أبواب سجود السهو باب ما جاء فيمن سلم من نقصان 1016 - ( عن عن ابن سيرين قال : { أبي هريرة أبو بكر فهابا أن يكلماه ، وفي القوم رجل يقال له : وعمر ذو اليدين فقال : يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة ؟ فقال : لم أنس ولم تقصر ، فقال : أكما يقول اليدين ؟ فقالوا : نعم ، فتقدم فصلى ما ترك ، ثم سلم ، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه وكبر ، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه وكبر فربما سألوه ، ثم سلم ، فيقول : أنبئت أن قال : ثم سلم عمران بن حصين } . متفق عليه . وليس صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي ، فصلى ركعتين ثم سلم ، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ، ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى ، وخرجت السرعان من أبواب المسجد ، فقالوا : قصرت الصلاة ؟ [ ص: 129 ] وفي القوم فيه وضع اليد على اليد ولا التشبيك ، وفي رواية قال : { لمسلم بني سليم فقال يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت } . وساق الحديث . رواه بينما أنا أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر سلم من ركعتين ، فقام رجل من أحمد . وهذا يدل على أن القصة كانت بحضرته وبعد إسلامه . وفي رواية متفق عليها لما قال : { ومسلم } وهذا يدل على أن لم أنس ولم تقصر قال : بلى قد نسيت ذا اليدين بعد ما علم عدم النسخ كلاما ليس بجواب سؤال ) .
أبواب سجود السهو
التالي
السابق
قال الحافظ في التلخيص : لهذا الحديث طرق كثيرة وألفاظ ، وقد جمع جميع طرقه الحافظ صلاح الدين العلائي وتكلم عليه كلاما شافيا . انتهى .
وفي الباب عن عند ابن عمر أبي داود . وعن وابن ماجه ذي اليدين عند في زيادات المسند عبد الله بن أحمد . وعن والبيهقي عند ابن عباس في مسنده البزار . وعن والطبراني عبد الله بن مسعدة عند في الأوسط . وعن الطبراني معاوية بن خديج عند أبي داود . وعن والنسائي أبي العريان عند في الكبير . قال الطبراني في التمهيد : وقد قيل : إن ابن عبد البر أبا العريان المذكور هو . وقال أبو هريرة النووي في الخلاصة : إن ذا اليدين أبا العريان . قال العراقي : كلا القولين غير صحيح ، وأبو العريان آخر لا يعرف اسمه ، ذكره فيهم في الكنى ، وكذلك أورده الطبراني في ذيله على أبو موسى المديني ابن منده في الصحابة قوله : ( صلى بنا ) ظاهره أن حضر القصة وحمله أبا هريرة على المجاز فقال : إن المراد به صلى بالمسلمين . وسبب ذلك قول الطحاوي الزبيري إن صاحب القصة استشهد ببدر ، لأنه يقتضي أن القصة وقعت قبل بدر وهي قبل إسلام بأكثر من خمس سنين ، لكن اتفق أئمة الحديث كما نقله أبي هريرة وغيره على أن ابن عبد البر الزهري وهم في ذلك . وسببه أنه جعل القصة لذي الشمالين ، وذو الشمالين الذي قتل ببدر وهو خزاعي واسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة . وأما ذو اليدين فتأخر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بمدة ، وحدث بهذا الحديث بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرج ذلك واسمه الطبراني الخرباق كما سيأتي ، وقد جوز بعض الأئمة أن تكون القصة وقعت لكل من ذي الشمالين وذي اليدين وأن [ ص: 130 ] روى الحديثين فأرسل أحدهما وهو قصة أبا هريرة ذي الشمالين ، وشاهد الآخر وهو قصة ذي اليدين . قال في الفتح : وهذا محتمل في طريق الجمع . وقيل : يحمل على أن ذا الشمالين كان يقال له أيضا ذو اليدين ، فكان ذلك سبب الاشتباه ، ويدفع المجاز الذي ارتكبه الرواية الأخرى التي ذكرها المصنف بلفظ " بينما أنا أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم " قال الحافظ في الفتح : وقد اتفق معظم أهل الحديث من المصنفين وغيرهم على أن الطحاوي ذا الشمالين ذي اليدين ، ونص على ذلك في اختلاف الحديث قوله : ( إحدى صلاتي العشي ) قال الشافعي النووي : هو بفتح العين المهملة وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء قال : قال الأزهري : العشي عند العرب : ما بين زوال الشمس وغروبها .
ويبين ذلك ما وقع عند من حديث البخاري قال : { أبي هريرة } وفي رواية له قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر : " وأكثر ظني أنها العصر " وفي محمد - يعني ابن سيرين " العصر " من غير شك . مسلم
وفي رواية له " الظهر " كذلك كما ذكر المصنف .
وفي رواية له أيضا " إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر " .
قال في الفتح : والظاهر أن الاختلاف فيه من الرواة . وأبعد من قال : يحمل على أن القصة وقعت مرتين ، بل روى من طريق النسائي ابن عوف عن أن الشك فيه من ابن سيرين ، ولفظه " صلى صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي " قال أبي هريرة : ولكني نسيت . فالظاهر أن أبو هريرة رواه كثيرا على الشك ، وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر فجزم بها ، وتارة غلب على ظنه أنها العصر فجزم بها ، وطرأ الشك أيضا في تعيينها على أبا هريرة ، وكان سبب ذلك الاهتمام بما في القصة من الأحكام الشرعية . ابن سيرين
قوله : ( فقام إلى خشبة في المسجد ) في رواية " في مقدم المسجد " للبخاري " في قبلة المسجد " قوله : ( السرعان ) بفتح المهملات ، ومنهم من يسكن الراء ، وحكى ولمسلم عياض أن الأصيلي ضبطه بضم ثم إسكان كأنه جمع سريع ، والمراد بهم : أول الناس خروجا من المسجد وهم أهل الحاجات غالبا قوله : ( فهابا ) في رواية " فهاباه " بزيادة الضمير ، والمعنى أنه غلب عليهما احترامه وتعظيمه عن الاعتراض عليه . للبخاري
وأما ذو اليدين فغلب عليه حرصه على تعلم العلم قوله : ( يقال له ذو اليدين ) قال القرطبي : هو كناية عن طولهما ، وعن بعض شراح التنبيه أنه كان قصير اليدين ، وجزم أنه كان يعمل بيديه جميعا . وذهب الأكثر إلى أن اسم ابن قتيبة ذي اليدين الخرباق بكسر المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة وآخره قاف ، اعتمادا على ما وقع في حديث عمران بن حصين الآتي .
قال في الفتح : هذا موضع من يوحد حديث بحديث أبي هريرة عمران ، وهو الراجح في نظري ، وإن كان ومن تبعه جنحوا إلى التعدد ، والحامل لهم على ذلك الاختلاف الواقع في السياقين ، ففي [ ص: 131 ] حديث ابن خزيمة أن السلام وقع اثنين ، وأنه صلى الله عليه وسلم قام إلى خشبة في المسجد . أبي هريرة
وفي حديث عمران أنه سلم من ثلاث ركعات وأنه دخل منزله لما فرغ من الصلاة .
فأما الأول فقد حكى العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد : أنه سلم في ابتداء الركعة الثالثة واستبعده ولكن طريق الجمع يكتفى فيها بأدنى مناسبة ، وليس بأبعد من دعوى تعدد القصة ، لأنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرة استفهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، واستفهم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن صحة قوله .
وأما الثاني فلعل الراوي لما رآه تقدم من مكانه إلى جهة الخشبة ظن أنه دخل منزله لكون الخشبة كانت في جهة منزله ، فإن كان كذلك وإلا فرواية أرجح لموافقة أبي هريرة له على سياقه كما أخرجه ابن عمر الشافعي وأبو داود وابن ماجه ، ولموافقة وابن خزيمة ذي اليدين كما أخرجه أبو بكر الأثرم في زيادات المسند وعبد الله بن أحمد وأبو بكر بن أبي خيثمة وغيرهم انتهى .
قوله : ( لم أنس ولم تقصر ) هو تصريح بنفي النسيان ونفي القصر ، وهو مفسر لما عند بلفظ " كل ذلك لم يكن " وتأييد لما قاله علماء المعاني : إن لفظ كل إذا تقدم وعقبه نفي كان نفيا لكل فرد لا للمجموع ، بخلاف ما إذا تأخر ، ولهذا أجاب مسلم ذو اليدين بقوله : " قد كان بعض ذلك " كما في صحيح . مسلم
وفي البخاري أنه قال : " بلى قد نسيت " كما ذكر المصنف . ومسلم
وفيه دليل على جواز . دخول السهو عليه صلى الله عليه وسلم في الأحكام الشرعية
، وقد نقل عياض والنووي الإجماع على عدم جواز دخول السهو في الأقوال التبليغية وخصا الخلاف بالأفعال وقد تعقبا . قال الحافظ : نعم اتفق من جوز ذلك على أنه لا يقر عليه بل يقع له بيان ذلك إما متصلا بالفعل أو بعده كما وقع في هذا الحديث . وفائدة جواز السهو في مثل ذلك بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره .
وأما من منع السهو مطلقا منه صلى الله عليه وسلم فأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة : منها أن قوله صلى الله عليه وسلم : " لم أنس " على ظاهره وحقيقته وأنه كان متعمدا لذلك ليقع منه التشريع بالفعل أبلغ من القول ، ويكفي في رد هذا تقريره صلى الله عليه وسلم لذي اليدين على قوله : " بلى قد نسيت " وأصرح من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : { } وهو متفق عليه من حديث إنما أنا بشر أنسى كما تنسون كما سيأتي . ابن مسعود
ومن أجوبتهم أن قوله صلى الله عليه وسلم : { إني لا أنسى ، ولكن أنسى لأسن } يدل على عدم صدور النسيان منه . وتعقب بما قاله الحافظ في الفتح : إن هذا الحديث لا أصل له ، فإنه من بلاغات التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد وأيضا هو أحد الأحاديث الأربعة التي تكلم عليها الموطأ . مالك
ومن أجوبتهم أيضا حديث إنكاره صلى الله عليه وسلم على من قال : { } وتعقب بأنه لا يلزم من ذم إضافة نسيان الآية ذم إضافة نسيان كل شيء ، فإن الفرق بينهما واضح [ ص: 132 ] جدا . ومن أجوبتهم أن قوله : " لم أنس " راجع إلى السلام : أي سلمت قصدا بانيا على ما في اعتقادي أني صليت أربعا . نسيت آية كذا وكذا ، وقال : بئسما أن يقول لأحدكم نسيت آية كذا وكذا
قال الحافظ : وهذا جيد ، وكأن ذا اليدين فهم العموم فقال : " بلى قد نسيت " والكلام في ذلك محله علم الكلام والأصول . وقد تكلم عياض في الشفاء بما يشفي فمن أراد البسط فليرجع إليه ، وهذا كله مبني على أن معنى السهو والنسيان واحد ، وأما من فرق بينهما فله أن يقول هذه الأدلة وإن دلت على أنه وقع النسيان منه صلى الله عليه وسلم فهي لا تستلزم وقوع السهو قوله : ( فصلى ما ترك ) فيه جواز ، وإلى ذلك ذهب الجمهور كما قال البناء على الصلاة خرج منها المصلي قبل ها ناسيا العراقي من غير فرق بين من سلم من ركعتين أو أكثر أو أقل .
وقال : إنما يبني من سلم من ركعتين كما في قصة سحنون ذي اليدين ، لأن ذلك وقع على غير القياس فيقتصر على مورد النص . وحديث عمران بن حصين الآتي يبطل ما زعمه من قصر الجواز على ركعتين على أنه يلزمه أن يقصر الجواز على إحدى صلاتي العشي ولا قائل به . وذهبت الهادوية إلى أنه لا يجوز البناء على الصلاة التي خرج منها بتسليمتين من غير فرق بين العمد والسهو .
وأجابوا عن حديث الباب بأن قصة ذي اليدين كانت قبل نسخ الكلام اعتمادا منهم على ما سلف عن الزهري ، وقد قدمنا أنه وهم ، على أنه قد روى البناء عمران بن حصين كما سيأتي ، وإسلامه متأخر . ورواه أيضا معاوية بن خديج كما تقدمت الإشارة إلى ذلك ، وإسلامه قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بشهرين ، ومع هذا فتحريم الكلام كان بمكة ، وقد حققنا ذلك في باب تحريم الكلام .
وفي حديث الباب دليل على أن ، وكذا كلام من ظن التمام ، وقد تقدم على ذلك في باب تحريم الكلام أيضا . الساهي لا يبطل الصلاة
وفيه أيضا دليل على أن لا تفسد الصلاة وقد تقدم البحث في ذلك قوله : ( ثم سلم ثم كبر وسجد ) فيه دليل لمن قال إن الأفعال الكثيرة التي ليست من جنس الصلاة إذا وقعت سهوا أو مع ظن التمام . سجود السهو بعد السلام
وقد اختلف أهل العلم في ذلك على ثمانية أقوال كما ذكر ذلك العراقي في شرح الترمذي : الأول : أن سجود السهو كله محله بعد السلام ، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة وهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص . وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعمران بن حصين وأنس بن مالك والمغيرة بن شعبة . وروى وأبو هريرة الترمذي عنه خلاف ذلك كما سيأتي .
وروي أيضا عن ابن عباس ومعاوية على خلاف في ذلك عنهم . ومن التابعين وعبد الله بن الزبير أبو سلمة بن عبد الرحمن والحسن البصري والنخعي وعمر بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن أبي ليلى والسائب القاري . وروى الترمذي عنه خلاف ذلك ، وهو قول الثوري وأصحابه . وأبي حنيفة
وحكى عن قولا له . ورواه الشافعي الترمذي عن أهل [ ص: 133 ] الكوفة ، وذهب إليه من أهل البيت الهادي والقاسم وزيد بن علي والمؤيد بالله .
واستدلوا بحديث الباب وبسائر الأحاديث التي ذكر فيها السجود بعد السلام . القول الثاني : أن سجود السهو كله قبل السلام ، وقد ذهب إلى ذلك من الصحابة . وروي أيضا عن أبو سعيد الخدري ابن عباس ومعاوية على خلاف في ذلك وبه قال وعبد الله بن الزبير الزهري ومكحول وابن أبي ذئب والأوزاعي الليث بن سعد في الجديد وأصحابه . والشافعي
ورواه الترمذي عن أكثر فقهاء المدينة وعن . واستدلوا على ذلك بالأحاديث التي ذكر فيها السجود قبل السلام وسيأتي بعضها . القول الثالث : التفرقة بين الزيادة والنقص ، فيسجد للزيادة بعد السلام وللنقص قبله ، وإلى ذلك ذهب أبي هريرة وأصحابه مالك والمزني ، وهو قول وأبو ثور ، وإليه ذهب للشافعي الصادق والناصر من أهل البيت .
قال : وبه يصح استعمال الخبرين جميعا . قال : واستعمال الأخبار عن وجهها أولى من ادعاء النسخ ، ومن جهة النظر الفرق بين الزيادة والنقصان بين في ذلك ، السجود في النقصان إصلاح وجبر ، ومحال أن يكون الإصلاح والجبر بعد الخروج من الصلاة . وأما السجود في الزيادة فإنما هو ترغيم للشيطان ، وذلك ينبغي أن يكون بعد الفراغ . ابن عبد البر
قال ابن العربي : أسعد قيلا وأهدى سبيلا انتهى . ويدل على هذه التفرقة ما رواه مالك من حديث الطبراني في آخر حديث لها ، وفيه قال : { عائشة } ولكن في إسناده من سها قبل التمام فليسجد سجدتي السهو قبل أن يسلم ، وإذا سها بعد التمام سجد سجدتي السهو بعد أن يسلم عيسى بن ميمون المدني المعروف بالواسطي ، وهو وإن وثقه فيه حماد بن سلمة ابن معين مرة : لا بأس به ، فقد قال فيه مرة : ليس بشيء ، وضعفه الجمهور . القول الرابع : أنه يستعمل كل حديث كما ورد وما لم يرد فيه شيء سجد قبل السلام ، وإلى ذلك ذهب كما حكاه أحمد بن حنبل الترمذي عنه ، وبه قال من أصحاب سليمان بن داود الهاشمي الشافعي . قال وأبو خيثمة ابن دقيق العيد : هذا المذهب مع مذهب متفقان في طلب الجمع وعدم سلوك طريق الترجيح لكنهما اختلفا في وجه الجمع . مالك
القول الخامس : إنه يستعمل كل حديث كما ورد وما لم يرد فيه شيء فما كان نقصا سجد له قبل السلام وما كان زيادة فبعد السلام ، وإلى ذلك ذهب كما حكاه عنه إسحاق بن راهويه الترمذي . القول السادس : أن الباني على الأقل في صلاته عند شكه يسجد قبل السلام على حديث الآتي ، والمتحري في الصلاة عند شكه يسجد بعد السلام على حديث أبي سعيد الآتي أيضا ، وإلى ذلك ذهب ابن مسعود أبو حاتم بن حبان .
قال : وقد يتوهم من لم يحكم صناعة الأخبار ولا تفقه في صحيح الآثار أن التحري في الصلاة والبناء على اليقين واحد وليس كذلك ، لأن التحري هو أن يشك المرء في [ ص: 134 ] صلاته فلا يدري ما صلى ، فإذا كان كذلك فعليه أن يتحرى الصواب وليبن على الأغلب عنده ويسجد سجدتي السهو بعد السلام على خبر ، والبناء على اليقين هو أن يشك في الثنتين والثلاث ، أو الثلاث والأربع ، فإذا كان كذلك فعليه أن يبني على اليقين وهو الأقل ، وليتم صلاته ثم يسجد سجدتي السهو قبل السلام على خبر ابن مسعود عبد الرحمن بن عوف وما اختاره من التفرقة بين التحري والبناء على اليقين قاله وأبي سعيد فيما ذكره أحمد بن حنبل في التمهيد . وقال ابن عبد البر الشافعي وداود إن التحري هو البناء على اليقين ، وحكاه وابن حزم النووي عن الجمهور .
القول السابع : أنه يتخير الساهي بين السجود قبل السلام وبعده ، سواء كان لزيادة أو نقص ، حكاه في المصنف عن ابن أبي شيبة عليه السلام ، وحكاه علي الرافعي قولا ، ورواه للشافعي المهدي في البحر عن الطبري . ودليلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه السجود قبل السلام وبعده ، فكان الكل سنة . القول الثامن : أن محله كله بعد السلام إلا في موضعين فإن الساهي فيهما مخير أحدهما : . من قام من ركعتين ولم يجلس ولم يتشهد
والثاني : أن لا يدري أصلى ركعة أم ثلاثا أم أربعا ، فيبني على الأقل ويخير في السجود ، وإلى ذلك ذهب الظاهر ، وبه قال . وروى ابن حزم النووي في شرح عن مسلم أنه قال : تستعمل الأحاديث في مواضعها كما جاءت . داود
قال القاضي عياض وجماعة من أصحاب : ولا خلاف بين هؤلاء المختلفين وغيرهم من العلماء أنه لو سجد قبل السلام أو بعده للزيادة أو للنقص أنه يجزئه ولا تفسد صلاته ، وإنما اختلافهم في الأفضل . قال الشافعي النووي : وأقوى المذاهب هنا مذهب ثم مالك . الشافعي
وقال في مذهب ابن حزم : إنه رأي لا برهان على صحته ، قال : وهو أيضا مخالف للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره بسجود السهو قبل السلام من شك فلم يدر كم صلى وهو سهو زيادة ، ثم قال : ليت شعري من أين لهم أن جبر الشيء لا يكون إلا فيه لا بائنا عنه ، وهم مجمعون على أن الهدي والصيام يكونان جبرا لما نقص من الحج وهما بعد الخروج عنه ، وأن عتق الرقبة أو الصدقة أو صيام الشهرين جبر لنقص وطء التعمد في نهار رمضان ، وفعل ذلك لا يجوز إلا بعد تمامه ا هـ . مالك
وأحسن ما يقال في المقام إنه يعمل على ما تقتضيه أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم من السجود قبل السلام وبعده ، فما كان من أسباب السجود مقيدا بقبل السلام سجد له قبله ، وما كان مقيدا ببعد السلام سجد له بعده ، وما لم يرد تقييده بأحدهما كان مخيرا بين السجود قبل السلام وبعده من غير فرق بين الزيادة والنقص لما أخرجه في صحيحه عنغ مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ابن مسعود } وجميع أسباب السجود لا تكون إلا زيادة أو نقصا أو مجموعهما ، وهذا ينبغي أن يعد مذهبا تاسعا ، [ ص: 135 ] لأن مذهب إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين وإن كان فيه أنه يعمل بمقتضي النصوص الواردة كما حكاه داود النووي فقد جزم بأن الخارج عنها يكون قبل السلام ، إن قال إنها تستعمل الأحاديث كما وردت فقد جزم أنه يسجد لما خرج عنها إن كان زيادة بعد السلام وإن كان نقصا فقبله كما سبق . وإسحاق بن راهويه
والقائلون بالتخيير لم يستعملوا النصوص كما وردت ولا شك أنه أفضل . ومحل الخلاف في الأفضل كما عرفت وإن كانت الهادوية تقول بفساد صلاة من سجد لسهوه قبل التسليم مطلقا ، لكن قولهم من كونه مخالفا لما صرحت به الأدلة مخالف للإجماع الذي حكاه عياض وغيره قوله : ( فربما سألوه ثم سلم ) يعني سألوا هل سلم النبي صلى الله عليه وسلم بعد سجدتي السهو ؟ فروي عن محمد بن سيرين عمران بن حصين أنه أخبر " أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم بعدهما " .
ولفظ أبي داود : فقيل لمحمد : سلم في السجود ؟ فقال : لم أحفظه من ، ولكن نبئت أن أبي هريرة عمران بن حصين قال : ثم سلم .
وفيه دليل على مشروعية وقد نقل بعض المتأخرين عن التسليم في السهو النووي أن الشافعية لا يثبتون التسليم ، وهو خلاف المشهور عن الشافعية والمعروف في كتبهم وخلاف ما صرح به النووي في شرح مسلم فإنه قال : والصحيح في مذهبنا أنه يسلم ولا يتشهد .
1017 - ( وعن عمران بن حصين { الخرباق ، وكان في يده طول ، فقال يا رسول الله ، فذكر له صنيعه ، فخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس فقال : أصدق هذا ؟ قالوا : نعم ، فصلى ركعة ثم سلم ، ثم سجد سجدتين ثم سلم } . رواه الجماعة إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات ، ثم دخل منزله وفي لفظ : فدخل الحجرة ، فقام إليه رجل يقال له : البخاري والترمذي ) . الكلام على فقه الحديث قد تقدم ، وقد تقدم أيضا الاختلاف بين أهل العلم : هل حديث عمران هذا وحديث المتقدم حكاية لقصة واحدة أو لقصتين مختلفتين ؟ والظاهر ما قاله أبي هريرة خزيمة ومن تبعه من التعدد ، دعوى الاتحاد تحتاج إلى تأويلات متعسفة كما سلف . وتقدم أيضا ضبط الخرباق وأنه اسم ذي اليدين .
وفي الباب عن عند ابن عباس البزار في الكبير { والطبراني ذو الشمالين } الحديث . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم العصر ثلاثا فدخل على بعض نسائه ، فدخل عليه رجل من أصحابه يقال له
1018 - ( وعن أن عطاء صلى المغرب فسلم في ركعتين ، فنهض ليستلم [ ص: 136 ] الحجر فسبح القوم ، فقال : ما شأنكم ؟ قال : فصلى ما بقي وسجد سجدتين ، قال : فذكر ذلك ابن الزبير فقال : ما أماط عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم . رواه لابن عباس ) . الحديث أخرجه أيضا أحمد البزار في الأوسط والكبير . قال في مجمع الزوائد : ورجال والطبراني رجال الصحيح قوله : ( ما أماط ) أوله همزة مفتوحة وآخره مهملة . قال في القاموس : ماط يميط ميطا : جار وزجر وعني ميطانا وميطا : تنحى وبعد ، ونحى وأبعد كأماط فيهما ا هـ . والمراد هنا أن أحمد ما بعد ولا تنحى عن السنة ، أو ما أبعد ولا نحى غيره عنها بما فعله ، لما تقدم من ثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم ، والخلاف في جواز البناء قد مر . من ابن الزبير
وفي الباب عن عند ابن عمر أبي داود . وعن وابن ماجه ذي اليدين عند في زيادات المسند عبد الله بن أحمد . وعن والبيهقي عند ابن عباس في مسنده البزار . وعن والطبراني عبد الله بن مسعدة عند في الأوسط . وعن الطبراني معاوية بن خديج عند أبي داود . وعن والنسائي أبي العريان عند في الكبير . قال الطبراني في التمهيد : وقد قيل : إن ابن عبد البر أبا العريان المذكور هو . وقال أبو هريرة النووي في الخلاصة : إن ذا اليدين أبا العريان . قال العراقي : كلا القولين غير صحيح ، وأبو العريان آخر لا يعرف اسمه ، ذكره فيهم في الكنى ، وكذلك أورده الطبراني في ذيله على أبو موسى المديني ابن منده في الصحابة قوله : ( صلى بنا ) ظاهره أن حضر القصة وحمله أبا هريرة على المجاز فقال : إن المراد به صلى بالمسلمين . وسبب ذلك قول الطحاوي الزبيري إن صاحب القصة استشهد ببدر ، لأنه يقتضي أن القصة وقعت قبل بدر وهي قبل إسلام بأكثر من خمس سنين ، لكن اتفق أئمة الحديث كما نقله أبي هريرة وغيره على أن ابن عبد البر الزهري وهم في ذلك . وسببه أنه جعل القصة لذي الشمالين ، وذو الشمالين الذي قتل ببدر وهو خزاعي واسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة . وأما ذو اليدين فتأخر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بمدة ، وحدث بهذا الحديث بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرج ذلك واسمه الطبراني الخرباق كما سيأتي ، وقد جوز بعض الأئمة أن تكون القصة وقعت لكل من ذي الشمالين وذي اليدين وأن [ ص: 130 ] روى الحديثين فأرسل أحدهما وهو قصة أبا هريرة ذي الشمالين ، وشاهد الآخر وهو قصة ذي اليدين . قال في الفتح : وهذا محتمل في طريق الجمع . وقيل : يحمل على أن ذا الشمالين كان يقال له أيضا ذو اليدين ، فكان ذلك سبب الاشتباه ، ويدفع المجاز الذي ارتكبه الرواية الأخرى التي ذكرها المصنف بلفظ " بينما أنا أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم " قال الحافظ في الفتح : وقد اتفق معظم أهل الحديث من المصنفين وغيرهم على أن الطحاوي ذا الشمالين ذي اليدين ، ونص على ذلك في اختلاف الحديث قوله : ( إحدى صلاتي العشي ) قال الشافعي النووي : هو بفتح العين المهملة وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء قال : قال الأزهري : العشي عند العرب : ما بين زوال الشمس وغروبها .
ويبين ذلك ما وقع عند من حديث البخاري قال : { أبي هريرة } وفي رواية له قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر : " وأكثر ظني أنها العصر " وفي محمد - يعني ابن سيرين " العصر " من غير شك . مسلم
وفي رواية له " الظهر " كذلك كما ذكر المصنف .
وفي رواية له أيضا " إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر " .
قال في الفتح : والظاهر أن الاختلاف فيه من الرواة . وأبعد من قال : يحمل على أن القصة وقعت مرتين ، بل روى من طريق النسائي ابن عوف عن أن الشك فيه من ابن سيرين ، ولفظه " صلى صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي " قال أبي هريرة : ولكني نسيت . فالظاهر أن أبو هريرة رواه كثيرا على الشك ، وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر فجزم بها ، وتارة غلب على ظنه أنها العصر فجزم بها ، وطرأ الشك أيضا في تعيينها على أبا هريرة ، وكان سبب ذلك الاهتمام بما في القصة من الأحكام الشرعية . ابن سيرين
قوله : ( فقام إلى خشبة في المسجد ) في رواية " في مقدم المسجد " للبخاري " في قبلة المسجد " قوله : ( السرعان ) بفتح المهملات ، ومنهم من يسكن الراء ، وحكى ولمسلم عياض أن الأصيلي ضبطه بضم ثم إسكان كأنه جمع سريع ، والمراد بهم : أول الناس خروجا من المسجد وهم أهل الحاجات غالبا قوله : ( فهابا ) في رواية " فهاباه " بزيادة الضمير ، والمعنى أنه غلب عليهما احترامه وتعظيمه عن الاعتراض عليه . للبخاري
وأما ذو اليدين فغلب عليه حرصه على تعلم العلم قوله : ( يقال له ذو اليدين ) قال القرطبي : هو كناية عن طولهما ، وعن بعض شراح التنبيه أنه كان قصير اليدين ، وجزم أنه كان يعمل بيديه جميعا . وذهب الأكثر إلى أن اسم ابن قتيبة ذي اليدين الخرباق بكسر المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة وآخره قاف ، اعتمادا على ما وقع في حديث عمران بن حصين الآتي .
قال في الفتح : هذا موضع من يوحد حديث بحديث أبي هريرة عمران ، وهو الراجح في نظري ، وإن كان ومن تبعه جنحوا إلى التعدد ، والحامل لهم على ذلك الاختلاف الواقع في السياقين ، ففي [ ص: 131 ] حديث ابن خزيمة أن السلام وقع اثنين ، وأنه صلى الله عليه وسلم قام إلى خشبة في المسجد . أبي هريرة
وفي حديث عمران أنه سلم من ثلاث ركعات وأنه دخل منزله لما فرغ من الصلاة .
فأما الأول فقد حكى العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد : أنه سلم في ابتداء الركعة الثالثة واستبعده ولكن طريق الجمع يكتفى فيها بأدنى مناسبة ، وليس بأبعد من دعوى تعدد القصة ، لأنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرة استفهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، واستفهم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن صحة قوله .
وأما الثاني فلعل الراوي لما رآه تقدم من مكانه إلى جهة الخشبة ظن أنه دخل منزله لكون الخشبة كانت في جهة منزله ، فإن كان كذلك وإلا فرواية أرجح لموافقة أبي هريرة له على سياقه كما أخرجه ابن عمر الشافعي وأبو داود وابن ماجه ، ولموافقة وابن خزيمة ذي اليدين كما أخرجه أبو بكر الأثرم في زيادات المسند وعبد الله بن أحمد وأبو بكر بن أبي خيثمة وغيرهم انتهى .
قوله : ( لم أنس ولم تقصر ) هو تصريح بنفي النسيان ونفي القصر ، وهو مفسر لما عند بلفظ " كل ذلك لم يكن " وتأييد لما قاله علماء المعاني : إن لفظ كل إذا تقدم وعقبه نفي كان نفيا لكل فرد لا للمجموع ، بخلاف ما إذا تأخر ، ولهذا أجاب مسلم ذو اليدين بقوله : " قد كان بعض ذلك " كما في صحيح . مسلم
وفي البخاري أنه قال : " بلى قد نسيت " كما ذكر المصنف . ومسلم
وفيه دليل على جواز . دخول السهو عليه صلى الله عليه وسلم في الأحكام الشرعية
، وقد نقل عياض والنووي الإجماع على عدم جواز دخول السهو في الأقوال التبليغية وخصا الخلاف بالأفعال وقد تعقبا . قال الحافظ : نعم اتفق من جوز ذلك على أنه لا يقر عليه بل يقع له بيان ذلك إما متصلا بالفعل أو بعده كما وقع في هذا الحديث . وفائدة جواز السهو في مثل ذلك بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره .
وأما من منع السهو مطلقا منه صلى الله عليه وسلم فأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة : منها أن قوله صلى الله عليه وسلم : " لم أنس " على ظاهره وحقيقته وأنه كان متعمدا لذلك ليقع منه التشريع بالفعل أبلغ من القول ، ويكفي في رد هذا تقريره صلى الله عليه وسلم لذي اليدين على قوله : " بلى قد نسيت " وأصرح من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : { } وهو متفق عليه من حديث إنما أنا بشر أنسى كما تنسون كما سيأتي . ابن مسعود
ومن أجوبتهم أن قوله صلى الله عليه وسلم : { إني لا أنسى ، ولكن أنسى لأسن } يدل على عدم صدور النسيان منه . وتعقب بما قاله الحافظ في الفتح : إن هذا الحديث لا أصل له ، فإنه من بلاغات التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد وأيضا هو أحد الأحاديث الأربعة التي تكلم عليها الموطأ . مالك
ومن أجوبتهم أيضا حديث إنكاره صلى الله عليه وسلم على من قال : { } وتعقب بأنه لا يلزم من ذم إضافة نسيان الآية ذم إضافة نسيان كل شيء ، فإن الفرق بينهما واضح [ ص: 132 ] جدا . ومن أجوبتهم أن قوله : " لم أنس " راجع إلى السلام : أي سلمت قصدا بانيا على ما في اعتقادي أني صليت أربعا . نسيت آية كذا وكذا ، وقال : بئسما أن يقول لأحدكم نسيت آية كذا وكذا
قال الحافظ : وهذا جيد ، وكأن ذا اليدين فهم العموم فقال : " بلى قد نسيت " والكلام في ذلك محله علم الكلام والأصول . وقد تكلم عياض في الشفاء بما يشفي فمن أراد البسط فليرجع إليه ، وهذا كله مبني على أن معنى السهو والنسيان واحد ، وأما من فرق بينهما فله أن يقول هذه الأدلة وإن دلت على أنه وقع النسيان منه صلى الله عليه وسلم فهي لا تستلزم وقوع السهو قوله : ( فصلى ما ترك ) فيه جواز ، وإلى ذلك ذهب الجمهور كما قال البناء على الصلاة خرج منها المصلي قبل ها ناسيا العراقي من غير فرق بين من سلم من ركعتين أو أكثر أو أقل .
وقال : إنما يبني من سلم من ركعتين كما في قصة سحنون ذي اليدين ، لأن ذلك وقع على غير القياس فيقتصر على مورد النص . وحديث عمران بن حصين الآتي يبطل ما زعمه من قصر الجواز على ركعتين على أنه يلزمه أن يقصر الجواز على إحدى صلاتي العشي ولا قائل به . وذهبت الهادوية إلى أنه لا يجوز البناء على الصلاة التي خرج منها بتسليمتين من غير فرق بين العمد والسهو .
وأجابوا عن حديث الباب بأن قصة ذي اليدين كانت قبل نسخ الكلام اعتمادا منهم على ما سلف عن الزهري ، وقد قدمنا أنه وهم ، على أنه قد روى البناء عمران بن حصين كما سيأتي ، وإسلامه متأخر . ورواه أيضا معاوية بن خديج كما تقدمت الإشارة إلى ذلك ، وإسلامه قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بشهرين ، ومع هذا فتحريم الكلام كان بمكة ، وقد حققنا ذلك في باب تحريم الكلام .
وفي حديث الباب دليل على أن ، وكذا كلام من ظن التمام ، وقد تقدم على ذلك في باب تحريم الكلام أيضا . الساهي لا يبطل الصلاة
وفيه أيضا دليل على أن لا تفسد الصلاة وقد تقدم البحث في ذلك قوله : ( ثم سلم ثم كبر وسجد ) فيه دليل لمن قال إن الأفعال الكثيرة التي ليست من جنس الصلاة إذا وقعت سهوا أو مع ظن التمام . سجود السهو بعد السلام
وقد اختلف أهل العلم في ذلك على ثمانية أقوال كما ذكر ذلك العراقي في شرح الترمذي : الأول : أن سجود السهو كله محله بعد السلام ، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة وهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص . وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعمران بن حصين وأنس بن مالك والمغيرة بن شعبة . وروى وأبو هريرة الترمذي عنه خلاف ذلك كما سيأتي .
وروي أيضا عن ابن عباس ومعاوية على خلاف في ذلك عنهم . ومن التابعين وعبد الله بن الزبير أبو سلمة بن عبد الرحمن والحسن البصري والنخعي وعمر بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن أبي ليلى والسائب القاري . وروى الترمذي عنه خلاف ذلك ، وهو قول الثوري وأصحابه . وأبي حنيفة
وحكى عن قولا له . ورواه الشافعي الترمذي عن أهل [ ص: 133 ] الكوفة ، وذهب إليه من أهل البيت الهادي والقاسم وزيد بن علي والمؤيد بالله .
واستدلوا بحديث الباب وبسائر الأحاديث التي ذكر فيها السجود بعد السلام . القول الثاني : أن سجود السهو كله قبل السلام ، وقد ذهب إلى ذلك من الصحابة . وروي أيضا عن أبو سعيد الخدري ابن عباس ومعاوية على خلاف في ذلك وبه قال وعبد الله بن الزبير الزهري ومكحول وابن أبي ذئب والأوزاعي الليث بن سعد في الجديد وأصحابه . والشافعي
ورواه الترمذي عن أكثر فقهاء المدينة وعن . واستدلوا على ذلك بالأحاديث التي ذكر فيها السجود قبل السلام وسيأتي بعضها . القول الثالث : التفرقة بين الزيادة والنقص ، فيسجد للزيادة بعد السلام وللنقص قبله ، وإلى ذلك ذهب أبي هريرة وأصحابه مالك والمزني ، وهو قول وأبو ثور ، وإليه ذهب للشافعي الصادق والناصر من أهل البيت .
قال : وبه يصح استعمال الخبرين جميعا . قال : واستعمال الأخبار عن وجهها أولى من ادعاء النسخ ، ومن جهة النظر الفرق بين الزيادة والنقصان بين في ذلك ، السجود في النقصان إصلاح وجبر ، ومحال أن يكون الإصلاح والجبر بعد الخروج من الصلاة . وأما السجود في الزيادة فإنما هو ترغيم للشيطان ، وذلك ينبغي أن يكون بعد الفراغ . ابن عبد البر
قال ابن العربي : أسعد قيلا وأهدى سبيلا انتهى . ويدل على هذه التفرقة ما رواه مالك من حديث الطبراني في آخر حديث لها ، وفيه قال : { عائشة } ولكن في إسناده من سها قبل التمام فليسجد سجدتي السهو قبل أن يسلم ، وإذا سها بعد التمام سجد سجدتي السهو بعد أن يسلم عيسى بن ميمون المدني المعروف بالواسطي ، وهو وإن وثقه فيه حماد بن سلمة ابن معين مرة : لا بأس به ، فقد قال فيه مرة : ليس بشيء ، وضعفه الجمهور . القول الرابع : أنه يستعمل كل حديث كما ورد وما لم يرد فيه شيء سجد قبل السلام ، وإلى ذلك ذهب كما حكاه أحمد بن حنبل الترمذي عنه ، وبه قال من أصحاب سليمان بن داود الهاشمي الشافعي . قال وأبو خيثمة ابن دقيق العيد : هذا المذهب مع مذهب متفقان في طلب الجمع وعدم سلوك طريق الترجيح لكنهما اختلفا في وجه الجمع . مالك
القول الخامس : إنه يستعمل كل حديث كما ورد وما لم يرد فيه شيء فما كان نقصا سجد له قبل السلام وما كان زيادة فبعد السلام ، وإلى ذلك ذهب كما حكاه عنه إسحاق بن راهويه الترمذي . القول السادس : أن الباني على الأقل في صلاته عند شكه يسجد قبل السلام على حديث الآتي ، والمتحري في الصلاة عند شكه يسجد بعد السلام على حديث أبي سعيد الآتي أيضا ، وإلى ذلك ذهب ابن مسعود أبو حاتم بن حبان .
قال : وقد يتوهم من لم يحكم صناعة الأخبار ولا تفقه في صحيح الآثار أن التحري في الصلاة والبناء على اليقين واحد وليس كذلك ، لأن التحري هو أن يشك المرء في [ ص: 134 ] صلاته فلا يدري ما صلى ، فإذا كان كذلك فعليه أن يتحرى الصواب وليبن على الأغلب عنده ويسجد سجدتي السهو بعد السلام على خبر ، والبناء على اليقين هو أن يشك في الثنتين والثلاث ، أو الثلاث والأربع ، فإذا كان كذلك فعليه أن يبني على اليقين وهو الأقل ، وليتم صلاته ثم يسجد سجدتي السهو قبل السلام على خبر ابن مسعود عبد الرحمن بن عوف وما اختاره من التفرقة بين التحري والبناء على اليقين قاله وأبي سعيد فيما ذكره أحمد بن حنبل في التمهيد . وقال ابن عبد البر الشافعي وداود إن التحري هو البناء على اليقين ، وحكاه وابن حزم النووي عن الجمهور .
القول السابع : أنه يتخير الساهي بين السجود قبل السلام وبعده ، سواء كان لزيادة أو نقص ، حكاه في المصنف عن ابن أبي شيبة عليه السلام ، وحكاه علي الرافعي قولا ، ورواه للشافعي المهدي في البحر عن الطبري . ودليلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه السجود قبل السلام وبعده ، فكان الكل سنة . القول الثامن : أن محله كله بعد السلام إلا في موضعين فإن الساهي فيهما مخير أحدهما : . من قام من ركعتين ولم يجلس ولم يتشهد
والثاني : أن لا يدري أصلى ركعة أم ثلاثا أم أربعا ، فيبني على الأقل ويخير في السجود ، وإلى ذلك ذهب الظاهر ، وبه قال . وروى ابن حزم النووي في شرح عن مسلم أنه قال : تستعمل الأحاديث في مواضعها كما جاءت . داود
قال القاضي عياض وجماعة من أصحاب : ولا خلاف بين هؤلاء المختلفين وغيرهم من العلماء أنه لو سجد قبل السلام أو بعده للزيادة أو للنقص أنه يجزئه ولا تفسد صلاته ، وإنما اختلافهم في الأفضل . قال الشافعي النووي : وأقوى المذاهب هنا مذهب ثم مالك . الشافعي
وقال في مذهب ابن حزم : إنه رأي لا برهان على صحته ، قال : وهو أيضا مخالف للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره بسجود السهو قبل السلام من شك فلم يدر كم صلى وهو سهو زيادة ، ثم قال : ليت شعري من أين لهم أن جبر الشيء لا يكون إلا فيه لا بائنا عنه ، وهم مجمعون على أن الهدي والصيام يكونان جبرا لما نقص من الحج وهما بعد الخروج عنه ، وأن عتق الرقبة أو الصدقة أو صيام الشهرين جبر لنقص وطء التعمد في نهار رمضان ، وفعل ذلك لا يجوز إلا بعد تمامه ا هـ . مالك
وأحسن ما يقال في المقام إنه يعمل على ما تقتضيه أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم من السجود قبل السلام وبعده ، فما كان من أسباب السجود مقيدا بقبل السلام سجد له قبله ، وما كان مقيدا ببعد السلام سجد له بعده ، وما لم يرد تقييده بأحدهما كان مخيرا بين السجود قبل السلام وبعده من غير فرق بين الزيادة والنقص لما أخرجه في صحيحه عنغ مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ابن مسعود } وجميع أسباب السجود لا تكون إلا زيادة أو نقصا أو مجموعهما ، وهذا ينبغي أن يعد مذهبا تاسعا ، [ ص: 135 ] لأن مذهب إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين وإن كان فيه أنه يعمل بمقتضي النصوص الواردة كما حكاه داود النووي فقد جزم بأن الخارج عنها يكون قبل السلام ، إن قال إنها تستعمل الأحاديث كما وردت فقد جزم أنه يسجد لما خرج عنها إن كان زيادة بعد السلام وإن كان نقصا فقبله كما سبق . وإسحاق بن راهويه
والقائلون بالتخيير لم يستعملوا النصوص كما وردت ولا شك أنه أفضل . ومحل الخلاف في الأفضل كما عرفت وإن كانت الهادوية تقول بفساد صلاة من سجد لسهوه قبل التسليم مطلقا ، لكن قولهم من كونه مخالفا لما صرحت به الأدلة مخالف للإجماع الذي حكاه عياض وغيره قوله : ( فربما سألوه ثم سلم ) يعني سألوا هل سلم النبي صلى الله عليه وسلم بعد سجدتي السهو ؟ فروي عن محمد بن سيرين عمران بن حصين أنه أخبر " أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم بعدهما " .
ولفظ أبي داود : فقيل لمحمد : سلم في السجود ؟ فقال : لم أحفظه من ، ولكن نبئت أن أبي هريرة عمران بن حصين قال : ثم سلم .
وفيه دليل على مشروعية وقد نقل بعض المتأخرين عن التسليم في السهو النووي أن الشافعية لا يثبتون التسليم ، وهو خلاف المشهور عن الشافعية والمعروف في كتبهم وخلاف ما صرح به النووي في شرح مسلم فإنه قال : والصحيح في مذهبنا أنه يسلم ولا يتشهد .
1017 - ( وعن عمران بن حصين { الخرباق ، وكان في يده طول ، فقال يا رسول الله ، فذكر له صنيعه ، فخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس فقال : أصدق هذا ؟ قالوا : نعم ، فصلى ركعة ثم سلم ، ثم سجد سجدتين ثم سلم } . رواه الجماعة إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات ، ثم دخل منزله وفي لفظ : فدخل الحجرة ، فقام إليه رجل يقال له : البخاري والترمذي ) . الكلام على فقه الحديث قد تقدم ، وقد تقدم أيضا الاختلاف بين أهل العلم : هل حديث عمران هذا وحديث المتقدم حكاية لقصة واحدة أو لقصتين مختلفتين ؟ والظاهر ما قاله أبي هريرة خزيمة ومن تبعه من التعدد ، دعوى الاتحاد تحتاج إلى تأويلات متعسفة كما سلف . وتقدم أيضا ضبط الخرباق وأنه اسم ذي اليدين .
وفي الباب عن عند ابن عباس البزار في الكبير { والطبراني ذو الشمالين } الحديث . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم العصر ثلاثا فدخل على بعض نسائه ، فدخل عليه رجل من أصحابه يقال له
1018 - ( وعن أن عطاء صلى المغرب فسلم في ركعتين ، فنهض ليستلم [ ص: 136 ] الحجر فسبح القوم ، فقال : ما شأنكم ؟ قال : فصلى ما بقي وسجد سجدتين ، قال : فذكر ذلك ابن الزبير فقال : ما أماط عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم . رواه لابن عباس ) . الحديث أخرجه أيضا أحمد البزار في الأوسط والكبير . قال في مجمع الزوائد : ورجال والطبراني رجال الصحيح قوله : ( ما أماط ) أوله همزة مفتوحة وآخره مهملة . قال في القاموس : ماط يميط ميطا : جار وزجر وعني ميطانا وميطا : تنحى وبعد ، ونحى وأبعد كأماط فيهما ا هـ . والمراد هنا أن أحمد ما بعد ولا تنحى عن السنة ، أو ما أبعد ولا نحى غيره عنها بما فعله ، لما تقدم من ثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم ، والخلاف في جواز البناء قد مر . من ابن الزبير