[ ص: 2642 ] [ 19 ] كتاب الصيد والذبائح
الفصل الأول
4064 - رضي الله عنه ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عدي بن حاتم ، فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه ، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله ، وإن أكل فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه ، فإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل ، فإنك لا تدري أيهما قتل . وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله ، فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت ، وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله . متفق عليه . عن
كتاب الصيد والذبائح
التالي
السابق
[ 19 ] كتاب الصيد والذبائح
: مصدر . بمعنى الاصطياد ، وقد يطلق على الصيد تسمية للمفعول بالمصدر ، وهو المناسب هنا لمقابلة الذبائح ، فإنها جمع الذبيحة . بمعنى المذبوح ، ثم الاصطياد يحل في غير الحرم لغير المحرم ، والصيد يحل إن كان مأكولا ؛ لقوله تعالى : ( الصيد وإذا حللتم فاصطادوا ) وقوله تعالى : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) والأمر للاستحباب ، فإنه نوع اكتساب وانتفاع . بما هو مخلوق لذلك فكان مباحا كالاحتطاب ، والأصل في هذا الباب قوله تعالى : ( وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله ) بالعطف على الطيبات أي : أحل لكم صيد ما علمتم ، أو ما شرطية وجوابه : فكلوا مما أمسكن عليكم ، والجوارح : الكواسب من سباع البهائم والطير كالكلب والفهد والنمر والعقاب والصقر والبازي ، والكلب بكسر الكاف مؤدب الجوارح ، مأخوذ من الكلب ; لأن ذلك أكثر ما يكون في الكلاب ، أو لأن السبع يسمى كلبا ، ثم يعلم المعلم بترك أكل الكلب ثلاث مرات ورجوع البازي بدعائه .
الفصل الأول
4064 - ( عن قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة سبع ، ونزل عدي بن حاتم رضي الله عنه ) أي : الطائي الكوفة ، وسكن بها ، وفقئت عينه يوم الجمل مع كرم الله وجهه ، وشهد علي بن أبي طالب صفين والنهروان ، ومات بالكوفة سنة سبع وستين وهو ابن مائة وعشرين ، وقيل مات بقرقليسا ، روى عنه جماعة . ( قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أرسلت ) أي : إذا أردت أن ترسل ( كلبك ) أي : المعلم ( فاذكر اسم الله ) أي : حالة إرساله إذ الإرسال بمنزلة الرمي وإمرار السكين ، فلا بد من التسمية عنده ، أما لو تركه ناسيا فيحل ، ولو لا يحل ، كذا في فتاوى تركها عامدا عند الإرسال ، ثم زجر الكلب فانزجر وسمى بعد الزجر وأخذ الصيد وقتل ، ولعله صلى الله عليه وسلم لم يقل : ( فاذكر اسم الله عليه ) أي : على أن الضمير يكون راجعا إلى الإرسال المفهوم من المصدر ، ويكون المراد حال إرساله ؛ لئلا يتوهم رجع الضمير إلى الكلب ، فإنه المتبادر الأقرب ، ( فإن أمسك عليك ) : في الأساس أمسك عليك زوجك وأمسك عليه ماله حبسه أي : إن قاضي خان فاذبحه ) : فلو ترك الذكاة عمدا حرم ; لأنه ميتة ( وإن أدركته ) أي : الصيد ( قد قتل ) : بصيغة الفاعل أي : قتله الكلب ، وفي نسخة قتل بصيغة المجهول في المواضع الثلاثة ( ولم يأكل منه فكله ) : أمر إباحة ( وإن أكل فلا تأكل ) : نهي تحريم ( فإنما أمسك على نفسه ) أي : حبس الكلب الصيد لك ( فأدركته حيا لا لك ، وهذا يدل على أنه لو أكل الكلب بعد تركه ثلاثا تبين جهله ، ( فإن أمسك الكلب الصيد لنفسه ) أي : كلبا لم يرسله أحد ، أو وجدت مع كلبك غيره فلا تأكل ) : وعليه الأكثر ، وبه قال أرسله من لم تحل ذبيحته كالمجوسي ( وقد قتل ابن عباس وابن عمر ، وأصح قولي أن الإرسال شرط حتى إن الشافعي لا يؤكل ، كذا ذكره الكلب إذا انفلت من صاحبه وأخذ صيدا وقتله البرجندي . ( فإنك لا تدري أيهما قتله ) : وفي نسخة : قتل بلا ضمير ، ثم أيهما مبتدأ وقتله خبر ، والجملة في موضع نصب بتدري ، وهي معلقة عن العمل لفظا ; لأنها من أفعال القلوب ، كذا ذكره أبو البقاء في إعراب قوله تعالى : ( لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ) .
[ ص: 2643 ] قال الشمني : وفي الكتب الستة قال : قلت : يا رسول الله ! إني أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر لا أدري أيهما أخذه . فقال : لا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب آخر عدي بن حاتم . ولذا قال علماؤنا : يشترط أن لا يشارك المعلم ما لا يحل صيده ، وهو كلب غير معلم ، أو كلب مجوسي ، أو كلب لم يرسل للصيد ، أو عن ، واجتمع الحرمة والإباحة فغلبت الحرمة ، واستدل به علماؤنا أيضا على أن كلب أرسل له ، وترك التسمية عليه عمدا ، ووجه الدلالة أنه علل الحرمة بترك التسمية عمدا ، وأما نسي التسمية صح ؛ لأن النسيان مرفوع الحكم عن الأمة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : الشرط في الذابح أن لا يكون تارك التسمية عمدا ، ومسلما كان ، أو كتابيا . رواه رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه الطبراني بسند صحيح عن ثوبان ؛ ولأن في اعتباره حرجا ؛ لأن الإنسان كثير النسيان ، والحرج مدفوع في الشرع . ( وإذا رميت ) أي : أردت أن ترمي ( بسهمك فاذكر اسم الله ، فإن غاب عنك يوما ) أي : الصيد ( فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت ) : وإنما قيده بالمشيئة هنا وأطلقه هناك ، وإن كان الأمر فيهما للإباحة إيماء إلى الشبهة هنا ، فإن في غيبته مدة مديدة احتمال أن يكون موت الصيد بسبب آخر غير معلوم لنا والله تعالى أعلم . وقد قال علماؤنا : ؛ لما روى شرط الحل بالرمي التسمية والجرح ، وأن لا يقعد عن طلبه إن غاب الصيد حال كونه متحاملا سهمه في مصنفه ، ابن أبي شيبة والطبراني في معجمه ، عن أبي رزين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصيد يتوارى عن صاحبه قال : لعل هوام الأرض قتلته . وروى عبد الرزاق نحوه عن عائشة مرفوعا . ( وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل ) أي : لاحتمال أن يكون موته بسبب الماء لا بسبب رميك ( متفق عليه ) .
في شرح السنة : هذا الحديث يتضمن فوائد من أحكام الصيد : منها : أن من أرسل كلبا على صيد فقتله يكون حلالا ، وكذلك جميع الجوارح المعلمة من الفهد والبازي والصقر ونحوها ، والشرط ، ولا يحل قتيل غير المعلم ، أن تكون الجارحة معلمة : إذا أشلي استشلى ، وإذا زجر انزجر ، وإذا أخذ الصيد أمسك ولم يأكل ، فإذا فعل ذلك مرارا وأقله ثلاث كان معلما يحل بعد ذلك قتله ، وقوله : إذا أرسلت كلبك دليل على أن الإرسال من جهة الصائد شرط حتى لو خرج الكلب بنفسه فأخذ صيدا ، وقتله لا يكون حلالا ، وفيه بيان أن والتعليم أن يوجد فيه ثلاث شرائط ، فلو ذكر اسم الله شرط في الذبيحة حالة ما تذبح ، وفى الصيد حالة ما يرسل الجارحة ، أو السهم اختلفوا فيه ، فذهب جماعة إلى أنه حلال ، وروي ذلك عن ترك التسمية ابن عباس رضي الله عنهما ، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وقالوا : المراد من ذكر اسم الله ذكر القلب ، وهو أن يكون إرساله الكلب على قصد الاصطياد به لا على وجه اللعب ، وذهب قوم إلى أنه لا يحل سواء ترك عامدا ، أو ناسيا ، وهو الأشبه بظاهر الكتاب والسنة ، وروي ذلك عن محمد بن سيرين والشعبي ، وبه قال أبو ثور وداود . وذهب جماعة إلى أنه لو ترك التسمية عامدا لا يحل ، وإن ترك ناسيا يحل ، وهو قول وأصحاب الثوري أبي حنيفة وإسحاق .
: مصدر . بمعنى الاصطياد ، وقد يطلق على الصيد تسمية للمفعول بالمصدر ، وهو المناسب هنا لمقابلة الذبائح ، فإنها جمع الذبيحة . بمعنى المذبوح ، ثم الاصطياد يحل في غير الحرم لغير المحرم ، والصيد يحل إن كان مأكولا ؛ لقوله تعالى : ( الصيد وإذا حللتم فاصطادوا ) وقوله تعالى : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) والأمر للاستحباب ، فإنه نوع اكتساب وانتفاع . بما هو مخلوق لذلك فكان مباحا كالاحتطاب ، والأصل في هذا الباب قوله تعالى : ( وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله ) بالعطف على الطيبات أي : أحل لكم صيد ما علمتم ، أو ما شرطية وجوابه : فكلوا مما أمسكن عليكم ، والجوارح : الكواسب من سباع البهائم والطير كالكلب والفهد والنمر والعقاب والصقر والبازي ، والكلب بكسر الكاف مؤدب الجوارح ، مأخوذ من الكلب ; لأن ذلك أكثر ما يكون في الكلاب ، أو لأن السبع يسمى كلبا ، ثم يعلم المعلم بترك أكل الكلب ثلاث مرات ورجوع البازي بدعائه .
الفصل الأول
4064 - ( عن قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة سبع ، ونزل عدي بن حاتم رضي الله عنه ) أي : الطائي الكوفة ، وسكن بها ، وفقئت عينه يوم الجمل مع كرم الله وجهه ، وشهد علي بن أبي طالب صفين والنهروان ، ومات بالكوفة سنة سبع وستين وهو ابن مائة وعشرين ، وقيل مات بقرقليسا ، روى عنه جماعة . ( قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أرسلت ) أي : إذا أردت أن ترسل ( كلبك ) أي : المعلم ( فاذكر اسم الله ) أي : حالة إرساله إذ الإرسال بمنزلة الرمي وإمرار السكين ، فلا بد من التسمية عنده ، أما لو تركه ناسيا فيحل ، ولو لا يحل ، كذا في فتاوى تركها عامدا عند الإرسال ، ثم زجر الكلب فانزجر وسمى بعد الزجر وأخذ الصيد وقتل ، ولعله صلى الله عليه وسلم لم يقل : ( فاذكر اسم الله عليه ) أي : على أن الضمير يكون راجعا إلى الإرسال المفهوم من المصدر ، ويكون المراد حال إرساله ؛ لئلا يتوهم رجع الضمير إلى الكلب ، فإنه المتبادر الأقرب ، ( فإن أمسك عليك ) : في الأساس أمسك عليك زوجك وأمسك عليه ماله حبسه أي : إن قاضي خان فاذبحه ) : فلو ترك الذكاة عمدا حرم ; لأنه ميتة ( وإن أدركته ) أي : الصيد ( قد قتل ) : بصيغة الفاعل أي : قتله الكلب ، وفي نسخة قتل بصيغة المجهول في المواضع الثلاثة ( ولم يأكل منه فكله ) : أمر إباحة ( وإن أكل فلا تأكل ) : نهي تحريم ( فإنما أمسك على نفسه ) أي : حبس الكلب الصيد لك ( فأدركته حيا لا لك ، وهذا يدل على أنه لو أكل الكلب بعد تركه ثلاثا تبين جهله ، ( فإن أمسك الكلب الصيد لنفسه ) أي : كلبا لم يرسله أحد ، أو وجدت مع كلبك غيره فلا تأكل ) : وعليه الأكثر ، وبه قال أرسله من لم تحل ذبيحته كالمجوسي ( وقد قتل ابن عباس وابن عمر ، وأصح قولي أن الإرسال شرط حتى إن الشافعي لا يؤكل ، كذا ذكره الكلب إذا انفلت من صاحبه وأخذ صيدا وقتله البرجندي . ( فإنك لا تدري أيهما قتله ) : وفي نسخة : قتل بلا ضمير ، ثم أيهما مبتدأ وقتله خبر ، والجملة في موضع نصب بتدري ، وهي معلقة عن العمل لفظا ; لأنها من أفعال القلوب ، كذا ذكره أبو البقاء في إعراب قوله تعالى : ( لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ) .
[ ص: 2643 ] قال الشمني : وفي الكتب الستة قال : قلت : يا رسول الله ! إني أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر لا أدري أيهما أخذه . فقال : لا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب آخر عدي بن حاتم . ولذا قال علماؤنا : يشترط أن لا يشارك المعلم ما لا يحل صيده ، وهو كلب غير معلم ، أو كلب مجوسي ، أو كلب لم يرسل للصيد ، أو عن ، واجتمع الحرمة والإباحة فغلبت الحرمة ، واستدل به علماؤنا أيضا على أن كلب أرسل له ، وترك التسمية عليه عمدا ، ووجه الدلالة أنه علل الحرمة بترك التسمية عمدا ، وأما نسي التسمية صح ؛ لأن النسيان مرفوع الحكم عن الأمة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : الشرط في الذابح أن لا يكون تارك التسمية عمدا ، ومسلما كان ، أو كتابيا . رواه رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه الطبراني بسند صحيح عن ثوبان ؛ ولأن في اعتباره حرجا ؛ لأن الإنسان كثير النسيان ، والحرج مدفوع في الشرع . ( وإذا رميت ) أي : أردت أن ترمي ( بسهمك فاذكر اسم الله ، فإن غاب عنك يوما ) أي : الصيد ( فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت ) : وإنما قيده بالمشيئة هنا وأطلقه هناك ، وإن كان الأمر فيهما للإباحة إيماء إلى الشبهة هنا ، فإن في غيبته مدة مديدة احتمال أن يكون موت الصيد بسبب آخر غير معلوم لنا والله تعالى أعلم . وقد قال علماؤنا : ؛ لما روى شرط الحل بالرمي التسمية والجرح ، وأن لا يقعد عن طلبه إن غاب الصيد حال كونه متحاملا سهمه في مصنفه ، ابن أبي شيبة والطبراني في معجمه ، عن أبي رزين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصيد يتوارى عن صاحبه قال : لعل هوام الأرض قتلته . وروى عبد الرزاق نحوه عن عائشة مرفوعا . ( وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل ) أي : لاحتمال أن يكون موته بسبب الماء لا بسبب رميك ( متفق عليه ) .
في شرح السنة : هذا الحديث يتضمن فوائد من أحكام الصيد : منها : أن من أرسل كلبا على صيد فقتله يكون حلالا ، وكذلك جميع الجوارح المعلمة من الفهد والبازي والصقر ونحوها ، والشرط ، ولا يحل قتيل غير المعلم ، أن تكون الجارحة معلمة : إذا أشلي استشلى ، وإذا زجر انزجر ، وإذا أخذ الصيد أمسك ولم يأكل ، فإذا فعل ذلك مرارا وأقله ثلاث كان معلما يحل بعد ذلك قتله ، وقوله : إذا أرسلت كلبك دليل على أن الإرسال من جهة الصائد شرط حتى لو خرج الكلب بنفسه فأخذ صيدا ، وقتله لا يكون حلالا ، وفيه بيان أن والتعليم أن يوجد فيه ثلاث شرائط ، فلو ذكر اسم الله شرط في الذبيحة حالة ما تذبح ، وفى الصيد حالة ما يرسل الجارحة ، أو السهم اختلفوا فيه ، فذهب جماعة إلى أنه حلال ، وروي ذلك عن ترك التسمية ابن عباس رضي الله عنهما ، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وقالوا : المراد من ذكر اسم الله ذكر القلب ، وهو أن يكون إرساله الكلب على قصد الاصطياد به لا على وجه اللعب ، وذهب قوم إلى أنه لا يحل سواء ترك عامدا ، أو ناسيا ، وهو الأشبه بظاهر الكتاب والسنة ، وروي ذلك عن محمد بن سيرين والشعبي ، وبه قال أبو ثور وداود . وذهب جماعة إلى أنه لو ترك التسمية عامدا لا يحل ، وإن ترك ناسيا يحل ، وهو قول وأصحاب الثوري أبي حنيفة وإسحاق .