الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 857 ) مسألة : قال : ( وسجود القرآن أربع عشرة سجدة ) المشهور في المذهب أن عزائم سجود القرآن أربع عشرة سجدة ، وهو قول أبي حنيفة في إحدى الروايتين والشافعي في أحد القولين . وممن روي عنه أن في المفصل ثلاث سجدات أبو بكر ، وعلي . وابن مسعود ، وعمار ، وأبو هريرة ، وابن عمر ، وعمر بن عبد العزيز ، وجماعة من التابعين وبه قال الثوري ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وإسحاق ، ، وعن أحمد ، رحمه الله ، رواية أخرى ، أنها خمس عشرة سجدة منها سجدة ( ص ) . وروي ذلك عن عقبة بن عامر ، وهو قول إسحاق ، لما روى ابن ماجه ، وأبو داود عن عمرو بن العاص { ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة ، منها ثلاث في المفصل ، وفي سورة الحج سجدتان } . وقال مالك ، في رواية والشافعي في قول : عزائم السجود إحدى عشرة سجدة ، ليس منها شيء من المفصل . قال ابن عبد البر : هذا قول ابن عمر ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وابن جبير ، والحسن ، وعكرمة ، ومجاهد ، وعطاء ، وطاوس ، ومالك ، وطائفة من أهل المدينة ; لأن

                                                                                                                                            أبا الدرداء قال : { سجدت مع النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ليس فيها من المفصل شيء } . رواه ابن ماجه . وروى ابن عباس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة . } رواه أبو داود .

                                                                                                                                            [ ص: 358 ] ولنا ، ما روى أبو رافع ، قال { : صليت خلف أبي هريرة العتمة ، فقرأ { إذا السماء انشقت } . فسجد ، فقلت : ما هذه السجدة ؟ قال : سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه } .

                                                                                                                                            رواه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والأثرم . وروى مسلم ، وأبو داود ، وابن ماجه عن أبي هريرة ، قال { : سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت و اقرأ باسم ربك } وروى عبد الله بن مسعود ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم ، فسجد فيها ، وما بقي أحد من القوم إلا سجد } . رواه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود .

                                                                                                                                            وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة سنة سبع ، وهو أولى من حديث ابن عباس ، لأنه إثبات . ثم إن ترك السجود يدل على أنه ليس بواجب ، والسجود يدل على أنه مسنون ، ولا تعارض بينهما ، وحديث أبي الدرداء قال أبو داود إسناده واه . ثم لا دلالة فيه ، إذ يجوز أن يكون سجود غير المفصل إحدى عشرة فيكون مع سجدات المفصل أربع عشرة .

                                                                                                                                            ( 858 ) فصل : فعلى الرواية الأولى ليست " ص " من عزائم السجود ، وهو قول علقمة ، والشافعي ، وروي ذلك عن ابن عباس ، وابن مسعود .

                                                                                                                                            والرواية الثانية : هي من العزائم . وهو قول الحسن ، ومالك والأوزاعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، لحديث عمرو بن العاص . وروي عن عمر وابنه وعثمان ، أنهم كانوا يسجدون فيها . وروى أبو داود ، بإسناده عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها . وحديث أبي الدرداء يدل على أنه سجد فيها . ولنا ، ما روى أبو داود ، عن أبي سعيد . قال { : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد ، وسجد الناس معه ، فلما كان يوم آخر قرأها ، فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما هي توبة نبي ، ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود فنزل ، فسجد ، وسجدوا } .

                                                                                                                                            وروى أبو داود عن ابن عباس ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص ، وقال : سجدها داود توبة ، ونحن نسجدها شكرا } . أخرجه النسائي . وروى أبو داود عن ابن عباس ، قال : ليس " ص " من عزائم السجود . والحديث الذي ذكرناه للرواية الأخرى ، يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها ، فيكون سجودا للشكر ، كما بينه في حديث ابن عباس .

                                                                                                                                            ( 859 ) مسألة : قال : ( في الحج منها سجدتان ) وبهذا قال الشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وابن المنذر . وممن كان يسجد في الحج سجدتين عمر ، وعلي ، وعبد الله بن عمر ، وأبو الدرداء ، وأبو موسى ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو العالية ، وزر . وقال ابن عباس : فضلت سورة الحج بسجدتين .

                                                                                                                                            وقال الحسن ، وسعيد بن جبير ، وجابر بن زيد ، والنخعي ، ومالك ، وأبو حنيفة : ليست الأخيرة سجدة ; لأنه جمع فيها بين الركوع والسجود . فقال { : يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا } فلم تكن سجدة ، كقوله { : يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين } . ولنا حديث عمرو بن العاص ، الذي ذكرناه . وروى أبو داود ، والأثرم عن عقبة بن عامر ، قال { : قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : في سورة الحج سجدتان ؟ قال : نعم ، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما . } وأيضا فإنه قول من سمينا [ ص: 359 ] من الصحابة لم نعرف لهم مخالفا في عصرهم ، فيكون إجماعا

                                                                                                                                            . وقال أبو إسحاق : أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين . وقال ابن عمر : لو كنت تاركا إحداهما لتركت الأولى . وذلك لأن الأولى إخبار ، والثانية أمر ، واتباع الأمر أولى . وذكر الركوع لا يقتضي ترك السجود ، كما ذكر البكاء في قوله { : خروا سجدا وبكيا } ، وقوله : { ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا } .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية