الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ) ثم قال تعالى : ( حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير ) والمعنى أن تقدم العذاب إنما يكون بحسب المشيئة ، أو بحسب المصلحة ، فإذا لم تقتض المشيئة تقديم العذاب ، ولم يقتض الصلاح أيضا ذلك ، فالعذاب في القيامة كافيهم في الردع عما هم عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى ( ياأيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى ) .

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن المخاطبين بقوله : ( ياأيها الذين آمنوا ) على قولين ، وذلك لأنا إن حملنا قوله فيما تقدم : ( ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ) [ المجادلة : 8 ] على اليهود حملنا في هذه الآية قوله : ( ياأيها الذين آمنوا ) على المنافقين ، أي يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم ، وإن حملنا ذلك على جميع الكفار من اليهود والمنافقين ، حملنا هذا على المؤمنين ؛ وذلك لأنه تعالى لما ذم اليهود والمنافقين على التناجي بالإثم والعدوان ومعصية [ ص: 233 ] الرسول ، أتبعه بأن نهى أصحابه المؤمنين أن يسلكوا مثل طريقتهم ، فقال : ( فلا تتناجوا بالإثم ) وهو ما يقبح مما يخصهم ( والعدوان ) وهو يؤدي إلى ظلم الغير ( ومعصية الرسول ) وهو ما يكون خلافا عليه ، وأمرهم أن يتناجوا بالبر الذي يضاد العدوان ، وبالتقوى وهو ما يتقى به من النار من فعل الطاعات وترك المعاصي ، واعلم أن القوم متى تناجوا بما هذه صفته قلت مناجاتهم ؛ لأن ما يدعو إلى مثل هذا الكلام يدعو إظهاره ، وذلك يقرب من قوله : ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) [ النساء : 114 ] وأيضا فمتى عرفت طريقة الرجل في هذه المناجاة لم يتأذى من مناجاته أحد .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( واتقوا الله الذي إليه تحشرون ) أي إلى حيث يحاسب ويجازى ، وإلا فالمكان لا يجوز على الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ) الألف واللام في لفظ النجوى لا يمكن أن يكون للاستغراق ؛ لأن في النجوى ما يكون من الله ولله ، بل المراد منه المعهود السابق وهو النجوى بالإثم والعدوان ، والمعنى أن الشيطان يحملهم على أن يقدموا على تلك النجوى التي هي سبب لحزن المؤمنين ؛ وذلك لأن المؤمنين إذا رأوهم متناجين قالوا : ما نراهم إلا وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا إلى الغزوات أنهم قتلوا وهزموا ، ويقع ذلك في قلوبهم ويحزنون له .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية