الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ذكر البيان بأن المرء إذا دعا الله جل وعلا بنية صحيحة وعمل مخلص قد يستجاب له دعاؤه وإن كان الشيء المسؤول معجزة

                                                                                                                          873 - أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا هدبة بن خالد حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان ملك فيمن [ ص: 155 ] كان قبلكم له ساحر ، فلما كبر قال للملك : إني قد كبرت ، فابعث إلي غلاما أعلمه السحر ، فبعث له غلاما يعلمه ، فكان في طريقه إذا سلك ، راهب ، فقعد إليه وسمع كلامه وأعجبه ، فكان إذا أتى الساحر ضربه ، وإذا رجع من عند الساحر قعد إلى الراهب وسمع كلامه ، فإذا أتى أهله ضربوه ، فشكا ذلك إلى الراهب ، فقال له : إذا خشيت الساحر فقل : حبسني أهلي ، وإذا خشيت أهلك فقل : حبسني الساحر . فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس ، فقال : اليوم أعلم : الراهب أفضل أم الساحر ؟

                                                                                                                          فأخذ حجرا ثم قال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس ، فرماها فقتلها ، ومضى الناس ، فأتى الراهب فأخبره ، فقال له الراهب : أي بني ، أنت اليوم أفضل مني ، وإنك ستبتلى ، فإن ابتليت فلا تدل علي . فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ، ويداوي سائر الأدواء . فسمع جليس للملك ، كان قد عمي ، فأتى الغلام بهدايا كثيرة ، فقال : ما هاهنا لك أجمع ، إن أنت شفيتني ، قال : إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله ، فإن آمنت [ ص: 156 ] بالله دعوت الله فشفاك ، فآمن بالله فشفاه الله . فأتى الملك يمشي يجلس إليه كما كان يجلس ، فقال الملك : فلان ‍من رد عليك بصرك ؟ قال : ربي ، قال : ولك رب غيري ؟ قال : ربي وربك واحد . فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام . فجيء بالغلام ، فقال له الملك : أي بني ، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل ؟ قال : إني لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله . فأخذه ، فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب ، فجيء بالراهب ، فقيل له : ارجع عن دينك ، فأبى ، فدعا بالمنشار ، فوضع المنشار في مفرق رأسه ، فشق به حتى وقع شقاه . ثم جيء بجليس الملك ، فقيل : ارجع عن دينك ، فأبى ، فوضع المنشار في مفرق رأسه ، فشقه به حتى وقع شقاه . ثم جيء بالغلام فقيل له : ارجع عن دينك فأبى ، فدفعه إلى نفر من أصحابه ، فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا ، فاصعدوا به الجبل ، فإذا بلغتم ذروته ، فإن رجع عن دينه ، وإلا فاطرحوه . فذهبوا به فصعدوا به الجبل ، فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت . فرجف بهم الجبل ، فسقطوا ، وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ؟ قال كفانيهم الله . فدفعه إلى قوم من أصحابه ، فقال : اذهبوا به ، فاحملوه في قرقور ، فوسطوا به [ ص: 157 ] البحر ، فلججوا به ، فإن رجع عن دينه ، وإلا فاقذفوه ، فذهبوا به ، فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت . فانكفأت بهم السفينة ، وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ؟ قال : كفانيهم الله ، فقال للملك : وإنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به ، قال : وما هو ؟ قال : تجمع الناس في صعيد واحد ، وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهما من كنانتك ، ثم ضع السهم في كبد القوس ، ثم قل : باسم الله رب الغلام ، ثم ارمني ، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني . فجمع الناس في صعيد واحد ، ثم صلبه على جذع ، ثم أخذ سهما من كنانته ، ثم وضع السهم في كبد قوسه ، ثم قال : باسم الله رب الغلام ، ثم رماه ، فوقع السهم في صدغه ، فوضع يده في موضع السهم فمات ، فقال الناس : آمنا برب الغلام ، آمنا برب الغلام – ثلاثا - فأتي الملك ، فقيل له : أرأيت ما كنت تحذر ، قد والله نزل بك حذرك ، قد آمن الناس . فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت ، وأضرم النيران وقال : من لم يرجع عن دينه فأحموه ، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها ، فتقاعست أن تقع فيها ، فقال لها الغلام : يا أمه اصبري ، فإنك على الحق
                                                                                                                          .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          الخدمات العلمية