الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فمن يرد الله أن يهديه قال مقاتل: نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي جهل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يشرح صدره قال ابن الأعرابي: الشرح: الفتح . قال ابن قتيبة: ومنه يقال: شرحت لك الأمر ، وشرحت اللحم: إذا فتحته . وقال: ابن عباس: (يشرح صدره) أي: يوسع قلبه للتوحيد والإيمان . وقد روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ، فقيل له: يا رسول الله ، وما هذا الشرح؟ قال: "نور يقذفه الله في القلب ، فينفتح القلب" قالوا: فهل لذلك من أمارة؟ قال: "نعم" قيل: وما هي؟ [ ص: 120 ] قال: "الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزوله"

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ضيقا قرأ الأكثرون بالتشديد . وقرأ ابن كثير: "ضيقا" ، وفى[الفرقان:13]: مكانا ضيقا بتسكين الياء خفيفة . قال أبو علي: الضيق ، والضيق: مثل الميت ، والميت .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: حرجا قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: (حرجا) بفتح الراء . وقرأ نافع ، وأبو بكر عن عاصم: بكسر الراء . قال الفراء: وهما لغتان . وكذلك قال يونس بن حبيب النحوي: هما لغتان ، إلا أن الفتح أكثر من ألسنة العرب من الكسر ، ومجراهما مجرى الدنف والدنف . وقال الزجاج : الحرج في اللغة: أضيق الضيق .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ( كأنما يصاعد ) قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: "يصعد" بتشديد الصاد والعين وفتح الصاد من غير ألف . وقرأ أبو بكر عن عاصم: "يصاعد" بتشديد الصاد وبعدها ألف . وقرأ ابن كثير: "يصعد" بتخفيف الصاد والعين من غير ألف والصاد ساكنة . وقرأ ابن مسعود ، وطلحة: "تصعد" بتاء من غير ألف . وقرأ أبي بن كعب: "يتصاعد" بألف وتاء . قال الزجاج : قوله: ( كأنما يصاعد في السماء ) و"يصعد" أصله: "يتصاعد" ، "ويتصعد" إلا أن التاء تدغم في الصاد [ ص: 121 ] لقربها منها ، والمعنى: كأنه قد كلف أن يصعد إلى السماء إذا دعي إلى الإسلام من ضيق صدره عنه . ويجوز أن يكون المعنى: كأن قلبه يصعد في السماء نبوا عن الإسلام والحكمة . وقال الفراء: ضاق عليه المذهب ، فلم يجد إلا أن يصعد في السماء ، وليس يقدر على ذلك . وقال أبو علي: "يصعد" و"يصاعد": من المشقة ، وصعوبة الشيء ، ومنه قول عمر: ما تصعدني شيء كما تصعدتني خطبة النكاح ، أي: ما شق علي شيء مشقتها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: كذلك أي: مثل ما قصصنا عليك . يجعل الله الرجس وفيه خمسة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه الشيطان ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . يعني: أن الله يسلطه عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه المأتم ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنه ما لا خير فيه قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: أنه العذاب ، قاله عطاء ، وابن زيد ، وأبو عبيدة .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: أنه اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة ، قاله الزجاج : وهذه الآية تقطع كلام القدرية ، إذ قد صرحت بأن الهداية والإضلال متعلقة بإرادة الله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية