الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في رفع اليدين عند الركوع

                                                                                                          255 حدثنا قتيبة وابن أبي عمر قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وزاد ابن أبي عمر في حديثه وكان لا يرفع بين السجدتين قال أبو عيسى حدثنا الفضل بن الصباح البغدادي حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا الزهري بهذا الإسناد نحو حديث ابن أبي عمر قال وفي الباب عن عمر وعلي ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث وأنس وأبي هريرة وأبي حميد وأبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة وأبي قتادة وأبي موسى الأشعري وجابر وعمير الليثي قال أبو عيسى حديث ابن عمر حديث حسن صحيح وبهذا يقول بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر وجابر بن عبد الله وأبو هريرة وأنس وابن عباس وعبد الله بن الزبير وغيرهم ومن التابعين الحسن البصري وعطاء وطاوس ومجاهد ونافع وسالم بن عبد الله وسعيد بن جبير وغيرهم وبه يقول مالك ومعمر والأوزاعي وابن عيينة وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق وقال عبد الله بن المبارك قد ثبت حديث من يرفع يديه وذكر حديث الزهري عن سالم عن أبيه ولم يثبت حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه إلا في أول مرة حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الآملي حدثنا وهب بن زمعة عن سفيان بن عبد الملك عن عبد الله بن المبارك قال وحدثنا يحيى بن موسى قال حدثنا إسمعيل بن أبي أويس قال كان مالك بن أنس يرى رفع اليدين في الصلاة وقال يحيى وحدثنا عبد الرزاق قال كان معمر يرى رفع اليدين في الصلاة وسمعت الجارود بن معاذ يقول كان سفيان بن عيينة وعمر بن هارون والنضر بن شميل يرفعون أيديهم إذا افتتحوا الصلاة وإذا ركعوا وإذا رفعوا رءوسهم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( وابن أبي عمر ) هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني نزيل مكة . ويقال إن أبا عمر كنية يحيى صدوق صنف المسند وكان لازم ابن عيينة ، لكن قال أبو حاتم : كانت فيه غفلة ( عن سالم ) وهو ابن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .

                                                                                                          قوله : ( إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه فإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع ) هذا دليل صريح على أن رفع اليدين في هذه المواضع سنة وهو الحق والصواب ، ونقل البخاري في صحيحه عقب حديث ابن عمر هذا عن شيخه علي بن المديني قال : حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع والرفع منه ، لحديث ابن عمر هذا ، وهذا في رواية ابن عساكر ، وقد ذكره البخاري في جزء رفع اليدين ، وزاد وكان أعلم أهل زمانه ، انتهى ( وكان لا يرفع بين السجدتين ) وفي رواية للبخاري ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود .

                                                                                                          [ ص: 89 ] قوله : ( حدثنا الفضل بن الصباح البغدادي ) السمسار روى عن ابن عيينة وهشيم وعنه الترمذي وابن ماجه : وثقه ابن معين ، قال الحافظ : أصله من نهاوند ثقة عابد .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عمر وعلي ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث وأنس وأبي هريرة وأبي حميد وأبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة وأبي قتادة وأبي موسى الأشعري وجابر وعمير الليثي ) أما حديث عمر فأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وصححه الترمذي وصححه أيضا أحمد بن حنبل فيما حكاه الخلال ، وأما حديث وائل بن حجر فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، وأما حديث مالك بن الحويرث فأخرجه البخاري ومسلم ، وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجه . وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وابن ماجه . وأما حديث أبي حميد فأخرجه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي وأخرجه البخاري مختصرا . وأما حديث أبي أسيد وسهل بن سعد فأخرجه أبو داود . وأما حديث محمد بن مسلمة فأخرجه ابن ماجه ، وأما حديث أبي قتادة فأخرجه أبو داود . وأما حديث أبي موسى الأشعري ، فأخرجه الدارقطني . وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه . وأما حديث عمير الليثي فأخرجه ابن ماجه . قال السيوطي في الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة : إن حديث الرفع متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم . أخرجه الشيخان عن ابن عمر ومالك بن الحويرث ، ومسلم عن وائل بن حجر ، والأربعة عن علي ، وأبو داود عن سهل بن سعد وابن الزبير وابن عباس ومحمد بن مسلمة وأبي أسيد وأبي قتادة وأبي هريرة وابن ماجه عن أنس وجابر وعمير الليثي ، وأحمد عن الحكم بن عمير والبيهقي عن أبي بكر والبراء . والدارقطني عن عمر وأبي موسى . والطبراني عن عقبة بن عامر ومعاذ بن جبل ، انتهى ، قال الحافظ في الفتح : وذكر البخاري أن رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه ، رواه سبعة عشر رجلا من الصحابة وذكر الحاكم وأبو القاسم بن منده ممن رواه العشرة المبشرة ، وذكر شيخنا أبو الفضل الحافظ أنه تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين رجلا ، انتهى . وقال الشوكاني في النيل : وسرد البيهقي في السنن وفي الخلافيات أسماء من [ ص: 90 ] روى الرفع نحوا من ثلاثين صحابيا . وقال : سمعت الحاكم يقول : اتفق على رواية هذه السنة العشرة المشهود لهم بالجنة فمن بعدهم من أكابر الصحابة ، قال البيهقي : وهو كما قال . قال الحاكم والبيهقي أيضا : ولا يعلم سنة اتفق على روايتها العشرة فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفرقهم في الأقطار الشاسعة غير هذه السنة ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( حديث ابن عمر حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .

                                                                                                          قوله : ( وبهذا يقول بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر وجابر بن عبد الله إلخ ) قال الحافظ في الفتح : قال محمد بن نصر المروزي . أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة . وقد صنف البخاري في هذه المسألة جزءا مفردا ، وحكى فيه عن الحسن وحميد بن هلال أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك ، قال البخاري : ولم يستثن الحسن أحدا ، انتهى .

                                                                                                          قلت : قال البخاري في جزء رفع اليدين : قال الحسن وحميد بن هلال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم لم يستثن أحدا منهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دون أحد ، ولم يثبت عند أهل العلم عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع يديه ، ويروى أيضا عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما وصفنا وذلك روايته عن عدة من علماء أهل مكة وأهل الحجاز وأهل العراق والشام والبصرة واليمن وعدة من أهل خراسان منهم سعيد بن جبير ، وعطاء بن أبي رباح ، ومجاهد ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعمر بن عبد العزيز ، والنعمان بن أبي عياش ، والحسن ، وابن سيرين ، وطاوس ، ومكحول ، وعبد الله بن دينار ، ونافع مولى عبد الله بن عمر ، والحسن بن مسلم ، وقيس بن سعد ، وعدة كثيرة وكذلك يروى عن أم الدرداء أنها كانت ترفع يديها . وقد كان عبد الله بن المبارك يرفع يديه ، وكذلك عامة أصحاب ابن المبارك ، منهم علي بن الحسين ، وعبد بن عمر ، ويحيى بن يحيى ، ومحدثو أهل بخارى ، منهم عيسى بن موسى [ ص: 91 ] وكعب بن سعيد ، ومحمد بن سلام ، وعبد الله بن محمد ، والسندي ، وعدة ممن لا يحصى ، لا اختلاف بين ما وصفنا من أهل العلم ، وكان عبد الله بن الزبير ، وعلي بن عبد الله ، ويحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن إبراهيم يثبتون عامة هذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرونها حقا . وهؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم ، انتهى كلام البخاري . ( وبه يقول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ) وبه يقول مالك ، وهو آخر قوليه وأصحهما ، قال الحافظ في الفتح : قال ابن عبد البر : لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن القاسم ، والذي نأخذ به الرفع حديث ابن عمر وهو الذي رواه ابن وهب وغيره ، عن مالك ، ولم يحك الترمذي عن مالك غيره ، ونقل الخطابي وتبعه القرطبي في المفهم أنه آخر قولي مالك وأصحهما ، ولم أر للمالكية دليلا على تركه ولا متمسكا إلا بقول ابن القاسم ، انتهى .

                                                                                                          لطيفة : قال الزيلعي في نصب الراية نقلا عن جزء رفع اليدين للبخاري : وكان ابن المبارك يرفع يديه وهو أعلم أهل زمانه فيما يعرف ، ولقد قال ابن المبارك : صليت يوما إلى جنب النعمان فرفعت يدي ، فقال لي : أنا خشيت أن تطير قال فقلت : له إذا لم أطر في الأولى لم أطر في الثانية . قال وكيع : رحم الله ابن المبارك كان حاضر الجواب ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا بذلك ) أي بحديث ابن مسعود ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلا أول مرة ( عن سفيان بن عبد الملك ) المروزي من كبار أصحاب ابن المبارك ، ثقة ، مات قبل المائتين قاله الحافظ .




                                                                                                          الخدمات العلمية