا التركيب لأنه قصد به الإيجاز ، يقال : هل لك إلى كذا ؟ وهل لك في كذا ؟ وهو كلام يقصد منه العرض بقول الرجل لضيفه : هل لك أن تنزل ؟ ومنه قول
كعب :
ألا بلغا عني بجيرا رسالة فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
بضم تاء ( قلت ) . وقول
بجير أخيه في جوابه عن أبياته :
من مبلغ كعبا فهل لك في التي تلوم عليها باطلا وهي أحزم
و ( لك ) خبر مبتدأ محذوف تقديره : هل لك رغبة في كذا ؟ فحذف ( رغبة ) واكتفي بدلالة حرف ( في ) عليه ، وقالوا : هل لك إلى كذا ؟ على تقدير : هل لك ميل ؟ فحذف ( ميل ) لدلالة ( إلى ) عليه .
قال
الطيبي : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : متى كان فعل من الأفعال في معنى فعل آخر ، فكثيرا ما يجرى أحدهما مجرى صاحبه فيعول به في الاستعمال إليه ( كذا ) ويحتذى به في تصرفه حذو صاحبه وإن كان طريق الاستعمال والعرف ضد مأخذه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=18هل لك إلى أن تزكى ) وأنت إنما تقول : هل لك في كذا ؟ لكنه لما دخله معنى : آخذ بك إلى كذا أو أدعوك إليه ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=18هل لك إلى أن تزكى ) . وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم لا يقال : رفثت إلى المرأة ، إنما يقال : رفثت بها ، ومعها ، لكن لما كان الرفث بمعنى الإفضاء عدي ب ( إلى ) وهذا من أسد مذاهب العربية ; لأنه موضع يملك فيه المعنى عنان الكلام فيأخذه إليه اهـ . قيل ليس هذا من باب التضمين بل من باب المجاز والقرينة الجارة .
و ( تزكى ) قرأه
نافع ،
وابن كثير ،
وأبو جعفر ،
ويعقوب بتشديد الزاي على اعتبار أن أصله : تتزكى ، بتاءين ، فقلبت التاء المجاورة للزاي زايا لتقارب مخرجيهما وأدغمت في الزاي . وقرأه الباقون بتخفيف الزاي على أنه حذفت إحدى التاءين اقتصارا للتخفيف .
وفعل ( تزكى ) على القراءتين أصله : تتزكى بتاءين مضارع تزكى مطاوع زكاه ، أي : جعله زكيا .
[ ص: 77 ] والزكاة : الزيادة ، وتطلق على الزيادة في الخير النفساني قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=9قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها وهو مجاز شائع ساوى الحقيقة ولذلك لا يحتاج إلى قرينة .
والمعنى : حثه على أن يستعد لتخليص نفسه من العقيدة الضالة التي هي خبث مجازي في النفس ، فيقبل إرشاد من يرشده إلى ما به زيادة الخير فإن فعل المطاوعة يؤذن بفعل فاعل يعالج نفسه ويروضها إذ كان لم يهتد أن يزكي نفسه بنفسه .
ولذلك أعقبه بعطف :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=19وأهديك إلى ربك فتخشى أي إن كان فيك إعداد نفسك للتزكية يكن إرشادي إياك فتخشى ، فكان ترتيب الجمل في الذكر مراعى فيه ترتبها في الحصول ، فلذلك لم يحتج إلى عطفه بفاء التفريع ، إذ كثيرا ما يستغنى بالعطف بالواو مع إرادة الترتيب عن العطف بحرف الترتيب ; لأن الواو تفيد الترتيب بالقرينة ، ويستغنى بالعطف عن ذكر حرف التفسير في العطف التفسيري الذي يكون الواو فيه بمعنى ( أي ) التفسيرية فإن أن تزكى وأهديك في قوة المفرد . والتقدير : هل لك في التزكية وهدايتي إياك فخشيتك الله تعالى .
والهداية : الدلالة على الطريق الموصل إلى المطلوب إذا قبلها المهدي .
وتفريع ( فتخشى ) على ( أهديك ) إشارة إلى أن خشية الله لا تكون إلا بالمعرفة ، قال تعالى : إنما يخشى الله من عباده العلماء أي : العلماء به ، أي : يخشاه خشية كاملة لا خطأ فيها ولا تقصير .
قال
الطيبي : وعن
الواسطي : أوائل العلم الخشية ، ثم الإجلال ، ثم التعظيم ، ثم الهيبة ، ثم الفناء .
وفي الاقتصار على ذكر الخشية إيجاز بليغ ; لأن الخشية ملاك كل خير . وفي جامع
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002793من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل .
[ ص: 78 ] وذكر له الإله الحق بوصف ( ربك ) دون أن يذكر اسم الله العلم أو غيره من طرق التعريف إلطافا في الدعوة إلى التوحيد وتجنبا لاستطارة نفسه نفورا ، لأنه لا يعرف في لغة
فرعون اسم الله تعالى ، ولو عرفه له باسمه في لغة إسرائيل لنفر ; لأن
فرعون كان يعبد آلهة باطلة ، فكان في قوله ( إلى ربك ) -
وفرعون يعلم أن له ربا - إطماع له أن يرشده
موسى إلى ما لا ينافي عقائده فيصغي إليه سمعه حتى إذا سمع قوله وحجته داخله الإيمان الحق مدرجا ، ففي هذا الأسلوب استنزال لطائره .
والخشية : الخوف ؛ فإذا أطلقت في لسان الشرع يراد بها خشية الله تعالى ، ولهذا نزل فعلها هنا منزلة اللازم فلم يذكر له مفعول ; لأن المخشي معلوم مثل فعل الإيمان في لسان الشرع ، يقال : آمن فلان ، وفلان مؤمن أي : مؤمن بالله ووحدانيته .
nindex.php?page=treesubj&link=29050_31910nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=15هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=16إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوَى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=17اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=18فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَّكَّى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=19وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكِ فَتَخْشَى .
هَذِهِ الْآيَةُ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=13فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَبَيْنَ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=27أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا الَّذِي هُوَ الْحُجَّةُ عَلَى إِثْبَاتِ الْبَعْثِ ثُمَّ الْإِنْذَارُ بِمَا بَعْدَهُ دَعَتْ إِلَى اسْتِطْرَادِهِ مُنَاسَبَةُ التَّهْدِيدِ لِمُنْكِرِي مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْبَعْثِ لِتَمَاثُلِ حَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي طُغْيَانِهِمْ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَالِ
فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ، وَتَمَاثُلِ حَالِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ قَوْمِهِ بِحَالِ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ
فِرْعَوْنَ لِيَحْصُلَ مِنْ ذِكْرِ قِصَّةِ
مُوسَى تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ وَأَئِمَّتِهِمْ ، مِثْلَ :
أَبِي جَهْلٍ ، ،
وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَأَضْرَابِهِمَا لِقَوْلِهِ فِي آخِرِهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=26إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى .
وَ ( هَلْ أَتَاكَ ) اسْتِفْهَامٌ صُورِيٌّ يُقْصَدُ مِنْ أَمْثَالِهِ تَشْوِيقُ السَّامِعِ إِلَى الْخَيْرِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى اسْتِعْلَامِ الْمُخَاطَبِ عَنْ سَابِقِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ الْخَبَرِ ، فَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ
[ ص: 74 ] عَلِمَهُ مِنْ قَبْلُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ ، وَلِذَلِكَ لَا يَنْتَظِرُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَذَا الِاسْتِفْهَامِ جَوَابًا عَنْهُ مِنَ الْمَسْؤُولِ ، بَلْ يُعَقِّبُ الِاسْتِفْهَامَ بِتَفْصِيلِ مَا أَوْهَمَ الِاسْتِفْهَامَ عَنْهُ بِهَذَا الِاسْتِفْهَامِ كِنَايَةً عَنْ أَهَمِّيَّةِ الْخَبَرِ ، بِحَيْثُ إِنَّهُ مِمَّا يَتَسَاءَلُ النَّاسُ عَنْ عِلْمِهِ .
وَلِذَلِكَ لَا تَسْتَعْمِلُ الْعَرَبُ فِي مِثْلِهِ مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِفْهَامِ غَيْرَ ( هَلْ ) لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى طَلَبِ تَحْقِيقِ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ ، فَهِيَ فِي الِاسْتِفْهَامِ مِثْلَ ( قَدْ ) فِي الْإِخْبَارِ ، وَالِاسْتِفْهَامُ مَعَهَا حَاصِلٌ بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ اسْتِفْهَامٍ ، فَالْمُسْتَفْهِمُ بِهَا يَسْتَفْهِمُ عَنْ تَحْقِيقِ الْأَمْرِ ، وَمِنْ قَبِيلِهِ قَوْلُهُمْ فِي الِاسْتِفْهَامِ : أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ كَذَا فَيَأْتُونَ بِ ( قَدْ ) مَعَ فِعْلِ النَّفْيِ الْمُقْتَرِنِ بِاسْتِفْهَامِ إِنْكَارٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عِلْمُ الْمُخَاطَبِ مُحَقَّقًا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ .
وَالْخِطَابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَالْكَلَامُ مَوْعِظَةٌ وَيَتْبَعُهُ تَسْلِيَةُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَ ( أَتَاكَ ) مَعْنَاهُ : بَلَغَكَ ؛ اسْتُعِيرَ الْإِتْيَانُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ تَشْبِيهًا لِلْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ ، كَأَنَّ الْحُصُولَ مَجِيءُ إِنْسَانٍ عَلَى وَجْهِ التَّصْرِيحِيَّةِ ، أَوْ كَأَنَّ الْخَبَرَ الْحَاصِلَ إِنْسَانٌ أُثْبِتَ لَهُ الْإِتْيَانُ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ ، قَالَ
النَّابِغَةُ :
أَتَانِي أَبَيْتَ اللَّعْنَ أَنَّكَ لُمْتَنِي
وَالْحَدِيثُ : الْخَبَرُ ، وَأَصْلُهُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ حَدَثَ الْأَمْرُ إِذَا طَرَأَ وَكَانَ ، أَيِ : الْحَادِثُ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ ، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْخَبَرِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ لَا يُذْكَرُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ تَقْدِيرُهُ خَبَرُ الْحَدِيثِ ، أَيْ : خَبَرُ الْحَادِثِ .
وَ ( إِذَا ) اسْمُ زَمَانٍ ، وَاسْتُعْمِلَ هُنَا فِي الْمَاضِي وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بَدَلُ اشْتِمَالٍ ; لِأَنَّ حَدِيثَهُ يَشْتَمِلُ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ إِيَّاهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَكَمَا جَازَ أَنْ تَكُونَ ( إِذَا ) بَدَلًا مِنَ الْمَفْعُولِ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَدَلًا مِنَ الْفَاعِلِ وَغَيْرِهِ ، وَاقْتِصَارُ
ابْنِ هِشَامٍ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ أَوْ بَدَلًا مِنَ الْمَفْعُولِ بِهِ اقْتِصَارٌ عَلَى أَكْثَرِ مَوَارِدِ اسْتِعْمَالِهَا إِذَا خَرَجَتْ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ ، فَقَدْ جُوِّزَ فِي الْكَشَّافِ وُقُوعُ ( إِذْ ) مُبْتَدَأً فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=164لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .
[ ص: 75 ] وَأُضِيفَ ( إِذْ ) إِلَى جُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=16نَادَاهُ رَبُّهُ ) وَالْمَعْنَى : هَلْ أَتَاكَ خَبَرُ زَمَانٍ نَادَى فِيهِ
مُوسَى رَبُّهُ .
وَالْوَادِ : الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ بَيْنَ الْجِبَالِ .
وَالْمُقَدَّسُ : الْمُطَهَّرُ . وَالْمُرَادُ بِهِ التَّطْهِيرُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ التَّشْرِيفُ وَالتَّبْرِيكُ لِأَجْلِ مَا نَزَلَ فِيهِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ دُونَ تَوَسُّطِ مَلَكٍ يُبَلِّغُ الْكَلَامَ إِلَى
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَذَلِكَ تَقْدِيسٌ خَاصٌّ ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ لَهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ .
وَطُوًى : اسْمُ مَكَانٍ ، وَلَعَلَّهُ هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْأَوْدِيَةِ يُشْبِهُ الْبِئْرَ الْمَطْوِيَّةَ ، وَقَدْ سُمِّيَ مَكَانٌ بِظَاهِرِ
مَكَّةَ ذَا طُوًى بِضَمِّ الطَّاءِ وَبِفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا . وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ طَهَ . وَهَذَا وَادٍ فِي جَانِبِ جَبَلِ الطُّورِ فِي بَرِّيَّةِ سِينَا فِي جَانِبِهِ الْغَرْبِيِّ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( طُوَى ) بِلَا تَنْوِينٍ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ بِتَأْوِيلِ الْبُقْعَةِ ، أَوْ لِلْعَدْلِ عَنْ طَاوٍ ، أَوْ لِلْعُجْمَةِ . وَقَرَأَهُ
ابْنُ عَامِرٍ ،
وَعَاصِمٌ ،
وَحَمْزَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ،
وَخَلَفٌ مُنَوَّنًا بِاعْتِبَارِهِ اسْمَ وَادٍ مُذَكَّرَ اللَّفْظِ .
وَجُمْلَةُ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=16نَادَاهُ رَبُّهُ ) .
وَجُمْلَةُ ( إِنَّهُ طَغَى ) تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ : ( اذْهَبْ ) ، وَلِذَلِكَ افْتُتِحَتْ بِحَرْفِ ( إِنَّ ) الَّذِي هُوَ لِلِاهْتِمَامِ وَيُفِيدُ مُفَادَ التَّعْلِيلِ .
وَالطُّغْيَانُ إِفْرَاطُ التَّكَبُّرِ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=22لِلطَّاغِينَ مَآبًا فِي سُورَةِ النَّبَأِ .
وَفِرْعَوْنُ : لَقَبُ مَلِكِ الْقِبْطِ
بِمِصْرَ فِي الْقَدِيمِ ، وَهُوَ اسْمٌ مُعَرَّبٌ عَنِ اللُّغَةِ الْعِبْرَانِيَّةِ ، وَلَا يُعْلَمُ هَلْ هُوَ اسْمٌ لِلْمَلِكِ فِي لُغَةِ الْقِبْطِ ، وَلَمْ يُطْلِقْهُ الْقُرْآنُ إِلَّا عَلَى مَلِكِ
مِصْرَ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِ
مُوسَى ، وَأُطْلِقَ عَلَى الَّذِي فِي زَمَنِ
يُوسُفَ اسْمُ الْمَلِكِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=18هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ عَرْضٌ وَتَرْغِيبٌ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=44فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى .
[ ص: 76 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=18هَلْ لَكَ ) تَرْكِيبٌ جَرَى مَجْرَى الْمَثَلِ فَلَا يُغَيَّرُ عَنْ هَذَا التَّرْكِيبِ لِأَنَّهُ قُصِدَ بِهِ الْإِيجَازُ ، يُقَالُ : هَلْ لَكَ إِلَى كَذَا ؟ وَهَلْ لَكَ فِي كَذَا ؟ وَهُوَ كَلَامٌ يُقْصَدُ مِنْهُ الْعَرْضُ بِقَوْلِ الرَّجُلِ لِضَيْفِهِ : هَلْ لَكَ أَنْ تَنْزِلَ ؟ وَمِنْهُ قَوْلُ
كَعْبٍ :
أَلَا بَلِّغَا عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً فَهَلْ لَكَ فِيمَا قُلْتُ وَيْحَكَ هَلْ لَكَا
بِضَمِّ تَاءِ ( قُلْتُ ) . وَقَوْلٌ
بُجَيْرٍ أَخِيهِ فِي جَوَابِهِ عَنْ أَبْيَاتِهِ :
مَنْ مُبْلِغٌ كَعْبًا فَهَلْ لَكَ فِي الَّتِي تَلُومُ عَلَيْهَا بَاطِلًا وَهِيَ أَحْزَمُ
وَ ( لَكَ ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : هَلْ لَكَ رَغْبَةٌ فِي كَذَا ؟ فَحُذِفَ ( رَغْبَةٌ ) وَاكْتُفِيَ بِدِلَالَةِ حَرْفِ ( فِي ) عَلَيْهِ ، وَقَالُوا : هَلْ لَكَ إِلَى كَذَا ؟ عَلَى تَقْدِيرِ : هَلْ لَكَ مَيْلٌ ؟ فَحُذِفَ ( مَيْلٌ ) لِدِلَالَةِ ( إِلَى ) عَلَيْهِ .
قَالَ
الطَّيِّبِيُّ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّي : مَتَّى كَانَ فِعْلٌ مِنَ الْأَفْعَالِ فِي مَعْنَى فِعْلٍ آخَرَ ، فَكَثِيرًا مَا يُجْرَى أَحَدُهُمَا مَجْرَى صَاحِبِهِ فَيُعَوَّلُ بِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ إِلَيْهِ ( كَذَا ) وَيُحْتَذَى بِهِ فِي تَصَرُّفِهِ حَذْوَ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ طَرِيقُ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعُرْفِ ضِدَّ مَأْخَذِهِ ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=18هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ) وَأَنْتَ إِنَّمَا تَقُولُ : هَلْ لَكَ فِي كَذَا ؟ لَكِنَّهُ لَمَّا دَخَلَهُ مَعْنَى : آخُذُ بِكَ إِلَى كَذَا أَوْ أَدْعُوكَ إِلَيْهِ ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=18هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ) . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ لَا يُقَالُ : رَفَثْتُ إِلَى الْمَرْأَةِ ، إِنَّمَا يُقَالُ : رَفَثْتُ بِهَا ، وَمَعَهَا ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الرَّفَثُ بِمَعْنَى الْإِفْضَاءِ عُدِّيَ بِ ( إِلَى ) وَهَذَا مِنْ أَسَدِّ مَذَاهِبِ الْعَرَبِيَّةِ ; لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يَمْلِكُ فِيهِ الْمَعْنَى عِنَانَ الْكَلَامِ فَيَأْخُذُهُ إِلَيْهِ اهـ . قِيلَ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ التَّضْمِينِ بَلْ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ وَالْقَرِينَةِ الْجَارَّةِ .
وَ ( تَزَكَّى ) قَرَأَهُ
نَافِعٌ ،
وَابْنُ كَثِيرٍ ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ ،
وَيَعْقُوبُ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ أَصْلَهُ : تَتَزَكَّى ، بِتَاءَيْنِ ، فَقُلِبَتِ التَّاءُ الْمُجَاوِرَةُ لِلزَّايِ زَايًا لِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا وَأُدْغِمَتْ فِي الزَّايِ . وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِتَخْفِيفِ الزَّايِ عَلَى أَنَّهُ حُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ اقْتِصَارًا لِلتَّخْفِيفِ .
وَفِعْلُ ( تَزَكَّى ) عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ أَصْلُهُ : تَتَزَكَّى بِتَاءَيْنِ مُضَارِعُ تَزَكَّى مُطَاوِعُ زَكَّاهُ ، أَيْ : جَعَلَهُ زَكِيًّا .
[ ص: 77 ] وَالزَّكَاةُ : الزِّيَادَةُ ، وَتُطْلَقُ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْخَيْرِ النَّفْسَانِيِّ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=9قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا وَهُوَ مَجَازٌ شَائِعٌ سَاوَى الْحَقِيقَةَ وَلِذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَةٍ .
وَالْمَعْنَى : حَثُّهُ عَلَى أَنْ يَسْتَعِدَّ لِتَخْلِيصِ نَفْسِهِ مِنَ الْعَقِيدَةِ الضَّالَّةِ الَّتِي هِيَ خُبْثٌ مَجَازِيٌّ فِي النَّفْسِ ، فَيَقْبَلَ إِرْشَادَ مَنْ يُرْشِدُهُ إِلَى مَا بِهِ زِيَادَةُ الْخَيْرِ فَإِنَّ فِعْلَ الْمُطَاوَعَةِ يُؤْذِنُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ يُعَالِجُ نَفْسَهُ وَيُرَوِّضُهَا إِذْ كَانَ لَمْ يَهْتَدِ أَنْ يُزَكِّيَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ .
وَلِذَلِكَ أَعْقَبَهُ بِعَطْفِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=19وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى أَيْ إِنْ كَانَ فِيكَ إِعْدَادُ نَفْسِكَ لِلتَّزْكِيَةِ يَكُنْ إِرْشَادِي إِيَّاكَ فَتَخْشَى ، فَكَانَ تَرْتِيبُ الْجُمَلِ فِي الذِّكْرِ مُرَاعًى فِيهِ تَرَتُّبُهَا فِي الْحُصُولِ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى عَطْفِهِ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ ، إِذْ كَثِيرًا مَا يُسْتَغْنَى بِالْعَطْفِ بِالْوَاوِ مَعَ إِرَادَةِ التَّرْتِيبِ عَنِ الْعَطْفِ بِحَرْفِ التَّرْتِيبِ ; لِأَنَّ الْوَاوَ تُفِيدُ التَّرْتِيبَ بِالْقَرِينَةِ ، وَيُسْتَغْنَى بِالْعَطْفِ عَنْ ذِكْرِ حَرْفِ التَّفْسِيرِ فِي الْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ الَّذِي يَكُونُ الْوَاوُ فِيهِ بِمَعْنَى ( أَيِ ) التَّفْسِيرِيَّةِ فَإِنَّ أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ فِي قُوَّةِ الْمُفْرَدِ . وَالتَّقْدِيرُ : هَلْ لَكَ فِي التَّزْكِيَةِ وَهِدَايَتِي إِيَّاكَ فَخَشْيَتِكَ اللَّهَ تَعَالَى .
وَالْهِدَايَةُ : الدِّلَالَةُ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ إِلَى الْمَطْلُوبِ إِذَا قَبِلَهَا الْمَهْدِيُّ .
وَتَفْرِيعُ ( فَتَخْشَى ) عَلَى ( أَهْدِيَكَ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ خَشْيَةَ اللَّهِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْمَعْرِفَةِ ، قَالَ تَعَالَى : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ أَيِ : الْعُلَمَاءُ بِهِ ، أَيْ : يَخْشَاهُ خَشْيَةً كَامِلَةً لَا خَطَأَ فِيهَا وَلَا تَقْصِيرَ .
قَالَ
الطَّيِّبِيُّ : وَعَنِ
الْوَاسِطِيِّ : أَوَائِلُ الْعِلْمِ الْخَشْيَةُ ، ثُمَّ الْإِجْلَالُ ، ثُمَّ التَّعْظِيمُ ، ثُمَّ الْهَيْبَةُ ، ثُمَّ الْفَنَاءُ .
وَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِ الْخَشْيَةِ إِيجَازٌ بَلِيغٌ ; لِأَنَّ الْخَشْيَةَ مِلَاكُ كُلِّ خَيْرٍ . وَفِي جَامِعِ
التِّرْمِذِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002793مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ .
[ ص: 78 ] وَذُكِرَ لَهُ الْإِلَهُ الْحَقُّ بِوَصْفِ ( رَبِّكَ ) دُونَ أَنْ يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ الْعَلَمُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ طُرُقِ التَّعْرِيفِ إِلْطَافًا فِي الدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ وَتَجَنُّبًا لِاسْتِطَارَةِ نَفْسِهِ نُفُورًا ، لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي لُغَةِ
فِرْعَوْنَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَوْ عَرَّفَهُ لَهُ بِاسْمِهِ فِي لُغَةِ إِسْرَائِيلَ لَنَفَرَ ; لِأَنَّ
فِرْعَوْنَ كَانَ يَعْبُدُ آلِهَةً بَاطِلَةً ، فَكَانَ فِي قَوْلِهِ ( إِلَى رَبِّكَ ) -
وَفِرْعَوْنُ يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ رَبًّا - إِطْمَاعٌ لَهُ أَنْ يُرْشِدَهُ
مُوسَى إِلَى مَا لَا يُنَافِي عَقَائِدَهُ فَيُصْغِي إِلَيْهِ سَمْعَهُ حَتَّى إِذَا سَمِعَ قَوْلَهُ وَحُجَّتَهُ دَاخَلَهُ الْإِيمَانُ الْحَقُّ مُدَرَّجًا ، فَفِي هَذَا الْأُسْلُوبِ اسْتِنْزَالٌ لِطَائِرِهِ .
وَالْخَشْيَةُ : الْخَوْفُ ؛ فَإِذَا أُطْلِقَتْ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ يُرَادُ بِهَا خَشْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلِهَذَا نَزَلَ فِعْلُهَا هُنَا مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ فَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ مَفْعُولٌ ; لِأَنَّ الْمَخْشِيَّ مَعْلُومٌ مِثْلَ فِعْلِ الْإِيمَانِ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ ، يُقَالُ : آمَنَ فُلَانٌ ، وَفُلَانٌ مُؤْمِنٌ أَيْ : مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ .