الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
682 [ ص: 66 ] حديث ثامن من مراسيل ابن شهاب .

مالك عن ابن شهاب ، أن عائشة وحفصة زوجي النبي - صلى الله عليه وسلم - أصبحتا صائمتين متطوعتين ، فأهدي لهما طعام فأفطرتا عليه ، فدخل عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قالت عائشة : فقالت حفصة وبدرتني بالكلام وكانت بنت أبيها : يا رسول الله ، إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين ، فأهدي لنا طعام فأفطرنا عليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اقضيا يوما مكانه آخر .

التالي السابق


هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته فيما علمت ، وقد روي عن عبد العزيز بن يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة مسندا ، ولا يصح ذلك عن مالك والله أعلم .

حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد ، حدثنا أبي قال : حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي سعيد حدثنا [ ص: 67 ] عبد العزيز بن يحيى ، حدثنا مالك عن ابن شهاب ( عن ) عروة ، أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين متطوعتين ، فأهدي لهما شيء من طعام فأفطرتا عليه ، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت عائشة : قالت حفصة - وبدرتني بالكلام وكانت ابنة أبيها - فقالت : يا رسول الله أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين فأهدي لنا شيء من طعام فأفطرنا عليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صوما يوما مكانه .

وقد روي عن مطرف وروح بن عبادة كذلك مسندا عن عروة عن عائشة ، وكذلك رواه القدامي ، ولا يصح عنه عن مالك إلا ما في الموطأ ، وهو حديث اختلف فيه على ابن شهاب ، فرواه مالك كما ترى ، ورواه جعفر بن برقان وسفيان بن حصين ، وصالح بن أبي الأخضر ، وإسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة ، وصالح بن كيسان ، ويحيى بن سعيد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : كنت أنا وحفصة صائمتين - الحديث مثله سواء بمعناه - مسندا .

قال أبو عمر : مدار حديث صالح بن كيسان ويحيى بن سعيد على يحيى بن أيوب ، وهو صالح وإسماعيل بن إبراهيم متروك الحديث ، وجعفر بن برقان في الزهري ليس بشيء ، وسفيان بن حسين وصالح بن أبي الأخضر في حديثهما عن [ ص: 68 ] الزهري خطأ كثير ، وحفاظ أصحاب ابن شهاب يروونه مرسلا ، منهم مالك ومعمر وعبيد الله بن عمر وابن عيينة .

هكذا روى حديث عبيد الله بن عمر عنه يحيى القطان ، وقد رواه أبو خالد الأحمر عن عبيد الله بن عمر ويحيى بن سعيد وحجاج بن أرطاة عن الزهري عن عروة عن عائشة وحفصة .

حدثنا محمد بن رشيق قال : حدثنا أحمد بن سليمان البغدادي قال : حدثنا الهيثم بن خلف الدوري قال : حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني قال : حدثنا أبو خالد الأحمر عن عبيد الله بن عمر ويحيى بن سعيد وحجاج بن أرطاة ، كلهم عن الزهري عن عروة ، أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين فأهدي لهما هدية ، فدخل عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أفطرتا ، فأمرهما أن يقضيا يوما مكانه ، وكان ابن عيينة يحكي عن الزهري أن هذا الحديث ليس هو عن عروة .

وحدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا محمد بن منصور قال : حدثنا سفيان قال : سمعناه من صالح ( بن أبي ) الأخضر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : أصبحت أنا وحفصة [ ص: 69 ] صائمتين ، فأهدي لنا طعام محروص عليه ، فذكر الحديث . قال سفيان : فسألوا ( الزهري ) وأنا شاهد : أهو عن عروة ؟ قال : لا .

قال أبو عمر : أظن السائل الذي أشار إليه بالذكر ابن عيينة في هذا الحديث هو ابن جريج ; لأنه قد سأل ابن شهاب عن هذا الحديث وبين العلة فيه .

حدثني خلف بن أحمد وعبد بن يحيى قالا : ( حدثنا ) أحمد بن سعيد قال : حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي قال : حدثنا عباس بن محمد قال : حدثنا يحيى بن معين قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج قال : قلت لابن شهاب أحدثك عروة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أفطر في التطوع فليصمه ؟ قال : لم أسمع من عروة في ذلك شيئا ، ولكن حدثني في خلافة سليمان إنسان عن بعض من كان يسأل عائشة أنها قالت : أصبحت أنا وحفصة صائمتين ، فقرب إلينا طعام فابتدرناه فأكلنا ، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فبدرتني حفصة وكانت بنت أبيها ، فذكرت ذلك له فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : صوما يوما مكانه .

[ ص: 70 ] وهكذا هو في المصنف في رواية الدبري سواء حرفا بحرف .

وقال الشافعي : أخبرنا مسلم بن خالد ، عن ابن جريج قال : فقلت له - يعني ابن شهاب : أسمعته من عروة بن الزبير ؟ قال : لا ، إنما أخبرنيه رجل بباب عبد الملك بن مروان ، أو رجل من جلساء عبد الملك بن مروان .

قال أبو عمر : وقد روي في هذا الباب أيضا من حديث عائشة بنت طلحة عن عائشة حديث لا يصح فيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : صوما يوما مكانه .

وروي فيه عن ابن عباس أيضا بمثل ذلك حديث منكر ، وأحسن حديث في هذا الباب إسنادا حديث ابن وهب عن حيوة ، عن ابن الهادي ، عن زميل مولى عروة ، عن عروة ، عن عائشة .

وحديث ابن وهب أيضا ، عن جرير بن حازم ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة إلا أن غير جرير إنما يرويه عن يحيى بن سعيد عن الزهري ، وقد تقدمت علل حديث الزهري في ذلك ، وليس في حديث جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة ذكر متطوعتين ، ولكنه [ ص: 71 ] محمول على ذلك ; لأنه معلوم أنهما لو كان صيامهما واجبا ما أفطرتا ، ولو أفطرتا ما احتاجتا إلى نقل القضاء في ذلك ، والله أعلم .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المومن قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد بن صالح قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني حيوة بن شريح ، عن ابن الهادي عن زميل مولى عروة عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : أهدي لي ولحفصة طعام ، وكنا صائمتين فأفطرنا ، ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا : يا رسول الله ، إنا أهديت لنا هدية فاشتهيناها فأفطرنا ، فقال : لا عليكما صوما يوما مكانه .

وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا الربيع بن سليمان قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني حيوة بن شريح ، عن ابن الهادي قال : حدثني زميل مولى عروة عن عروة عن عائشة فذكره سواء حرفا بحرف .

وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا أحمد بن عيسى ، عن ابن وهب ، عن جرير بن حازم ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة قالت : أصبحت صائمة أنا وحفصة وأهدي لنا طعام [ ص: 72 ] فأعجبنا فأفطرنا ، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فبادرتني حفصة فسألته فقال : صوما يوما مكانه .

قال أبو عمر : اختلف الفقهاء في هذا الباب ، فقال مالك وأصحابه : من أصبح صائما متطوعا فأفطر متعمدا فعليه القضاء . وكذلك قال أبو حنيفة وأبو ثور ، وحجتهم ما قد ذكرنا في هذا الباب من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق : أستحب له أن لا يفطر ، فإن أفطر فلا قضاء عليه .

وقال الثوري : أحب إلي أن يقضي .

واختلف أصحاب أبي حنيفة : فمنهم من قال بقول الشافعي ، ومنهم من قال بقول صاحبهم ، والفقهاء كلهم من أهل الرأي والأثر يقولون : إن المتطوع إذا أفطر ناسيا أو غلبه شيء ، فلا قضاء عليه .

وقال ابن علية : المتطوع عليه القضاء إذا أفطر ناسيا أو عامدا قياسا على الحج . قال الأثرم : سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن رجل أصبح صائما متطوعا فبدا له فأفطر ، أيقضيه ؟

[ ص: 73 ] فقال : إن قضاه فحسن ، وأرجو أن لا يجب عليه شيء ، قيل له : فالرجل يدخل في الصلاة متطوعا أله أن يقطعها . فقال : الصلاة أشد ، فلا يقطعها ، قيل له : فإن قطعها أيقضيها ؟ فقال : إن قضاها خرج من الاختلاف .

قال أبو عمر : من حجة من قال : إن المتطوع إذا أفطر لا شيء عليه من قضاء ولا غيره ، ما حدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المومن قال : حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن أم هانئ قالت : لما كان يوم الفتح فتح مكة جاءت فاطمة فجلست عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأم هانئ عن يمينه ، قال : فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب فناولته فشرب منه ، ثم ناوله أم هانئ فشربت منه ، قالت : يا رسول الله ، لقد أفطرت وكنت صائمة ، قال لها : أكنت تقضين شيئا ؟ قالت لا ، قال : فلا يضرك إن كان تطوعا .

[ ص: 74 ] حدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا الربيع بن سليمان قال : حدثني يحيى بن حسان قال : حدثنا حماد ، عن سماك بن حرب ، عن هارون بن أم هانئ ، عن أم هانئ قالت : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا صائمة ، فأتي بإناء من لبن فشرب ، ثم ناولني فشربت ، فقلت : يا رسول الله ، إني كنت صائمة ولكني كرهت أن أرد سؤرك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن كان من قضاء رمضان فاقضي يوما مكانه ، وإن كان من غير قضاء رمضان ، فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي .

اختلف في هذا الحديث على سماك وغيره ، وهذا الإسناد أصح إسناد لهذا الحديث ، وما خالفه فلا يعرج عليه ، ورواه شعبة كذلك عن سماك ، قال شعبة : وكان سماك يقول : حدثني ابنا أم هانئ ، فرويته عن أفضلهما .

واحتج الشافعي أيضا لجواز الفطر في التطوع بأن قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله [ ص: 75 ] - صلى الله عليه وسلم - فقلت : إنا خبأنا لك حيسا ، فقال : أما إني كنت أريد الصوم ولكن قربيه .

قال : وأخبرنا سفيان عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة حتى إذا كان بكراع الغميم وهو صائم رفع إناء فوضعه على يده وهو على الرحل ، فشرب والناس ينظرون قال : وهذا لما كان له أن يدخل في الصوم في السفر وأن لا يدخل ، وكان مخيرا في ذلك ، كان له إذا دخل فيه أن يخرج منه ، فالتطوع بهذا أولى .

قال : وأخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، أن ابن عباس كان لا يرى بالإفطار في صيام التطوع بأسا . قال : وأخبرنا مسلم وعبد المجيد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، أن ابن عباس كان لا يرى بأسا أن يفطر الإنسان في صيام التطوع ويضرب لذلك أمثالا : رجل طاف سبعا ولم يوفه فله ما احتسب ، أو صلى ركعة [ ص: 76 ] ثم لم يصل أخرى ، فله ما احتسب ، قال : وأخبرنا مسلم وعبد المجيد ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، أنه كان لا يرى بالإفطار في صيام التطوع بأسا .

قال : وأخبرنا عبد المجيد ، عن ابن جريج عن عطاء عن أبي الدرداء مثله .

وذكر هذه الآثار كلها عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن عطاء وعن عمرو بن دينار ، وعن أبي الزبير سواء .

وذكر عن معمر عن الزهري عن عبيد الله ، أن ابن عباس قال : الصوم كالصدقة أردت أن تصوم فبدا لك ، أو أردت أن تصدق فبدا لك .

قال عبد الرزاق : وأخبرنا إسرائيل عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : من أصبح صائما متطوعا ، إن شاء صام وإن شاء أفطر ولا قضاء ، وهو قول سليمان ، [ ص: 77 ] وأبي الدرداء ومجاهد وطاوس وعطاء ، واختلف فيها عن سعيد بن جبير ، وهو أحد قوليه .

ذكر ابن أبي كبشة عن شريك ، أنه أخبره عن سالم - يعني الأفطس - أنه صنع طعاما فأرسل إلى سعيد بن جبير فقال : إني صائم ، فحدثه بحديث سلمان أنه فطر أبا الدرداء فأفطر .

واحتج الشافعي على من أدخل عليه الحجة بالإجماع في حج التطوع والعمرة أنه ليس لأحد الخروج منهما بعد الدخول فيهما ، وإن من خرج منهما قضاهما ، وأن الصيام قياس عليه بأن قال : الفرق بين ذلك أن من أفسد صلاته أو صيامه أو طوافه كان عاصيا لو تمادى في ذلك فاسدا ، وهو بالحج مأمور بالتمادي فيه فاسدا ، ولا يجوز له الخروج منه حتى يتمه على فساده ثم يقضيه ، وليس كذلك الصوم والصلاة .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : أخبرنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع عن طلحة بن يحيى ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل علي قال : هل عندكم من طعام ؟ فإذا قلنا لا قال إني صائم ، [ ص: 78 ] فدخل علينا يوما فقلنا : يا رسول الله ، أهدي لنا حيس فحبسناه لك ، فقال : أدنيه ، فأصبح صائما وأفطر .

وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا عمرو بن علي قال : حدثنا يحيى قال : حدثنا طلحة بن يحيى قال : حدثتني عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتيها وهو صائم فيقول : أصبح عندكم شيء نطعمه ؟ فتقول : لا ، فيقول : إني صائم ، ثم جاءها بعد ذلك فقالت : أهديت لنا هدية ، فقال : ما هي . قالت : حيس ، قال : قد أصبحت صائما ، فأكل .

ورواه الثوري عن طلحة بن يحيى ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

وقد روي عن الثوري أيضا عن طلحة بن يحيى ( عن مجاهد ، عن عائشة ، وكذلك رواه أبو الأحوص وشريك والحديث لطلحة بن يحيى ) عن عائشة بنت طلحة ومجاهد جميعا ، عن عائشة ، قد جمعهما في هذا الإسناد عن طلحة بن يحيى - القاسم بن معن والثوري .

[ ص: 79 ] وقال النسائي : من قال في هذا الحديث عن ابن عيينة أو غيره عن طلحة بن يحيى " كنت أردت الصوم ولكن أصوم يوما مكانه " ، فقد أخطأ . قال : وقد رواه جماعة عن طلحة بن يحيى فلم يذكر أحد منهم " ولكن أصوم يوما مكانه " .

قال أبو عمر : طلحة بن يحيى انفرد بهذا الحديث ، وما انفرد به فليس بحجة عند جميعهم لضعفه .

ومن حجة مالك ومن قال بقوله في إيجاب القضاء على المتطوع إذا أفسد صومه عامدا مع حديث ابن شهاب في قصة عائشة وحفصة المذكور في هذا الباب قول الله - عز وجل - : ولا تبطلوا أعمالكم ، وقوله تبارك وتعالى : ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ، وليس من أفطر عامدا بعد دخوله في الصوم بمعظم لحرمة الصوم ، وقد أبطل عمله الذي أمر الله بتمامه ونهاه عن إبطاله ، والنهي عن الشيء يقتضي الأمر بضده ، وقد قال الله - عز وجل - : ثم أتموا الصيام إلى الليل ، وهذا يقتضي عمومه الفرض والنفل كما قال - عز وجل - : وأتموا الحج والعمرة لله .

[ ص: 80 ] وقد أجمعوا على أن المفسد لحجة التطوع أو عمرته أن عليه القضاء ، فالقياس على هذا الإجماع إيجاب القضاء على مفسد صومه عامدا قياس صحيح ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن كان مفطرا فليأكل .

وروي : فإن شاء أكل ، وإن كان صائما فليدع وروي : فليصل يريد فليدع ، وروي في هذا الحديث أيضا وإن كان صائما فلا يأكل فلو كان الفطر في التطوع حسنا لكان أفضل ذلك وأحسنه في إجابة الدعوة التي هي سنة مسنونة ، فلما لم يكن ذلك كذلك علم أن الفطر في التطوع لا يجوز .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا تصوم امرأة وزوجها شاهد يوما من غير شهر رمضان إلا بإذنه ، وفي هذا ما يدل على أن المتطوع لا يفطر ولا يفطر غيره ; لأنه لو كان للرجل أن يفسد عليها ما احتاجت إلى إذنه ، ولو كان مباحا كان ذلك لا معنى له ، والله أعلم .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قدم إليه سمن وتمر وهو صائم فقال : ردوا تمركم في وعائه ، وردوا سمنكم في سقائه ، فإني صائم ولم يفطر بل أتم صومه إلى [ ص: 81 ] الليل على ظاهر قول الله - عز وجل - : ثم أتموا الصيام إلى الليل ، ولم يخص فرضا من نافلة .

وقد روي عن ابن عمر في المفطر متعمدا في صوم التطوع أنه قال : ذلك اللاعب بدينه ، أو قال : بصومه .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن الجهم ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا شعبة عن الحكم ، عن سعيد بن جبير أنه دعي إلى طعام وهو صائم فقال : لأن تختلف الأسنة في جوفي أحب إلي من أن أفطر .

قال : وحدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا قزعة بن سويد قال : حدثني معروف بن أبي معروف أن عطاء صنع لهم طعاما بذي طوى ، فقربه إليهم وعطاء صائم ومجاهد صائم وسعيد بن جبير صائم ، فأفطر عطاء ومجاهد ، وقال سعيد : لأن تختلف الشفار في جوفي أحب إلي من أن أفطر . وقد روي عن سعيد بن جبير خلاف ذلك على ما تقدم .

قال أبو عمر : الاحتياط في أعمال البر أولى ما قيل به في ذلك ، وبالله التوفيق .

وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن حماد عن إبراهيم قال : إن أفطر المتطوع من غير عذر فعليه القضاء ، وهو مذهب ابن عمر ، وبه قال الحسن البصري ومكحول ، وهو قول مالك وأصحابه ، وإليه ذهب أبو ثور .




الخدمات العلمية