الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ثم لم تكن فتنتهم قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم:" ثم لم تكن" بالتاء ، "فتنتهم" بالرفع . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم: "تكن" بالتاء أيضا ، "فتنتهم" بالنصب ، وقد رويت عن ابن كثير أيضا . وقرأ حمزة ، والكسائي: "يكن" بالياء ، "فتنتهم" بالنصب .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي "الفتنة "أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنها بمعنى الكلام والقول . قال ابن عباس ، والضحاك: لم يكن كلامهم .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها المعذرة: قال قتادة ، وابن زيد: لم تكن معذرتهم . قال ابن الأنباري: فالمعنى: اعتذروا بما هو مهلك لهم ، وسبب لفضيحتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنها بمعنى البلية . قال عطاء الخراساني: لم تكن بليتهم . وقال أبو عبيد: لم تكن بليتهم التي ألزمتهم الحجة ، وزادتهم لائمة .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: أنها بمعنى الافتتان . والمعنى: لم تكن عاقبة فتنتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : لم يكن افتتانهم بشركهم ، وإقامتهم عليه ، إلا أن تبرؤوا منه . ومثل ذلك في اللغة أن ترى إنسانا يحب غاويا ، فإذا وقع في هلكة تبرأ منه ، فيقول: ما كانت محبتك لفلان إلا أن انتفيت منه . قال: وهذا تأويل لطيف ، لا يعرفه إلا من عرف معاني الكلام وتصرف العرب في ذلك . [ ص: 17 ] وقال ابن الأنباري: المعنى: أنهم افتتنوا بقولهم هذا ، إذا كذبوا فيه ، ونفوا عن أنفسهم ما كانوا معروفين به في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر: "والله ربنا" بكسر الباء . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف: بنصب الباء .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هؤلاء القوم الذين هذا وصفهم قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنهم المشركون . والثاني: المنافقون .

                                                                                                                                                                                                                                      ومتى يحلفون ? فيه ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: إذا رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا من كان مسلما قالوا: تعالوا نكابر عن شركنا ، فحلفوا ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنهم إذا دخلوا النار ، ورأوا أهل التوحيد يخرجون ، حلفوا[ واعتذروا] قاله سعيد بن جبير ، ومجاهد . [ ص: 18 ] والثالث: أنهم إذا سئلوا: أين شركاؤكم؟ تبرؤوا ، وحلفوا: ما كنا مشركين ، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية