الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في وضوء الجنب والوضوء لقراءة القرآن، ومس المصحف، والنية في الوضوء والجنابة، ومن اغتسل للجمعة هل يجزئه من الجنابة؟

                                                                                                                                                                                        ومن " المدونة" قال ابن القاسم: كان مالك يأمر الجنب ألا ينام حتى يتوضأ جميع وضوئه، غسل رجليه وغير ذلك .

                                                                                                                                                                                        والأصل في ذلك حديث عمر - رضي الله عنه - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - إنه تصيبه الجنابة من الليل فقال له - صلى الله عليه وسلم -: " توضأ واغسل ذكرك ثم نم" .

                                                                                                                                                                                        واختلف في الحديث هل هو على الوجوب أو على الندب؟ واختلف في تعليله، فقال مالك في " المجموعة" : هو شيء ألزمه الجنب ليس على وجه الخوف عليه، وجعله واجبا.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الجهم: المعنى أنه كان حقه ألا ينام حتى يغتسل، فرخص له - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يصير إلى أخف الطهارتين خوف أن يدركه الموت وهو جنب لم ينل شيئا من الطهارة. وقيل: إن ذلك رجاء أن ينشط فيغتسل.

                                                                                                                                                                                        فعلى القول: إن الوضوء ليبيت على إحدى الطهارتين إن أحدث قبل أن ينام أعاد الوضوء، ويتيمم عند عدم الماء، وهو قول ابن حبيب إنه يتيمم، وعلى القول أن ذلك رجاء أن ينشط فيغتسل لا يعيد الوضوء . وهو قول مالك في كتاب ابن حبيب، وعلى هذا إن عدم الماء لا يتيمم، فإن كان معه من الماء ما لا [ ص: 134 ] يكفيه للغسل لم يتوضأ، ويحمل الحديث على الندب، ولا يجب الوضوء إلا للصلاة وما أشبهها مما يتعلق به قربة لله تعالى.

                                                                                                                                                                                        وفي الترمذي قالت عائشة - رضي الله عنها -: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبيت جنبا لا يمس ماء" .

                                                                                                                                                                                        وفي البخاري ومسلم " أنه كان يتوضأ قبل أن ينام" ، وظاهر هذا الحديث يقتضي أنها لم تكن هي تتوضأ لأنها لم تذكر أنها كانت تتوضأ، ولا أمرها بذلك، والجنابة تكون بينهما جميعا.

                                                                                                                                                                                        وحديث البراء - رضي الله عنه - " أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يستحب ألا ينام الإنسان إلا على طهارة" ، فاستحب للجنب ما يخف من ذلك وهو أدنى الطهارتين. [ ص: 135 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية