الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون ) اعلم أنه تعالى لما قال : لأجل أن كان ذا مال وبنين ، جحد وكفر وعصى وتمرد ، وكان هذا استفهاما على سبيل الإنكار ، بين في هذه الآية أنه تعالى إنما أعطاه المال والبنين على سبيل الابتلاء والامتحان ، وليصرفه إلى طاعة الله ، وليواظب على شكر نعم الله ، فإن لم يفعل ذلك فإنه تعالى يقطع عنه تلك النعم ، ويصب عليه أنواع البلاء والآفات فقال : ( إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة ) أي كلفنا هؤلاء أن يشكروا على النعم ، كما كلفنا أصحاب الجنة ذات الثمار ، أن يشكروا ويعطوا الفقراء حقوقهم ، روي أن واحدا من ثقيف وكان مسلما ، كان يملك ضيعة فيها نخل وزرع بقرب صنعاء ، وكان يجعل من كل ما فيها عند الحصاد نصيبا وافرا للفقراء ، فلما مات ورثها منه بنوه ، ثم قالوا : عيالنا كثير ، والمال قليل ، ولا يمكننا أن نعطي المساكين ، مثل ما كان يفعل أبونا ، فأحرق الله جنتهم ، وقيل : كانوا من بني إسرائيل ، وقوله : ( إذ أقسموا ) إذ حلفوا : ( ليصرمنها ) ليقطعن ثمر نخيلهم ( مصبحين ) ، أي في وقت الصباح ، قال مقاتل : معناه اغدوا سرا إلى جنتكم ، فاصرموها ، ولا تخبروا المساكين ، وكان أبوهم يخبر المساكين ، فيجتمعون عند صرام جنتهم ، يقال : قد صرم العذق عن النخلة ، وأصرم النخل إذا حان وقت صرامه ، وقوله : ( ولا يستثنون ) يعني ولم يقولوا : إن شاء الله ، هذا قول جماعة المفسرين ، يقال : حلف فلان يمينا ليس فيها ثنيا ولا ثنوى ، ولا ثنية ولا مثنوية ولا استثناء وكله واحد ، وأصل هذا كله من الثني وهو الكف والرد ، وذلك أن الحالف إذا قال : والله لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله غيره ، فقد رد انعقاد ذلك اليمين ، واختلفوا في قوله : (ولا يستثنون ) فالأكثرون أنهم إنما لم [ ص: 78 ] يستثنوا بمشيئة الله تعالى لأنهم كانوا كالواثقين بأنهم يتمكنون من ذلك لا محالة ، وقال آخرون : بل المراد أنهم يصرمون كل ذلك ولا يستثنون للمساكين من جملة ذلك القدر الذي كان يدفعه أبوهم إلى المساكين .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية