nindex.php?page=treesubj&link=19881_31848_32438_34091_34092_34131_34513_28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينـزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=83وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم
انتهى
إبراهيم بعد أن تعرف الكواكب وأحوالها، وأن واحدا منها لا يمكن أن يكون الذي يعبد، وأن الأصنام لا تنفع ولا تضر اتجه إلى خالق الكون، واعتزل الشرك، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وبعد هذا أخذوا يحاجونه في أمر أصنامهم وقوتها وهددوه بأنه سيصيبه منها ضرر، وهو يقول لهم: إن كانت تكيد وتضر، فكيدوني ولا تنظروني.
والمحاجة التي أقاموها بينهم وبينه كانت محاجة بين اثنتين: أحدهما اعتمد على الهداية والعقل، والثاني اعتمد على الخرافة والوهم، ولقد قال تعالى:
[ ص: 2566 ] nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني والمحاجة أن تكون مناظرة، ويقدم كل واحد من المتناظرين حجته ويدلي ببرهانه، وقد عجب
إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- أن يحاجوه في الله تعالى منكرين له، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80أتحاجوني في الله وقد هداني والاستفهام إنكاري لإنكار الواقع، وإنكار الواقع توبيخ، فهو يوبخهم ويؤيسهم من نتيجة المحاجة فيقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وقد هداني أي: أنه لا مطمع لكم في أن أعود إلى عبادة الأصنام وقد هداني الله تعالى ووفقني لأن أدرك أنه وحده المعبود بحق، ولا معبود سواه.
وتدل الآية الكريمة على أن أوهامهم زينت لهم أن أصنامهم قادرة على إنزال الأذى فخوفوه من الأذى، وقد ذكر سبحانه وتعالى محاجتهم
لإبراهيم -عليه السلام- في مواضع من كتابه العزيز، فقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=55قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=56قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين
وجاء في محاجتهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=69واتل عليهم نبأ إبراهيم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=70إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=71قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=72قال هل يسمعونكم إذ تدعون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=73أو ينفعونكم أو يضرون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=74قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=75قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=76أنتم وآباؤكم الأقدمون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فإنهم عدو لي إلا رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78الذي خلقني فهو يهدين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=79والذي هو يطعمني ويسقين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=80وإذا مرضت فهو يشفين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=81والذي يميتني ثم يحيين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين
هذه عبارات من المحاجة التي أثبت بها أنه سبحانه وتعالى هداه، ولا يصح أن يتوهموا أنه يعود إليهم بعد أن هداه الله وقد هددوه بأن تصيبه آلهتهم بأذى رجاء أن يخاف ويسكت عن أصنامهم فحطمها، وجعلها جذاذا إلا كبيرها.
ولكنه قد اعتصم بالله تعالى، وهو يرى أنها لا تضر ولا تنفع، وهكذا نجد العقل والهدى في صدام مع الوهم والضلال; ولذا قال لهم في إدراك عقلي مستقيم:
[ ص: 2567 ] nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80ولا أخاف ما تشركون به أي: إنني لم يستول علي الوهم كاستيلائه عليكم، فأخاف مما تشركون عبادته مع الله تعالى، فأنا أعلم أنها لا تضر ولا تنفع، وهي أحجار صماء، تنقل من مكان إلى مكان فكيف أخاف منها، كيف أخاف من حجر لا يسمع ولا يبصر، تصنعونها بأيديكم وتعبدونها بأوهامكم.
وقد كان
إبراهيم حريصا في إجابته، ويخشى أن يصيبه قدر، فيتوهمون أن ذلك من سر آلهتهم، فقطع عليهم -عليه السلام- أسباب ذلك، وقال مطمئنا إلى قضاء الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80إلا أن يشاء ربي شيئا هذا استثناء يدل على أمرين: أولهما: تفويضه لله تعالى في كل أموره، وأنه راض بما يقدره الله تعالى له، يتقبل ما يأتي به، وأنه وحده الذي يفعل ما يشاء.
ثانيهما: الرد عليهم في أن أصنامهم تستطيع أن تفعل شيئا، إنما الأمر كله لله وحده، هو الذي يصيب بالضرر إن شاء وهو الذي ينزل الخير من سحائب رضوانه إن شاء.
وأنه قادر على ذلك، وهو القادر وحده، وهو العليم بكل شيء يضع الأمور في مواضعها، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وكل شيء على مقتضى علمه بما كان، وما سيكون؛ ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وسع ربي كل شيء علما وهو تمييز محول، ومعناه: وسع علم ربي كل شيء، وفي تأخير التمييز إيهام مؤقت للتشويق، وبذلك يثبت في النفوس علم الله تعالى فضل ثبوت.
وذكره لله تعالى بوصف "ربي" للدلالة على أنه يستشعر معنى الربوبية دائما، فهو الذي رباه، وهو الذي يحميه ويحفظه من كل ضر وسوء، إلا أن يكون ذلك من حكمة أرادها، وهو العليم الخبير.
ثم قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80أفلا تتذكرون الهمزة للاستفهام، والفاء للإفصاح، والمعنى: إذا كان الأمر كله بيد الله تعالى وأن أحجاركم لا تنفع ولا تضر، أفلا
[ ص: 2568 ] تتذكرون الأمور، وتعرفونها على وجهها، والاستفهام هنا للتحريض على التذكر، ولقد كان حالهم مع إبراهيم، كحال قوم هود مع نبيهم فقالوا له:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=53قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=54إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=55من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها
إن حال هؤلاء الذين ساروا وراء الأوهام عجب، يخوفون نبي الله تعالى من أن يصيبه سوء من أحجارهم التي لا تضر ولا تنفع كما هو مشاهد بالحس ومدرك بالعقل، ومع ذلك لا يخافون أن ينزل بهم مقت من الله تعالى الذي يملك الوجود كله، آلهتهم، وغيرها.
ولذا قال تعالى على لسان
إبراهيم عليه السلام:
nindex.php?page=treesubj&link=19881_31848_32438_34091_34092_34131_34513_28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=83وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
انْتَهَى
إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ أَنْ تَعَرَّفَ الْكَوَاكِبَ وَأَحْوَالَهَا، وَأَنَّ وَاحِدًا مِنْهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي يُعْبَدُ، وَأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ اتَّجَهَ إِلَى خَالِقِ الْكَوْنِ، وَاعْتَزَلَ الشِّرْكَ، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَبَعْدَ هَذَا أَخَذُوا يُحَاجُّونَهُ فِي أَمْرِ أَصْنَامِهِمْ وَقُوَّتِهَا وَهَدَّدُوهُ بِأَنَّهُ سَيُصِيبُهُ مِنْهَا ضَرَرٌ، وَهُوَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنْ كَانَتْ تَكِيدُ وَتَضُرُّ، فَكِيدُونِي وَلَا تُنْظُرُونِي.
وَالْمُحَاجَّةُ الَّتِي أَقَامُوهَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ كَانَتْ مُحَاجَّةً بَيْنَ اثْنَتَيْنِ: أَحَدُهُمَا اعْتَمَدَ عَلَى الْهِدَايَةِ وَالْعَقْلِ، وَالثَّانِي اعْتَمَدَ عَلَى الْخُرَافَةِ وَالْوَهْمِ، وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
[ ص: 2566 ] nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَالْمُحَاجَّةُ أَنْ تَكُونَ مُنَاظَرَةً، وَيُقَدِّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَنَاظِرَيْنِ حُجَّتَهُ وَيُدْلِي بِبُرْهَانِهِ، وَقَدْ عَجِبَ
إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَنْ يُحَاجُّوهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى مُنْكِرِينَ لَهُ، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ لِإِنْكَارِ الْوَاقِعِ، وَإِنْكَارُ الْوَاقِعِ تَوْبِيخٌ، فَهُوَ يُوَبِّخُهُمْ وَيُؤَيِّسُهُمْ مِنْ نَتِيجَةِ الْمُحَاجَّةِ فَيَقُولُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وَقَدْ هَدَانِي أَيْ: أَنَّهُ لَا مَطْمَعَ لَكُمْ فِي أَنْ أَعُودَ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَقَدْ هَدَانِي اللَّهُ تَعَالَى وَوَفَّقَنِي لِأَنْ أُدْرِكَ أَنَّهُ وَحْدَهُ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ، وَلَا مَعْبُودَ سِوَاهُ.
وَتَدُلُّ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى أَنَّ أَوْهَامَهُمْ زَيَّنَتْ لَهُمْ أَنَّ أَصْنَامَهُمْ قَادِرَةٌ عَلَى إِنْزَالِ الْأَذَى فَخَوَّفُوهُ مِنَ الْأَذَى، وَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُحَاجَّتَهُمْ
لِإِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=55قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاعِبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=56قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ
وَجَاءَ فِي مُحَاجَّتِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=69وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=70إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=71قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=72قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=73أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=74قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=75قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=76أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=79وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=80وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=81وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ
هَذِهِ عِبَارَاتٌ مِنَ الْمُحَاجَّةِ الَّتِي أَثْبَتَ بِهَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَدَاهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَهَّمُوا أَنَّهُ يَعُودُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ هَدَاهُ اللَّهُ وَقَدْ هَدَّدُوهُ بِأَنْ تُصِيبَهُ آلِهَتُهُمْ بِأَذًى رَجَاءَ أَنْ يَخَافَ وَيَسْكُتَ عَنْ أَصْنَامِهِمْ فَحَطَّمَهَا، وَجَعَلَهَا جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرَهَا.
وَلَكِنَّهُ قَدِ اعْتَصَمَ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ يَرَى أَنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَهَكَذَا نَجِدُ الْعَقْلَ وَالْهُدَى فِي صِدَامٍ مَعَ الْوَهْمِ وَالضَّلَالِ; وَلِذَا قَالَ لَهُمْ فِي إِدْرَاكٍ عَقْلِيٍّ مُسْتَقِيمٍ:
[ ص: 2567 ] nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ أَيْ: إِنَّنِي لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيَّ الْوَهْمُ كَاسْتِيلَائِهِ عَلَيْكُمْ، فَأَخَافَ مِمَّا تُشْرِكُونَ عِبَادَتَهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَهِيَ أَحْجَارٌ صَمَّاءُ، تُنْقَلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ فَكَيْفَ أَخَافُ مِنْهَا، كَيْفَ أَخَافَ مِنْ حَجَرٍ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، تَصْنَعُونَهَا بِأَيْدِيكُمْ وَتَعْبُدُونَهَا بِأَوْهَامِكُمْ.
وَقَدْ كَانَ
إِبْرَاهِيمُ حَرِيصًا فِي إِجَابَتِهِ، وَيَخْشَى أَنْ يُصِيبَهُ قَدَرٌ، فَيَتَوَهَّمُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سِرِّ آلِهَتِهِمْ، فَقَطَعَ عَلَيْهِمْ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَسْبَابَ ذَلِكَ، وَقَالَ مُطْمَئِنًّا إِلَى قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا هَذَا اسْتِثْنَاءٌ يَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَوَّلُهُمَا: تَفْوِيضُهُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أُمُورِهِ، وَأَنَّهُ رَاضٍ بِمَا يُقَدِّرُهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، يَتَقَبَّلُ مَا يَأْتِي بِهِ، وَأَنَّهُ وَحْدَهُ الَّذِي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ.
ثَانِيهِمَا: الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي أَنَّ أَصْنَامَهُمْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَفْعَلَ شَيْئًا، إِنَّمَا الْأَمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، هُوَ الَّذِي يُصِيبُ بِالضَّرَرِ إِنْ شَاءَ وَهُوَ الَّذِي يُنْزِلُ الْخَيْرَ مِنْ سَحَائِبِ رِضْوَانِهِ إِنْ شَاءَ.
وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الْقَادِرُ وَحْدَهُ، وَهُوَ الْعَلِيمُ بِكُلِّ شَيْءٍ يَضَعُ الْأُمُورَ فِي مَوَاضِعِهَا، لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَى مُقْتَضَى عِلْمِهِ بِمَا كَانَ، وَمَا سَيَكُونُ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا وَهُوَ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ، وَمَعْنَاهُ: وَسِعَ عِلْمُ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ، وَفِي تَأْخِيرِ التَّمْيِيزِ إِيهَامٌ مُؤَقَّتٌ لِلتَّشْوِيقِ، وَبِذَلِكَ يَثْبُتُ فِي النُّفُوسِ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى فَضْلَ ثُبُوتٍ.
وَذِكْرُهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِوَصْفِ "رَبِّي" لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَشْعِرُ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ دَائِمًا، فَهُوَ الَّذِي رَبَّاهُ، وَهُوَ الَّذِي يَحْمِيهِ وَيَحْفَظُهُ مِنْ كُلِّ ضُرٍّ وَسُوءٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ حِكْمَةٍ أَرَادَهَا، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ، وَالْفَاءُ لِلْإِفْصَاحِ، وَالْمَعْنَى: إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كُلُّهُ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ أَحْجَارَكُمْ لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، أَفَلَا
[ ص: 2568 ] تَتَذَكَّرُونَ الْأُمُورَ، وَتَعْرِفُونَهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَالِاسْتِفْهَامُ هُنَا لِلتَّحْرِيضِ عَلَى التَّذَكُّرِ، وَلَقَدْ كَانَ حَالُهُمْ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، كَحَالِ قَوْمِ هُودٍ مَعَ نَبِيِّهِمْ فَقَالُوا لَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=53قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=54إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=55مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا
إِنَّ حَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَارُوا وَرَاءَ الْأَوْهَامِ عَجَبٌ، يُخَوِّفُونَ نَبِيَّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَنْ يُصِيبَهُ سُوءٌ مِنْ أَحْجَارِهِمُ الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ بِالْحِسِّ وَمُدْرَكٌ بِالْعَقْلِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَخَافُونَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَقْتٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي يَمْلِكُ الْوُجُودَ كُلَّهُ، آلِهَتَهُمْ، وَغَيْرَهَا.
وَلِذَا قَالَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: