nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=90nindex.php?page=treesubj&link=28977قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين .
استئناف عقب به ذلك البيان العظيم الجامع لأحوال كثير من الأمم . والإيماء إلى نبوءة جمع من الأنبياء والصالحين ، وبيان طريقة الجدل في تأييد الدين ، وأنه ما جاء إلا كما جاءت ملل تلك الرسل ، فلذلك ذيله الله بأمر رسوله أن يذكر قومه بأنه يذكرهم . كما ذكرت الرسل أقوامهم ، وأنه
[ ص: 360 ] ما جاء إلا بالنصح لهم كما جاءت الرسل . وافتتح الكلام بفعل " قل " للتنبيه على أهميته كما تقدم في هذه السورة غير مرة . وقدم ذلك بقوله لا أسألكم عليه أجرا أي لست طالب نفع لنفسي على إبلاغ القرآن ، ليكون ذلك تنبيها للاستدلال على صدقه لأنه لو كان يريد لنفسه نفعا لصانعهم ووافقهم . قال في الكشاف في سورة هود عند قوله تعالى حكاية عن هود
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون . ما من رسول إلا واجه قومه بهذا القول ؛ لأن شأنهم النصيحة ، والنصيحة لا يمحصها ولا يمحضها إلا حسم المطامع ، وما دام يتوهم شيء منها لم تنفع ولم تنجع اهـ .
قلت : وحكى الله عن
نوح مثل هذا في قوله في سورة هود
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=29ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله . وقال لرسوله أيضا في سورة الشورى
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى . فليس المقصود من قوله لا أسألكم عليه أجرا رد اعتقاد معتقد أو نفي تهمة قيلت ، ولكن المقصود به الاعتبار ولفت النظر إلى
nindex.php?page=treesubj&link=28749محض نصح الرسول صلى الله عليه وسلم في رسالته وأنها لنفع الناس لا يجر منها نفعا إلى نفسه .
والضمير في قوله " عليه " وقوله " إن هو " راجع إلى معروف في الأذهان ; فإن معرفة المقصود من الضمير مغنية عن ذكر المعاد ؛ مثل قوله تعالى حتى توارت بالحجاب ، وكما في حديث
عمر في خبر إيلاء النبيء صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341738فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فضرب بابي ضربا شديدا فقال : أثم هو . إلخ . والتقدير : لا أسألكم على التبليغ أو الدعاء أجرا ، وما دعائي وتبليغي إلا ذكرى بالقرآن وغيره من الأقوال .
والذكرى اسم مصدر الذكر بالكسر ، وهو ضد النسيان ، وتقدم آنفا . والمراد بها هنا ذكر التوحيد والبعث والثواب والعقاب .
[ ص: 361 ] وجعل الدعوة ذكرى للعالمين ؛ لأن دعوته صلى الله عليه وسلم عامة لسائر الناس .
وقد أشعر هذا بأن انتفاء سؤال الأجر عليه لسببين : أحدهما أنه ذكرى لهم ونصح لنفعهم فليس محتاجا لجزاء منهم ، وثانيهما أنه ذكرى لغيرهم من الناس وليس خاصا بهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=90nindex.php?page=treesubj&link=28977قُلْ لَا أَسْأَلَكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ .
اسْتِئْنَافٌ عُقِّبَ بِهِ ذَلِكَ الْبَيَانُ الْعَظِيمُ الْجَامِعُ لِأَحْوَالِ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمَمِ . وَالْإِيمَاءُ إِلَى نُبُوءَةِ جَمْعٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، وَبَيَانُ طَرِيقَةِ الْجَدَلِ فِي تَأْيِيدِ الدِّينِ ، وَأَنَّهُ مَا جَاءَ إِلَّا كَمَا جَاءَتْ مِلَلُ تِلْكَ الرُّسُلِ ، فَلِذَلِكَ ذَيَّلَهُ اللَّهُ بِأَمْرِ رَسُولِهِ أَنْ يُذَكِّرَ قَوْمَهُ بِأَنَّهُ يَذْكُرُهُمْ . كَمَا ذَكَّرَتِ الرُّسُلُ أَقْوَامَهُمْ ، وَأَنَّهُ
[ ص: 360 ] مَا جَاءَ إِلَّا بِالنُّصْحِ لَهُمْ كَمَا جَاءَتِ الرُّسُلُ . وَافْتَتَحَ الْكَلَامَ بِفِعْلِ " قُلْ " لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَهَمِّيَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ . وَقَدَّمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا أَيْ لَسْتُ طَالِبَ نَفْعٍ لِنَفْسِي عَلَى إِبْلَاغِ الْقُرْآنِ ، لِيَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى صِدْقِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُرِيدُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا لَصَانَعَهُمْ وَوَافَقَهُمْ . قَالَ فِي الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ هُودٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ هُودٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ . مَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا وَاجَهَ قَوْمَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُمُ النَّصِيحَةُ ، وَالنَّصِيحَةُ لَا يُمَحِّصُهَا وَلَا يُمَحِّضُهَا إِلَّا حَسْمُ الْمَطَامِعِ ، وَمَا دَامَ يُتَوَهَّمُ شَيْءٌ مِنْهَا لَمْ تَنْفَعْ وَلَمْ تَنْجَعْ اهـ .
قُلْتُ : وَحَكَى اللَّهُ عَنْ
نُوحٍ مِثْلَ هَذَا فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ هُودٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=29وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ . وَقَالَ لِرَسُولِهِ أَيْضًا فِي سُورَةِ الشُّورَى
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى . فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا رَدَّ اعْتِقَادِ مُعْتَقَدٍ أَوْ نَفْيَ تُهْمَةٍ قِيلَتْ ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الِاعْتِبَارُ وَلَفْتُ النَّظَرِ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28749مَحْضِ نُصْحِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِسَالَتِهِ وَأَنَّهَا لِنَفْعِ النَّاسِ لَا يَجُرُّ مِنْهَا نَفْعًا إِلَى نَفْسِهِ .
وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ " عَلَيْهِ " وَقَوْلِهِ " إِنْ هُوَ " رَاجِعٌ إِلَى مَعْرُوفٍ فِي الْأَذْهَانِ ; فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْمَقْصُودِ مِنَ الضَّمِيرِ مُغْنِيَةٌ عَنْ ذِكْرِ الْمُعَادِ ؛ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ، وَكَمَا فِي حَدِيثِ
عُمَرَ فِي خَبَرِ إِيلَاءِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341738فَنَزَلَ صَاحِبِي الْأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا فَقَالَ : أَثَمَّ هُوَ . إِلَخْ . وَالتَّقْدِيرُ : لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى التَّبْلِيغِ أَوِ الدُّعَاءِ أَجْرًا ، وَمَا دُعَائِي وَتَبْلِيغِي إِلَّا ذِكْرَى بِالْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَقْوَالِ .
وَالذِّكْرَى اسْمُ مَصْدَرِ الذِّكْرِ بِالْكَسْرِ ، وَهُوَ ضِدُّ النِّسْيَانِ ، وَتَقَدَّمَ آنِفًا . وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا ذِكْرُ التَّوْحِيدِ وَالْبَعْثِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ .
[ ص: 361 ] وَجَعَلَ الدَّعْوَةَ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَّةٌ لِسَائِرِ النَّاسِ .
وَقَدْ أَشْعَرَ هَذَا بِأَنَّ انْتِفَاءَ سُؤَالِ الْأَجْرِ عَلَيْهِ لِسَبَبَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ذِكْرَى لَهُمْ وَنُصْحٌ لِنَفْعِهِمْ فَلَيْسَ مُحْتَاجًا لِجَزَاءٍ مِنْهُمْ ، وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ ذِكْرَى لِغَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ وَلَيْسَ خَاصًّا بِهِمْ .