الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            6699 وعن كعب بن مالك - وكان أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم - قال : كان معاذ بن جبل ادان بدين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحاط ذلك بماله ، وكان معاذ من صلحاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال معاذ : يا رسول الله ، ما جعلت في نفسي حين أسلمت أن أبخل بمال ملكته ، وإني أنفقت مالي في أمر الإسلام ، فأبقى ذلك علي دينا عظيما ، فادعو غرمائي فاسترفقهم ، فإن أرفقوني فسبيل ذلك ، وإن أبوا فاجعلني لهم من مالي . فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غرماءه ، فعرض عليهم أن يرفقوا به فقالوا : نحن نحب أموالنا . فدفع إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مال معاذ كله . ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذا على بعض اليمن ليجبره ، فأصاب معاذ من اليمن من مرافق الإمارة مالا فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ باليمن . فارتد بعض أهل اليمن ، فقاتلهم معاذ وأمراء كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم على اليمن حتى دخلوا في الإسلام ، ثم قدم في خلافة أبي بكر الصديق بمال عظيم ، فأتاه عمر بن الخطاب فقال : إنك قد قدمت بمال عظيم ، فإني أرى أن تأتي أبا بكر فتستحله منه ، فإن أحله لك طاب لك وإلا دفعته إليه ، فقال معاذ : لقد علمت يا عمر ما بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ليجبرني في حين دفع مالي إلى غرمائي وما كنت لأدفع لأبي بكر شيئا مما جئت به إلا إن سألنيه ، فإن سألنيه دفعته إليه ، وإن لم يأخذ أمسكته . فقال له عمر : إني لم أر لك ولنفسي إلا خيرا . ثم قام عمر فانصرف ، فلما ولى عمر دعاه معاذ ، فقال : إني مطيعك ، ولولا رؤيا رأيتها لم أطعك ؛ إني أراني في نومي غرقت في جوبة ، فأراك أخذت بيدي ، فأنجيتني منها ، فانطلق بنا إلى أبي بكر ، فانطلقا حتى دخلا عليه ، فذكر له معاذ كنحو مما كلم به عمر فيما كان من غرمائه ، وما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جبره ، ثم أعلمه بما جاء به من [ ص: 144 ] المال حتى قال : وسوطي هذا مما جئت به فما رأيت مخذوما رأيت فأطبه ؟ فقال له أبو بكر : هو لك كله يا معاذ ، فالتفت عمر إلى معاذ ، فقال : يا معاذ ، هذا حين طاب ، فكان معاذ من أكثر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مالا ، وكان معاذ أول رجل أصاب مالا من مرافق الإمارة .

                                                                                            قال ابن شهاب : فمضت السنة في معاذ بأن خلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ماله ، ولم يأمر ببيعه ، وفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة .

                                                                                            رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه ابن لهيعة ، وفيه كلام ، وحديثه حسن ، وبقية رجاله رجال الصحيح إلا أن ابن شهاب قال : عن ابن كعب بن مالك ، عن أبيه . ولم يسمه . وفي الصحيح غير حديث كذلك ، ولا يعلم في أولاد كعب ضعيف ، والله أعلم .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية