الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون

                                                                                                                                                                                                إذا دعاكم : وحد الضمير كما وحده فيما قبله ; لأن استجابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاستجابته ، وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد ، والمراد بالاستجابة ، الطاعة ، والامتثال ، وبالدعوة : البعث والتحريض ، وروى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على باب أبي بن كعب ، فناداه وهو في الصلاة ، فعجل في صلاته ثم جاء فقال : "ما منعك عن إجابتي؟ قال : كنت أصلي ، قال : ألم تخبر فيما أوحي إلي : "استجيبوا لله وللرسول " ، قال : لا جرم لا تدعوني إلا أجبتك ، وفيه قولان ، أحدهما : أن هذا مما اختص به [ ص: 570 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                والثاني : أن دعاءه كان لأمر لم يحتمل التأخير ، وإذا وقع مثله للمصلي ، فله أن يقطع صلاته لما يحييكم : من علوم الديانات والشرائع ; لأن العلم حياة ، كما أن الجهل موت ; ولبعضهم [من المنسرح] :


                                                                                                                                                                                                لا تعجبن الجهول حلته فذاك ميت وثوبه كفن



                                                                                                                                                                                                وقيل لمجاهدة الكفار ; لأنهم لو رفضوها لغلبوهم وقتلوهم ; كقوله : ولكم في القصاص حياة [البقرة : 179] وقيل للشهادة ; لقوله : بل أحياء عند ربهم [آل عمران : 169] . واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه يعني : أنه يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها ، وهي التمكن من إخلاص القلب ، ومعالجة أدوائه وعلله ورده سليما كما يريده الله ، فاغتنموا هذه الفرصة ، وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله واعلموا أنكم إليه تحشرون : فيثيبكم على حسب سلامة القلوب ، وإخلاص الطاعة ، وقيل : معناه : إن الله قد يملك على العبد قلبه فيفسخ عزائمه ، ويغير نياته ومقاصده ، ويبدله بالخوف أمنا ، وبالأمن خوفا وبالذكر نسيانا ، وبالنسيان ذكرا ، وما أشبه ذلك مما هو جائز على الله تعالى ، فأما ما يثاب عليه العبد ويعاقب من أفعال القلوب فلا ، والمجبرة على أنه يحول بين المرء والإيمان إذا كفر ، وبينه وبين الكفر إذا آمن ، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وقيل : معناه : أنه يطلع على كل ما يخطره المرء بباله ، لا يخفى عليه شيء من ضمائره ، فكأنه [ ص: 571 ] بينه وبين قلبه ، وقرئ : "بين المرء" بتشديد الراء ، ووجهه أنه قد حذف الهمزة ، وألقى حركتها على الراء ، كالخب ، ثم نوى الوقف على لغة من يقول : مررت بعمر .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية