الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 324 ] 20 - قالوا : حديث في التشبيه

        سب الدهر

        قالوا : رويتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تسبوا الدهر ؛ فإن الله تعالى هو الدهر ، فوافقتم في هذه الرواية الدهرية .

        قال أبو محمد : ونحن نقول : إن العرب في الجاهلية كانت تقول : أصابني الدهر في مالي بكذا ، ونالتني قوارع الدهر وبوائقه ومصايبه ، ويقول الهرم : حناني الدهر . فينسبون كل شيء تجري به أقدار الله - عز وجل - عليهم من موت أو سقم أو ثكل أو هرم إلى الدهر ، ويقولون : لعن الله هذا الدهر ، ويسمونه المنون لأنه جالب المنون عليهم عندهم ، والمنون المنية ، قال أبو ذؤيب :


        أمن المنون وريبه تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع



        قال أبو محمد : هكذا أنشدنيه الرياشي عن الأصمعي عن ابن أبي [ ص: 325 ] طرفة الهذلي عن أبي ذؤيب والناس يروونه : وريبها تتوجع ، ويجعلون المنون المنية ، وهذا غلط ، ويدلك على ذلك قوله : والدهر ليس بمعتب من يجزع ، كأنه قال :


        أمن الدهر وريبه تتوجع     والدهر ليس بمعتب من يجزع



        وقال الله - عز وجل - : نتربص به ريب المنون ، أي : ريب الدهر وحوادثه ، وكانت العرب تقول : لا ألقاك آخر المنون . أي : آخر الدهر .

        وقد حكى الله - عز وجل - عن أهل الجاهلية ما كانوا عليه من نسب أقدار الله - عز وجل - وأفعاله إلى الدهر فقال : وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون .

        فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تسبوا الدهر إذا أصابتكم المصايب ولا تنسبوها إليه ؛ فإن الله - عز وجل - هو الذي أصابكم بذلك لا الدهر ، فإذا سببتم الفاعل وقع السب بالله عز وجل .

        ألا ترى أن الرجل منهم إذا أصابته نائبة أو جائحة في مال أو ولد أو بدن فسب فاعل ذلك به - وهو ينوي الدهر - أن المسبوب هو الله عز وجل ؟

        وسأمثل لهذا الكلام مثالا أقرب به عليك ما تأولت ، وإن كان [ ص: 326 ] بحمد الله تعالى قريبا ، كأن رجلا يسمى زيدا أمر عبدا له يسمى فتحا أن يقتل رجلا ، فقتله فسب الناس فتحا ولعنوه ، فقال لهم قائل : لا تسبوا فتحا ، فإن زيدا هو فتح . يريد أن زيدا هو القاتل لأنه هو الذي أمره ، كأنه قال إن القاتل زيد لا فتح .

        وكذلك الدهر تكون فيه المصايب والنوازل وهي بأقدار الله - عز وجل - ، فيسب الناس الدهر لكون تلك المصايب والنوازل فيه ، وليس له صنع فيقول قائل : لا تسبوا الدهر ، فإن الله هو الدهر .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية