لما ختمت "سأل" بالإنذار للكفار، وكانوا عباد أوثان، بعذاب الدنيا والآخرة، أتبعها أعظم عذاب كان في الدنيا في تكذيب الرسل بقصة نوح عليه السلام، وكان قومه عباد أوثان، وكانوا يستهزئون به وكانوا أشد تمردا من
قريش وأجلف وأقوى وأكثر، فلم ينفعهم شيء من ذلك عند نزول البلاء وبروك النقمة عليهم وإتيان العذاب إليهم، وابتدأها بالإنذار تخويفا من عواقب التكذيب به، فقال مؤكدا لأجل إنكارهم أن يكون الرسول بشرا أو لتنزيلهم منزلة المنكرين من حيث أقروا برسالته وطعنوا في رسالة غيره مع المساواة في البشرية:
[ ص: 424 ] nindex.php?page=treesubj&link=30532_31827_32026_33953_34274_29042nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1إنا أي بما لنا من العظمة الباهرة البالغة
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1أرسلنا نوحا وهو أول رسول أتى بعد اختلاف أولاد
آدم عليه السلام في دين أبيهم الأقوم
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1إلى قومه أي الذين كانوا في غاية القوة على القيام بما يحاولونه وهم بصدد أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه ويكرموه لما بينهم من القرب بالنسب واللسان، وكانوا جميع أهل الأرض من الآدميين.
ولما بان مضى المرسل والرسول والمرسل إليهم، وكان الإرسال متضمنا معنى القول، أخذ في تفسيره بيانا للمرسل به فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1أن أنذر أي حذر تحذيرا بليغا عظيما
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1قومك من الاستمرار على الكفر.
ولما كان المقصود "إعلامهم بذلك" في بعض الأوقات لأن الإنسان لا بد له من أوقات شغل بنفسه من نوم وأكل وغيره، أتى بالجار تخفيفا عليه ورفقا به عليه السلام فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1من قبل أن يأتيهم أي على ما هم عليه من الأعمال الخبيثة
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1عذاب أليم
[ و-] قال الإمام
أبو جعفر بن الزبير : لما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على قومه في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=5فاصبر صبرا جميلا [ ص: 425 ] وجليل الإغضاء في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=42فذرهم يخوضوا ويلعبوا أتبع ذلك بقصة
نوح عليه السلام وتكرر دعائه قومه إلى الإيمان، وخص من خبره حاله في طول مدة التذكار والدعاء لأنه المقصود في الموضع تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم، وليتأسى به في الصبر والرفق والدعاء كما قيل له صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=35فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فقد دام دعاء
نوح عليه السلام مع قومه أدوم من مدتك، ومع ذلك فلم يزدهم إلا فرارا [
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=5قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=6فلم يزدهم دعائي إلا فرارا nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=7وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم مضت آي السورة على هذا المنهج من تجديد الإخبار بطول مكابدته عليه السلام وتكرير دعائه، فلم يزدهم ذلك إلا بعدا وتصميما على كفرهم حتى أخذهم الله، وأجاب فيهم دعاء نبيه [
نوح -] عليه السلام
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا وذلك ليأسه من فلاحهم، وانجر في هذا حض نبينا صلى الله عليه وسلم على الصبر
[ ص: 426 ] على قومه والتحمل منهم كما صرح به في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وكما قيل له [ قبل -]
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=48فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=120وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك [ انتهى-] .
لَمَّا خُتِمَتْ "سَأَلَ" بِالْإِنْذَارِ لِلْكَفَّارِ، وَكَانُوا عُبَّادَ أَوْثَانٍ، بِعَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَتْبَعَهَا أَعْظَمَ عَذَابٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا فِي تَكْذِيبِ الرُّسُلِ بِقِصَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَ قَوْمُهُ عُبَّادَ أَوْثَانٍ، وَكَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَكَانُوا أَشَدَّ تَمَرُّدًا مِنْ
قُرَيْشٍ وَأَجْلَفَ وَأَقْوَى وَأَكْثَرَ، فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ وَبُرُوكِ النِّقْمَةِ عَلَيْهِمْ وَإِتْيَانِ الْعَذَابِ إِلَيْهِمْ، وَابْتَدَأَهَا بِالْإِنْذَارِ تَخْوِيفًا مِنْ عَوَاقِبِ التَّكْذِيبِ بِهِ، فَقَالَ مُؤَكِّدًا لِأَجْلِ إِنْكَارِهِمْ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ بَشَرًا أَوْ لِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ الْمُنْكِرِينَ مِنْ حَيْثُ أَقَرُّوا بِرِسَالَتِهِ وَطَعَنُوا فِي رِسَالَةِ غَيْرِهِ مَعَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْبَشَرِيَّةِ:
[ ص: 424 ] nindex.php?page=treesubj&link=30532_31827_32026_33953_34274_29042nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1إِنَّا أَيْ بِمَا لَنَا مِنَ الْعَظَمَةِ الْبَاهِرَةِ الْبَالِغَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1أَرْسَلْنَا نُوحًا وَهُوَ أَوَّلُ رَسُولٍ أَتَى بَعْدَ اخْتِلَافِ أَوْلَادِ
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي دِينِ أَبِيهِمُ الْأَقْوَمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1إِلَى قَوْمِهِ أَيِ الَّذِينَ كَانُوا فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا يُحَاوِلُونَهُ وَهُمْ بِصَدَدِ أَنْ يُجِيبُوهُ إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ وَيُكْرِمُوهُ لِمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْقُرْبِ بِالنَّسَبِ وَاللِّسَانِ، وَكَانُوا جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ.
وَلَمَّا بَانَ مَضَى الْمُرْسِلُ وَالرَّسُولُ وَالْمُرْسَلُ إِلَيْهِمْ، وَكَانَ الْإِرْسَالُ مُتَضَمِّنًا مَعْنَى الْقَوْلِ، أَخَذَ فِي تَفْسِيرِهِ بَيَانًا لِلْمُرْسَلِ بِهِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1أَنْ أَنْذِرْ أَيْ حَذَّرَ تَحْذِيرًا بَلِيغًا عَظِيمًا
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1قَوْمَكَ مِنَ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ.
وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ "إِعْلَامَهُمْ بِذَلِكَ" فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَوْقَاتِ شُغْلٍ بِنَفْسِهِ مِنْ نَوْمٍ وَأَكْلٍ وَغَيْرِهِ، أَتَى بِالْجَارِّ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ وَرِفْقًا بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ أَيْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الْخَبِيثَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1عَذَابٌ أَلِيمٌ
[ وَ-] قَالَ الْإِمَامُ
أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ : لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّبْرِ عَلَى قَوْمِهِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=5فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا [ ص: 425 ] وَجَلِيلِ الْإِغْضَاءِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=42فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا أَتْبَعَ ذَلِكَ بِقِصَّةِ
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَكَرُّرِ دُعَائِهِ قَوْمَهُ إِلَى الْإِيمَانِ، وَخَصَّ مِنْ خَبَرِهِ حَالَهُ فِي طُولِ مُدَّةِ التِّذْكَارِ وَالدُّعَاءِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ فِي الْمَوْضِعِ تَسْلِيَةً لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِيَتَأَسَّى بِهِ فِي الصَّبْرِ وَالرِّفْقِ وَالدُّعَاءِ كَمَا قِيلَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=35فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ فَقَدْ دَامَ دُعَاءُ
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ قَوْمِهِ أَدْوَمَ مِنْ مُدَّتِكَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَزِدْهُمْ إِلَّا فِرَارًا [
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=5قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=6فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=7وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثُمَّ مَضَتْ آيُ السُّورَةِ عَلَى هَذَا الْمَنْهَجِ مِنْ تَجْدِيدِ الْإِخْبَارِ بِطُولِ مُكَابَدَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَكْرِيرِ دُعَائِهِ، فَلَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ إِلَّا بُعْدًا وَتَصْمِيمًا عَلَى كُفْرِهِمْ حَتَّى أَخَذَهُمُ اللَّهُ، وَأَجَابَ فِيهِمْ دُعَاءَ نَبِيِّهِ [
نُوحٍ -] عَلَيْهِ السَّلَامُ
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا وَذَلِكَ لِيَأْسِهِ مِنْ فَلَاحِهِمْ، وَانْجَرَّ فِي هَذَا حَضَّ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّبْرِ
[ ص: 426 ] عَلَى قَوْمِهِ وَالتَّحَمُّلِ مِنْهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَكَمَا قِيلَ لَهُ [ قَبْلَ -]
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=48فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=120وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [ انْتَهَى-] .