nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=27nindex.php?page=treesubj&link=29050_33679_31756أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=28رفع سمكها فسواها nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=29وأغطش ليلها وأخرج ضحاها .
انتقال من الاعتبار بأمثالهم من الأمم الذي هو تخويف وتهديد على تكذيبهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى إبطال شبهتهم على نفي البعث ، وهي قوله : ( أينا لمردودون في الحافرة ) وما أعقبوه به من التهكم المبني على توهم إحالة البعث ، وإذ قد فرضوا استحالة عود الحياة إلى الأجسام البالية إذ مثلوها بأجساد أنفسهم ، إذ قالوا : ( أينا لمردودون ) جاء إبطال شبهتهم بقياس خلق أجسادهم على خلق السماوات والأرض فقيل لهم
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=27أأنتم أشد خلقا أم السماء ، فلذلك قيل لهم هنا ( أأنتم ) بضميرهم ، ولم يقل : آلإنسان أشد خلقا ، وما هم إلا من الإنسان ، فالخطاب موجه إلى المشركين الذين عبر عنهم آنفا بضمائر الغيبة من قوله : ( يقولون ) إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=14فإذا هم بالساهرة ، وهو التفات من الغيبة إلى الخطاب .
فالجملة مستأنفة لقصد الجواب عن شبهتهم ; لأن حكاية شبهتهم ب ( يقولون أينا ) إلى آخره ، تقتضي ترقب جواب عن ذلك القول كما تقدم الإيماء إليه عند قوله : ( يقولون أينا لمردودون ) .
والاستفهام تقريري . والمقصود من التقرير إلجاؤهم إلى الإقرار بأن خلق السماء أعظم من خلقهم ، أي : من خلق نوعهم وهو نوع الإنسان وهم يعلمون أن الله هو خالق السماء فلا جرم أن الذي قدر على خلق السماء قادر على خلق الإنسان مرة ثانية ، فينتج ذلك أن إعادة خلق الأجساد بعد فنائها مقدورة لله تعالى لأنه قدر على ما هو أعظم من ذلك قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=57لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، ذلك أن نظرهم العقلي غيمت عليه العادة فجعلوا ما لم يألفوه محالا ، ولم يلتفتوا إلى إمكان ما هو أعظم مما أحالوه بالضرورة .
[ ص: 84 ] و ( أشد ) : اسم تفضيل ، والمفضل عليه محذوف يدل عليه قوله : ( أم السماء ) .
ومعنى ( أشد ) : أصعب ، و ( خلقا ) مصدر منتصب على التمييز لنسبة الأشدية إليهم ، أي : أشد من جهة خلق الله إياكم أشد أم خلقه السماء ، فالتمييز محول عن المبتدأ .
و ( السماء ) يجوز أن يراد به الجنس وتعريفه تعريف الجنس ، أي : السماوات ، وهي محجوبة عن مشاهدة الناس ، فيكون الاستفهام التقريري مبنيا على ما هو مشتهر بين الناس من عظمة السماوات تنزيلا للمعقول منزل المحسوس .
ويجوز أن يراد به سماء معينة وهي المسماة بالسماء الدنيا التي تلوح فيها أضواء النجوم فتعريفه تعريف العهد ، وهي الكرة الفضائية المحيطة بالأرض ويبدو فيها ضوء النهار وظلمة الليل ، فيكون الاستفهام التقريري مبنيا على ما هو مشاهد لهم . وهذا أنسب بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=29وأغطش ليلها وأخرج ضحاها لعدم احتياجه إلى التأويل .
وجملة ( بناها ) يجوز أن تكون مستأنفة استئنافا بيانيا لبيان شدة خلق السماء ، ويجوز أن تكون بدل اشتمال من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=27أم السماء ) لأنه في تقدير : أم السماء أشد خلقا . وقد جعلت كلمة ( بناها ) فاصلة فيكون الوقف عندها ولا ضير في ذلك ؛ إذ لا لبس في المعنى ; لأن ( بناها ) جملة و ( أم ) المعادلة لا يقع بعدها إلا اسم مفرد .
والبناء : جعل بيت أو دار من حجارة ، أو آجر أو أدم ، أو أثواب من نسيج الشعر ، مشدودة شققه بعضها إلى بعض بغرز أو خياطة ومقامة على دعائم ، فما كان من ذلك بأدم يسمى قبة وما كان بأثواب يسمى خيمة وخباء .
وبناء السماء : خلقها ؛ استعير له فعل البناء لمشابهتها البيوت في الارتفاع .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=28رفع سمكها فسواها مبينة لجملة ( بناها ) أو بدل اشتمال منها . وسلك طريق الإجمال ثم التفصيل لزيادة التصوير .
والسمك : بفتح السين وسكون الميم : الرفع في الفضاء كما اقتصر عليه
[ ص: 85 ] الراغب سواء اتصل المرفوع بالأرض أو لم يتصل بها وهو مصدر سمك .
والرفع : جعل جسم معتليا ، وهو مرادف للسمك ، فتعدية فعل ( رفع ) إلى السمك للمبالغة في الرفع ، أي : رفع رفعها أي : جعله رفيعا ، وهو من قبيل قولهم : ليل أليل ، وشعر شاعر ، وظل ظليل .
والتسوية : التعديل وعدم التفاوت وهي جعل الأشياء سواء ، أي : متماثلة ؛ وأصلها أن تتعلق بأشياء ، وقد تتعلق باسم شيء واحد على معنى تعديل جهاته ونواحيه ، ومنه قوله هنا فسواها ، أي : عدل أجزاءها وذلك بأن أتقن صنعها فلا ترى فيها تفاوتا .
والفاء في ( فسواها ) للتعقيب .
وتسوية السماء حصلت مع حصول سمكها ، فالتعقيب فيه مثل التعقيب في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=23فنادى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24فقال أنا ربكم الأعلى .
وجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=29وأغطش ليلها ) معطوفة على جملة ( بناها ) وليست معطوفة على (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=28رفع سمكها ) لأن إغطاش وإخراج الضحى ليس مما يبين به البناء .
والإغطاش : جعله غاطشا ، أي : ظلاما ، يقال : غطش الليل من باب ضرب ، أي : أظلم .
والمعنى : أنه خص الليل بالظلمة وجعله ظلاما ، أي : جعل ليلها ظلاما ، وهو قريب من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=28رفع سمكها ) من باب قولهم : ليل أليل .
وإخراج الضحى : إبراز نور الضحى ، وأصل الإخراج النقل من مكان حاو ، واستعير للإظهار استعارة شائعة .
والضحى : بروز ضوء الشمس بعد طلوعها وبعد احمرار شعاعها ، فالضحى هو نور الشمس الخالص وسمي به وقته على تقدير مضاف كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=59وأن يحشر الناس ضحى يدل لذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=1والشمس وضحاها أي : نورها الواضح .
[ ص: 86 ] وإنما جعل إظهار النور إخراجا ; لأن النور طارئ بعد الظلمة ؛ إذ الظلمة عدم وهو أسبق ، والنور محتاج إلى السبب الذي ينيره .
وإضافة ( ليل ) و ( ضحى ) إلى ضمير السماء إن كان السماء الدنيا فلأنهما يلوحان للناس في جو السماء ، فيلوح الضحى أشعة منتشرة من السماء صادرة من جهة مطلع الشمس ، فتقع الأشعة على وجه الأرض ، ثم إذا انحجبت الشمس بدورة الأرض في اليوم والليلة أخذ الظلام يحل محل ما يتقلص من شعاع الشمس في الأفق إلى أن يصير ليلا حالكا محيطا بقسم من الكرة الأرضية .
وإن كان السماء جنسا للسماوات فإضافة ( ليل ) و ( ضحى ) إلى السماوات لأنهما يلوحان في جهاتها .
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=27nindex.php?page=treesubj&link=29050_33679_31756أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=28رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=29وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا .
انْتِقَالٌ مِنَ الِاعْتِبَارِ بِأَمْثَالِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِي هُوَ تَخْوِيفٌ وَتَهْدِيدٌ عَلَى تَكْذِيبِهِمُ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى إِبْطَالِ شُبْهَتِهِمْ عَلَى نَفْيِ الْبَعْثِ ، وَهِيَ قَوْلُهُ : ( أَيِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ) وَمَا أَعْقَبُوهُ بِهِ مِنَ التَّهَكُّمِ الْمَبْنِيِّ عَلَى تَوَهُّمِ إِحَالَةِ الْبَعْثِ ، وَإِذْ قَدْ فَرَضُوا اسْتِحَالَةَ عَوْدِ الْحَيَاةِ إِلَى الْأَجْسَامِ الْبَالِيَةِ إِذْ مَثَّلُوهَا بِأَجْسَادِ أَنْفُسِهِمْ ، إِذْ قَالُوا : ( أَيِنَّا لَمَرْدُودُونَ ) جَاءَ إِبْطَالُ شُبْهَتِهِمْ بِقِيَاسِ خَلْقِ أَجْسَادِهِمْ عَلَى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَقِيلَ لَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=27أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ، فَلِذَلِكَ قِيلَ لَهُمْ هُنَا ( أَأَنْتُمْ ) بِضَمِيرِهِمْ ، وَلَمْ يُقَلْ : آلْإِنْسَانُ أَشَدُّ خَلْقًا ، وَمَا هُمْ إِلَّا مِنَ الْإِنْسَانِ ، فَالْخِطَابُ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عُبِّرَ عَنْهُمْ آنِفًا بِضَمَائِرِ الْغَيْبَةِ مِنْ قَوْلِهِ : ( يَقُولُونَ ) إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=14فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ، وَهُوَ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ .
فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِقَصْدِ الْجَوَابِ عَنْ شُبْهَتِهِمْ ; لِأَنَّ حِكَايَةَ شُبْهَتِهِمْ بِ ( يَقُولُونَ أَيِنَّا ) إِلَى آخِرِهِ ، تَقْتَضِي تَرَقُّبَ جَوَابٍ عَنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ الْإِيمَاءُ إِلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ : ( يَقُولُونَ أَيِنَّا لَمَرْدُودُونَ ) .
وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيٌّ . وَالْمَقْصُودُ مِنَ التَّقْرِيرِ إِلْجَاؤُهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِأَنَّ خَلْقَ السَّمَاءِ أَعْظَمُ مِنْ خَلْقِهِمْ ، أَيْ : مِنْ خَلْقِ نَوْعِهِمْ وَهُوَ نَوْعُ الْإِنْسَانِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ خَالِقُ السَّمَاءِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ الَّذِي قَدَرَ عَلَى خَلْقِ السَّمَاءِ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْإِنْسَانِ مَرَّةً ثَانِيَةً ، فَيُنْتِجُ ذَلِكَ أَنَّ إِعَادَةَ خَلْقِ الْأَجْسَادِ بَعْدَ فَنَائِهَا مَقْدُورَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=57لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ، ذَلِكَ أَنَّ نَظَرَهُمُ الْعَقْلِيَّ غَيَّمَتْ عَلَيْهِ الْعَادَةُ فَجَعَلُوا مَا لَمْ يَأْلَفُوهُ مُحَالًا ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى إِمْكَانِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا أَحَالُوهُ بِالضَّرُورَةِ .
[ ص: 84 ] وَ ( أَشَدُّ ) : اسْمُ تَفْضِيلٍ ، وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : ( أَمِ السَّمَاءُ ) .
وَمَعْنَى ( أَشَدُّ ) : أَصْعَبُ ، وَ ( خَلْقًا ) مَصْدَرٌ مُنْتَصِبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ لِنِسْبَةِ الْأَشَدِّيَّةِ إِلَيْهِمْ ، أَيْ : أَشَدُّ مِنْ جِهَةِ خَلْقِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَشُدُّ أَمْ خَلْقُهُ السَّمَاءَ ، فَالتَّمْيِيزُ مُحَوَّلٌ عَنِ الْمُبْتَدَأِ .
وَ ( السَّمَاءُ ) يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ وَتَعْرِيفُهُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ ، أَيِ : السَّمَاوَاتُ ، وَهِيَ مَحْجُوبَةٌ عَنْ مُشَاهَدَةِ النَّاسِ ، فَيَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ التَّقْرِيرِيُّ مَبْنِيًّا عَلَى مَا هُوَ مُشْتَهِرٌ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ عَظَمَةِ السَّمَاوَاتِ تَنْزِيلًا لِلْمَعْقُولِ مَنْزِلَ الْمَحْسُوسِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ سَمَاءٌ مُعَيَّنَةٌ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالسَّمَاءِ الدُّنْيَا الَّتِي تَلُوحُ فِيهَا أَضْوَاءُ النُّجُومِ فَتَعْرِيفُهُ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ ، وَهِيَ الْكُرَةُ الْفَضَائِيَّةُ الْمُحِيطَةُ بِالْأَرْضِ وَيَبْدُو فِيهَا ضَوْءُ النَّهَارِ وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ ، فَيَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ التَّقْرِيرِيُّ مَبْنِيًّا عَلَى مَا هُوَ مُشَاهَدٌ لَهُمْ . وَهَذَا أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=29وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إِلَى التَّأْوِيلِ .
وَجُمْلَةُ ( بَنَاهَا ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِبَيَانِ شِدَّةِ خَلْقِ السَّمَاءِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=27أَمِ السَّمَاءُ ) لِأَنَّهُ فِي تَقْدِيرِ : أَمِ السَّمَاءُ أَشَدُّ خَلْقًا . وَقَدْ جُعِلَتْ كَلِمَةُ ( بَنَاهَا ) فَاصِلَةً فَيَكُونُ الْوَقْفُ عِنْدَهَا وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ ؛ إِذْ لَا لَبْسَ فِي الْمَعْنَى ; لِأَنَّ ( بَنَاهَا ) جُمْلَةٌ وَ ( أَمِ ) الْمُعَادِلَةُ لَا يَقَعُ بَعْدَهَا إِلَّا اسْمٌ مُفْرَدٌ .
وَالْبِنَاءُ : جَعْلُ بَيْتٍ أَوْ دَارٍ مِنْ حِجَارَةٍ ، أَوْ آجُرٍّ أَوْ أَدَمٍ ، أَوْ أَثْوَابٍ مِنْ نَسِيجِ الشَّعْرِ ، مَشْدُودَةٌ شُقَقُهُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ بِغَرْزٍ أَوْ خِيَاطَةٍ وَمُقَامَةٌ عَلَى دَعَائِمَ ، فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ بِأَدَمٍ يُسَمَّى قُبَّةً وَمَا كَانَ بِأَثْوَابٍ يُسَمَّى خَيْمَةً وَخِبَاءً .
وَبِنَاءُ السَّمَاءِ : خَلْقُهَا ؛ اسْتُعِيرَ لَهُ فِعْلُ الْبِنَاءِ لِمُشَابَهَتِهَا الْبُيُوتَ فِي الِارْتِفَاعِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=28رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ ( بَنَاهَا ) أَوْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْهَا . وَسُلِكَ طَرِيقُ الْإِجْمَالِ ثُمَّ التَّفْصِيلِ لِزِيَادَةِ التَّصْوِيرِ .
وَالسَّمْكُ : بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْمِيمِ : الرَّفْعُ فِي الْفَضَاءِ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ
[ ص: 85 ] الرَّاغِبُ سَوَاءٌ اتَّصَلَ الْمَرْفُوعُ بِالْأَرْضِ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا وَهُوَ مَصْدَرُ سَمَكَ .
وَالرَّفْعُ : جَعْلُ جِسْمٍ مُعْتَلِيًا ، وَهُوَ مُرَادِفٌ لِلسَّمْكِ ، فَتَعْدِيَةُ فِعْلِ ( رَفَعَ ) إِلَى السَّمْكِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الرَّفْعِ ، أَيْ : رَفَعَ رَفْعَهَا أَيْ : جَعَلَهُ رَفِيعًا ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِمْ : لَيْلٌ أَلْيَلُ ، وَشِعْرٌ شَاعِرٌ ، وَظَلٌّ ظَلِيلٌ .
وَالتَّسْوِيَةُ : التَّعْدِيلُ وَعَدَمُ التَّفَاوُتِ وَهِيَ جَعْلُ الْأَشْيَاءِ سَوَاءً ، أَيْ : مُتَمَاثِلَةً ؛ وَأَصْلُهَا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِأَشْيَاءَ ، وَقَدْ تَتَعَلَّقُ بِاسْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ عَلَى مَعْنَى تَعْدِيلِ جِهَاتِهِ وَنَوَاحِيهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ هُنَا فَسَوَّاهَا ، أَيْ : عَدَّلَ أَجْزَاءَهَا وَذَلِكَ بِأَنْ أَتْقَنَ صُنْعَهَا فَلَا تَرَى فِيهَا تَفَاوُتًا .
وَالْفَاءُ فِي ( فَسَوَّاهَا ) لِلتَّعْقِيبِ .
وَتَسْوِيَةُ السَّمَاءِ حَصَلَتْ مَعَ حُصُولِ سَمْكِهَا ، فَالتَّعْقِيبُ فِيهِ مِثْلُ التَّعْقِيبِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=23فَنَادَى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى .
وَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=29وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا ) مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ ( بَنَاهَا ) وَلَيْسَتْ مَعْطُوفَةً عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=28رَفَعَ سَمْكَهَا ) لِأَنَّ إِغْطَاشَ وَإِخْرَاجَ الضُّحَى لَيْسَ مِمَّا يُبَيَّنُ بِهِ الْبِنَاءُ .
وَالْإِغْطَاشُ : جَعْلُهُ غَاطِشًا ، أَيْ : ظَلَامًا ، يُقَالُ : غَطَشَ اللَّيْلُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ ، أَيْ : أَظْلَمَ .
وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ خَصَّ اللَّيْلَ بِالظُّلْمَةِ وَجَعَلَهُ ظَلَامًا ، أَيْ : جَعَلَ لَيْلَهَا ظَلَامًا ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=28رَفَعَ سَمْكَهَا ) مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ : لَيْلٌ أَلْيَلُ .
وَإِخْرَاجُ الضُّحَى : إِبْرَازُ نُورِ الضُّحَى ، وَأَصْلُ الْإِخْرَاجِ النَّقْلُ مِنْ مَكَانٍ حَاوٍ ، وَاسْتُعِيرَ لِلْإِظْهَارِ اسْتِعَارَةً شَائِعَةً .
وَالضُّحَى : بُرُوزُ ضَوْءِ الشَّمْسِ بَعْدَ طُلُوعِهَا وَبَعْدَ احْمِرَارِ شُعَاعِهَا ، فَالضُّحَى هُوَ نُورُ الشَّمْسِ الْخَالِصُ وَسُمِّيَ بِهِ وَقْتُهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=59وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=1وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا أَيْ : نُورِهَا الْوَاضِحِ .
[ ص: 86 ] وَإِنَّمَا جُعِلَ إِظْهَارُ النُّورِ إِخْرَاجًا ; لِأَنَّ النُّورَ طَارِئٌ بَعْدَ الظُّلْمَةِ ؛ إِذِ الظُّلْمَةُ عَدَمٌ وَهُوَ أَسْبَقُ ، وَالنُّورُ مُحْتَاجٌ إِلَى السَّبَبِ الَّذِي يُنِيرُهُ .
وَإِضَافَةُ ( لَيْلٍ ) وَ ( ضُحًى ) إِلَى ضَمِيرِ السَّمَاءِ إِنْ كَانَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَلِأَنَّهُمَا يَلُوحَانِ لِلنَّاسِ فِي جَوِّ السَّمَاءِ ، فَيَلُوحُ الضُّحَى أَشِعَّةً مُنْتَشِرَةً مِنَ السَّمَاءِ صَادِرَةً مِنْ جِهَةِ مَطْلَعِ الشَّمْسِ ، فَتَقَعُ الْأَشِعَّةُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، ثُمَّ إِذَا انْحَجَبَتِ الشَّمْسُ بِدَوْرَةِ الْأَرْضِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَخَذَ الظَّلَامُ يَحُلُّ مَحَلَّ مَا يَتَقَلَّصُ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ فِي الْأُفُقِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ لَيْلًا حَالِكًا مُحِيطًا بِقِسْمٍ مِنَ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ .
وَإِنْ كَانَ السَّمَاءُ جِنْسًا لِلسَّمَاوَاتِ فَإِضَافَةُ ( لَيْلٍ ) وَ ( ضُحًى ) إِلَى السَّمَاوَاتِ لِأَنَّهُمَا يَلُوحَانِ فِي جِهَاتِهَا .