الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2771 [ ص: 7 ] باقي كتاب الجهاد والسير

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 8 ] [ ص: 9 ] 96 - باب: قتال الذين ينتعلون الشعر

                                                                                                                                                                                                                              2929 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، قال الزهري: عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما كأن وجوههم المجان المطرقة". قال سفيان: وزاد فيه أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رواية: " صغار الأعين، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة ". [انظر: 2928 - مسلم: 2912 - فتح: 6 \ 104]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي هريرة المذكور: " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما كأن وجوههم المجان المطرقة ". قال سفيان : وزاد فيه أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رواية: " صغار الأعين، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة ".

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              هذا التعليق أسنده البخاري في علامات النبوة، وفي لفظ: " حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم " الحديث. وعند الإسماعيلي قال محمد بن عباد : بلغني أن أصحاب بابل كانت نعالهم الشعر.

                                                                                                                                                                                                                              وعند البكري في "أخبار الترك": " كأن أعينهم حدق الجراد يتخذون الدرق حتى يربطوا خيولهم بالجبل " وفي لفظ: " حتى (يقاتل المسلمون) الترك يلبسون الشعر " ولابن ماجه من حديث أبي سعيد [ ص: 10 ] الخدري يرفعه: " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما صغار الأعين عراض الوجوه كأن أعينهم حدق الجراد، كأن وجوههم المجان المطرقة ينتعلون الشعر (ويتخذون) الدرق ويربطون خيولهم بالنخيل ". ولأبي داود من حديث بريدة بإسناد جيد: " يقاتلكم قوم صغار الأعين - يعني: الترك - تسوقونهم ثلاث مرار حتى تلحقوهم بجزيرة العرب، فأما في السياقة الأولى فينجو من هرب منهم، والثانية فينجو بعض ويهلك بعض، وأما في الثالثة فيصطلمون ". وللبيهقي : " إن أمتي يسوقها قوم عراض الوجوه كأن وجوههم الحجف ثلاث مرار، حتى يلحقوهم بجزيرة العرب" قالوا: يا نبي الله، من هم؟ قال: "الترك، والذي نفسي بيده ليربطن خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين ".

                                                                                                                                                                                                                              ولأبي داود الطيالسي عن حشرج بن نباتة، ثنا سعيد بن جمهان، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لينزلن طائفة من أمتي أرضا يقال لها البصرة، فيجيء بنو قنطوراء، عراض الوجوه صغار الأعين، حتى تنزلوا على جسر لهم"... الحديث، وذكر البكري من حديث سليمان بن الربيع العدوي، عن عبد الله بن عمرو قال: "يوشك بنو قنطوراء بن كركر أن يسوقوا أهل خراسان وأهل سجستان سوقا عنيفا... " الحديث بطوله. قال: فقدمنا على عمر بن

                                                                                                                                                                                                                              الخطاب
                                                                                                                                                                                                                              فحدثناه بما سمعنا من ابن عمرو، فقال: ابن عمرو أعلم بما يقول.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 11 ] إذا تقرر ذلك فأشراط الساعة: علاماتها، واحدها: شرط.

                                                                                                                                                                                                                              و (المجان): الترس. وعبارة صاحب "المطالع": الترسة، واحدها: مجن، سميت بذلك لأنها تستر صاحبها، وهي بفتح الميم وتشديد النون جمع مجن بكسر الميم.

                                                                                                                                                                                                                              و (المطرقة) بإسكان الطاء المهملة وتخفيف الراء، وصوب بعضهم تشديد الراء، حكاه في "المطالع" عن بعضهم، وهي الترسة التي ألبست الأطرقة من الجلود وهي الأغشية منها، شبه عرض وجوههم وصلابتها وظهور وجناتهم بها. وقال الهروي : المطرقة: التي أطرقت بالعقب. أي: : ألبست به. يقال: طارق النعل: إذا سير خصفا على خصف. أي: ركب بعض على بعض، وقيل: هو أن (يقور جلده) بمقداره ويلصق به كأنه ترس على ترس، حكاه في "المطالع".

                                                                                                                                                                                                                              و ("ذلف") بذال معجمة مضمومة أي: قصار، وهو الفطس وتأخر الأرنبة. وعبارة الخطابي : قصر الأنف وانبطاحه. وقيل: غلظ واستواء الأرنبة. وقيل: تطامن فيها، ورواه بعضهم بالدال المهملة، قال صاحب "المطالع": وقيدناه عن التميمي بالوجهين، والمعجمة أكثر. وقال ابن التين : ذلف الأنوف: صغارها. وقيل: تشميرة عن الشفة إلى أصله، يقال منه: رجل أذلف وامرأة ذلفاء والعرب تقول: أملح النساء الذلف.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن فارس : الذلف: الاستواء في طرف الأنف، ليس بحد غليظ. وقال في "المخصص": ويعتري الملاحة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 12 ] والأنوف: جمع أنف، مثل فلس وفلوس، ورواه القزاز : الآنف وقال: مثل بحر وأبحر. في "المخصص": هو جمع المنخر، وسمي أنفا لتقدمه، وجمع الأنف: آنف وآناف.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              روى الترمذي من حديث الصديق : " إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها: خراسان يتبعه أقوام كأن وجوههم (المجان) المطرقة "، ثم قال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي التياح .

                                                                                                                                                                                                                              أخرى:

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي : بنو قنطوراء هم الترك يقال: إن قنطوراء اسم جارية كانت لإبراهيم ولدت أولادا جاء من نسلهم الترك . وقال كراع : الترك هم الذين يقال لهم الديلم .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن عبد البر في كتاب "القصد والأمم": الترك فيما ذكروا هم ولد يافث، وهم أجناس كثيرة، ومنهم أصحاب مدن وحصون، ومنهم قوم في رءوس الجبال والبراري، ليس لهم عمل غير الصيد، ومن لم يصد فصد ودج دابته وشوى الدم في مصران يأكله، وهم يأكلون الرخم والغربان، وليس لهم دين، ومنهم من يدين بالمجوسية وهم الأكثرون، ومنهم من تهود، وملكهم يلبس الحرير وتاج الذهب ويحتجب كثيرا، وفيهم سحر، وقال وهب بن منبه : هم بنو عم يأجوج ومأجوج، وقد قيل: إن أصل الترك أو بعضهم من حمير، وقيل: إنهم [ ص: 13 ] بقايا قوم تبع ومن هناك، كانوا يسمون أولادهم بأسماء العرب العاربة، فهؤلاء ومن كان مثلهم يزعمون أنهم من العرب، وألسنتهم أعجمية، وبلدانهم غير عربية دخلوا في بلاد العجم واستعجموا.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن أبي الدمنة الهمداني في "إكليله": أكثرهم يقول: الترك من ولد أفريدون بن سام بن نوح، وسموا تركا لأن عبد شمس بن يشجب لما وطئ أرض بابل أتى بقوم من أجابرة ولد يافث فاستنكر خلقهم ولم يحب أن يدخل في سبي بابل فقال: اتركوهم، فسموا الترك، وقال صاعد في "طبقاته": الترك أمة كثيرة العدد فخمة المملكة، ومساكنهم ما بين مشارق خراسان من مملكة الإسلام وبين مغارب الصين وشمال الهند إلى أقصى المعمور في الشمال، وفضيلتهم التي برعوا فيها وأحرزوا خصالها الحروب ومعالجة آلاتها. قال المسعودي في "مروجه": في الترك استرخاء في المفاصل واعوجاج في سيقانهم، ولين في عظامهم، حتى أن أحدهم ليرمي بالنشاب من خلفه كرميه من قدام، فيصير قفاه كوجهه ووجهه قفاه، ومطاوعات فقار ظهورهم وحمرة وجوههم عند تكامل الحرارة في الوجوه على الأغلب من لونها وارتفاعها لغلبة البرد على أجسامهم.

                                                                                                                                                                                                                              وفي الحديث: علامة للنبوة وأنه سيبلغ ملك أمته غاية المشارق التي فيها هؤلاء القوم على ما ذكر في غير هذا الحديث، وكذلك خلقة وجوههم بالعيان عريضة وسائر ما وصفهم به - صلى الله عليه وسلم - كما وصفهم.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: التشبيه للشيء بغيره إذا كان فيه شبه منه من جهة ما، وإن خالفه في غير ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 14 ] فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              في كتاب "الفتن" لنعيم بن حماد : حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن عياش، أخبرني من سمع مكحولا، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "للترك خرجتان: خرجة منها خراب (أذربيجان)، وخرجة يخرجون في الجزيرة يحتقبون ذوات الحجال، فينصر الله المسلمين، فيقع فيهم ذبح الله الأعظم لا يترك بعدها ". وفي لفظ آخر: "آخر الخرجتين يخربون أذربيجان، والثانية يشرعون منها على ثني الفرات، فيرسل الله على جيشهم الموت يفني دوابهم فيرجلهم، فيكون ذبح الله الأعظم ". ثم روى ابن عياش بإسناده إلى عبد الله بن عمرو : يوشك بنو قنطوراء يسوقون أهل خراسان وأهل سجستان سوقا عنيفا حتى يربطوا دوابهم بنخل الأبلة فيبعثون إلى أهل البصرة : أن خلوا لنا أرضكم أو ننزل بكم. فيتفرقون على ثلاث فرق: فرقة تلحق بالعرب، وفرقة بالشام، وفرقة (تعددها)، وأمارة ذلك إذا طبقت الأرض إمارة السفهاء . وفي لفظ: الملاحم ثلاث مضت ثنتان وبقيت واحدة وهي ملحمة الترك بالجزيرة، وسيأتي له تتمة في باب: علامات النبوة.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية