الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قد تحرر بما مضى أن المنافقين كفرة؛ لا لبس في أمرهم؛ وكشف - سبحانه وتعالى - الحكم في باطن أمرهم بالشفاعة؛ وظاهره بالتحية؛ وحذر من خالف ذلك بما أوجبته على نفسه حكمته من الجمع ليوم الفصل؛ للحكم بالعدل؛ وختم بأن الخبر عنهم؛ وعن جميع ذلك صدق; كان ذلك سببا لجزم القول بشقاوتهم؛ والإعراض [ ص: 354 ] عنهم؛ والبعد عن الشفاعة فيهم؛ والإجماع على ذلك من كل مؤمن؛ وإن كان مبنى السورة على التواصل؛ لأن ذلك إنما هو حيث لا يؤدي إلى مقاطعة أمر الله؛ فقال (تعالى) - مبكتا لمن توقف عن الجزم بإبعادهم -: فما لكم ؛ أيها المؤمنون؛ في المنافقين ؛ أي: أي شيء لكم من أمور الدنيا؛ أو الآخرة؛ في افتراقكم فيهم فئتين ؛ بعضكم يشتد عليهم؛ وبعضكم يرفق بهم؟

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا ظاهرا في بروز الأمر المطاع بين القول بكفرهم؛ وضحه بقوله; والله ؛ أي: والحال أن الملك الذي لا أمر لأحد معه؛ أركسهم ؛ أي: ردهم منكوسين؛ مقلوبين؛ بما كسبوا ؛ أي: بعد إقرارهم بالإيمان؛ من مثل هذه العظائم؛ فاحذروا ذلك؛ ولا تختلفوا في أمرهم بعد هذا البيان; وفي غزوة "أحد"؛ والتفسير من البخاري؛ عن زيد بن ثابت - رضي الله (تعالى) عنه - قال: "لما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى "أحد"؛ رجع ناس ممن خرج معه؛ وكان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فرقتين: فرقة تقول: نقاتلهم؛ وفرقة تقول: لا نقاتلهم؛ فنزلت: فما لكم في المنافقين ؛ الآية؛ وقال: إنها طيبة تنفي الذنوب؛ وفي رواية: كما تنفي النار خبث الفضة"؛ انتهى؛ فالمعنى حينئذ: "اتفقوا على أن تسيروا فيها بما ينزل عليكم في هذه الآيات"؛ [ ص: 355 ] ولما كان حال من يرفق بهم حال من يريد هدايتهم؛ أنكر - سبحانه وتعالى - ذلك عليهم صريحا؛ لبت الأمر في كفرهم؛ فقال: أتريدون ؛ أي: أيها المؤمنون؛ أن تهدوا ؛ أي: توجدوا الهداية في قلب؛ من أضل الله ؛ أي: وهو الملك الأعظم؛ الذي لا يرد له أمر؛ وهو معنى قوله: ومن ؛ أي: والحال أنه من يضلل الله ؛ أي: بمجامع أسمائه؛ وصفاته؛ فلن تجد ؛ أي: أصلا؛ أيها المخاطب؛ كائنا من كان؛ له سبيلا ؛ أي: إلى ما أضله عنه أصلا؛ والمعنى: إن كان رفقكم بهم رجاء هدايتهم؛ فذلك أمر ليس إلا لله؛ وإنما عليكم أنتم الدعاء؛ فمن أجاب صار أهلا للمواصلة؛ ومن أبى صارت مقاطعته دينا؛ وقتله قربة؛ والإغلاظ عليه واجبا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية