الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال : رحمه الله ( وإن أرسل مسلم كلبه فزجره مجوسي فانزجر حل ولو أرسله مجوسي فزجره مسلم فانزجر حرم ) والمراد بالزجر الإغراء بالصياح عليه ، وبالانزجار يحصل زيادة الطلب للصيد كذا في الهداية وأطلق في قوله : فزجره مجوسي إلى آخره فشمل ما إذا زجره في حال طلبه أو بعد وقوفه فانزجر والمراد الأول وذكر شمس الأئمة في شرح كتاب الصيد فيما إذا أرسل مسلم كلبه فزجره مجوسي إنما يحل إذا زجره المجوسي في ذهابه أما إذا وقف الكلب عن سنن الإرسال ثم زجره مجوسي بعد ذلك فانزجر لا يؤكل والفرق أن إرسال المسلم قد صح ، وصيحة المجوسي لا تفسده ; لأنه تقوية للإرسال [ ص: 256 ] وتحريض للكلب وليس بابتداء إرسال منه فلا ينقطع الإرسال بالزجر فبقي صحيحا فأما الإرسال من المجوسي فإنه وقع فاسدا فلا ينقلب صحيحا بالزجر وكذا إذا أرسل وترك التسمية عمدا فزجره مسلم وسمى لم يحل ولو وجدت التسمية من المرسل فزجره من لم يسم حل وكذا المسلم إذا ذبح فأمر المجوسي السكين بعد الذبح لم يحرم ولو ذبح المجوسي ، وأمر المسلم بعده لم يحل لما ذكرنا أن أصل الفعل متى وقع صحيحا لا ينقلب فاسدا ومتى وقع فاسدا لا ينقلب صحيحا ، وكذا محرم دل حلالا على الصيد فقتله يحل له نص عليه في الزيادات ; لأن ذبحه حصل بفعل الحلال لا بدلالة المحرم ونص في المنتقى عن أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى أنه لا يحل لحديث قتادة حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { هل أعنتم هل أشرتم فقالوا : لا ، فقال : إذن فكلوا } علق الإباحة بعدم الإعانة وفي الدلالة نوع إعانة ولو أرسل مسلم كلبه فرد عليه الصيد كلب غير معلم أو معلم لم يرسله أحد ولم يزجره بعد انبعاثه وأخذه الأول وقتله لم يؤكل وقدمنا ما فيه من الخلاف ولو لم يرد عليه ولكن اشتد عليه بأن كان يتبع أثر المرسل حتى قتله الأول حل أكله ; لأن فعل الثاني أثر في الكلب المرسل لا في الصيد فصار فعله تبعا لفعل المرسل فانضاف الأخذ إلى المرسل لا إلى المحرض والمشد بخلاف ما لو رده عليه لأن فعله أثر في الصيد لا في الكلب فصار الأخذ مضافا إليهما .

                                                                                        مجوسي أرسل ثم أسلم فاصطاد كلبه لم يؤكل وكذلك لو زجره بعد الإسلام فانزجر لزجره ولو كان مسلما حالة الإرسال فصار مرتدا حالة الأخذ يحل ; لأن المعتبر وقت الإرسال والرمي لا حالة الأخذ لأن الإرسال والرمي فعل الذكاة بمنزلة الذبح فيعتبر إسلامه وتمجسه وردته عند الذبح لا عند زهوق الروح فكذا هنا يعتبر إسلامه وكفره وقت الإرسال والرمي لا بعده وفي النوادر ولو ضرب الكلب الصيد فرقده ثم ضربه ثانية فقتله أكل وكذا لو أرسل كلبين فضربه أحدهما فرقده ثم ضربه الآخر فقتله أكل وكذا لو أرسل رجلان كل واحد كلبه فرقده أحدهما وقتله الآخر فإنه يؤكل والصيد لصاحب الأول ; لأن جرح الكلب بعد الجرح فصار كأن القتل حصل بفعل واحد إلا أن الأول لما أخرجه من أن يكون صيدا صار ملكا لصاحبه فلا يزيل ملكه الثاني ، وفي الأصل ومن شرائط الإرسال أن لا يكون المرسل محرما ، وأن لا يموت في الحرم حتى لا يجوز أكل صيد الحرم ولا ما اصطاده الحلال في الحرم ، وذكر زجر المجوسي ليفيد زجر المحرم لأنه أولى قال في الذخيرة الحلال إذا أرسل كلبه على الصيد فزجره المحرم فانزجر حل أكله ، وفي السراجية : أن على المحرم الجزاء والله أعلم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية