الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك ) قال في النهاية لما ذكر حكم المدبر في الجناية ذكر في هذا الباب ما يرد عليه وما يرد منه وذكر حكم ما يلحق به ا هـ .

                                                                                        وقال في غاية البيان لما ذكر جناية العبد والمدبر ذكر في هذا الباب جنايتهما مع غصبهما لأن المفرد قبل المركب ثم جر كلامه إلى بيان حكم غصب الصبي . ا هـ .

                                                                                        وتبعه العيني أقول : هذا أشبه الوجوه المذكورة وإن أمكن التقرب بأحسن منه تدبر قال رحمه الله ( قطع يد عبده فغصبه رجل ومات منه ضمن قيمته أقطع وإن قطع يده في يد الغاصب فمات منه برئ ) لأن الغصب يوجب ضمان ما غصب ففي المسألة الأولى لما قطعه المولى نقصت قيمته بالقطع فيجب على الغاصب قيمته أقطع وفي الثانية حين قطع المولى العبد في يد الغاصب صار مستردا له لاستيلائه عليه وبرئ الغاصب من ضمانه لوصول ملكه إلى يده قال صاحب الهداية في الفرق بين المسألتين إن الغصب قاطع للسراية لأن سبب الملك كالبيع فيصير كأنه هلك بآفة سماوية فتجب قيمته أقطع ولو لم يوجد القاطع في الفصل الثاني فكانت السراية مضافة إلى البداية فصار المولى متلفا فيصير مستردا وهذا مشكل لأن السراية إنما تنقطع باعتبار تبدل الملك لاختلاف المستحقين والغصب ليس بسبب للملك وضعا والغاصب لا يملك إلا بأداء الضمان ضرورة كي لا يجتمع البدلان في ملك واحد وذلك بعد ملك المولى البدل ولم يوجد تحقيقه أن معنى قولهم بقطع السراية أن ما حصل من التلف بالسراية يكون هدرا إلا إن تسبب ذلك إلى غير الجاني .

                                                                                        واعترض عليه الإمام قاضي خان بأن هذا يخالف مذهبنا فإن الغصب لا يقطع السراية ما لم يملك البدل على الغاصب بقضاء أو رضا لأن السراية إنما تنقطع به باعتبار تبدل الملك وإنما يتبدل الملك به إذا ملك البدل على الغاصب وهو قيمة العبد أقطع أما قبله فلا يضمن وفي رهن الجامع الصغير في الباب الثاني من جناياته إنما يضمن [ ص: 442 ] الغاصب هنا قيمة العبد لأن السراية وإن لم تنقطع بالغصب وردت على مال متقوم فوجب سبب الضمان فلا يبرأ عنه الغاصب إلا إذا ارتفع الغصب والشيء إنما يرتفع بما هو فوقه أو مثله ويد الغاصب ثابتة على المغصوب حقيقة وحكما ويد المولى ثابتة عليه حكما باعتبار السراية لا حقيقة لأن بعد الغصب لم تثبت يده على العبد حقيقة والثابت حكما دون الثابت حقيقة وحكما فلم يرتفع الغصب باتصال السراية فقصر عليه الضمان قال صاحب العناية فيه نظر لأنا لا نسلم أن يد الغاصب عليه ثابتة حكما فإن يد المولى ثابتة عليه حكما ولا يثبت على الشيء الواحد يدان حكميان بكمالهما أقول : نظره ساقط إذ لا وجه لمنع ثبوت يد الغاصب عليه حكما فإن معنى ثبوت اليد على الشيء حكما أن يترتب على تلك اليد حكما من الأحكام وقد ترتب على يد الغاصب فيما نحن فيه وجوب الضمان بالإجماع وأما يد منعه فليس بتام أيضا إذ لا محذور في أن يثبت على الشيء الواحد يدان حكميان بكمالهما من جهتين مختلفتين وهنا كذلك فإن ثبوت يد المولى على العبد المغصوب منه حكما باعتبار سراية القطع الذي صدر منه وثبوت يد الغاصب عليه حكما باعتبار ثبوت يده عليه حقيقة فاختلفت الجهتان .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية