nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161nindex.php?page=treesubj&link=28977_29255_28666قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين
استئناف ابتدائي للانتقال من مجادلة المشركين ، وما تخللها ، إلى فذلكة ما أمر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشأن ، غلقا لباب المجادلة مع المعرضين ، وإعلانا بأنه قد تقلد لنفسه ما كان يجادلهم فيه ليتقلدوه وأنه ثابت على ما جاءهم به ، وأن إعراضهم لا يزلزله عن الحق .
وفيه إيذان بانتهاء السورة لأن الواعظ والمناظر إذا ما أشبع الكلام في غرضه ، ثم أخذ يبين ما رضيه لنفسه وما قر عليه قراره ، علم السامع أنه قد أخذ يطوي سجل المحاجة ، ولذلك غير الأسلوب . فأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن يقول أشياء يعلن بها أصول دينه ، وتكرر الأمر بالقول ثلاث مرات تنويها بالمقول .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161إنني هداني ربي متصل بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه الذي بينه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=155وهذا كتاب أنزلناه مبارك فزاده بيانا بقوله هذا قل
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ، ليبين أن هذا الدين إنما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهدي
[ ص: 198 ] من الله ، وأنه جعله دينا قيما على قواعد ملة
إبراهيم عليه السلام ، إلا أنه زائد بما تضمنه من نعمة الله عليه إذ هداه إلى ذلك الصراط الذي هو سبيل النجاة .
وافتتح الخبر بحرف التأكيد لأن الخطاب للمشركين المكذبين .
وتعريف المسند إليه بالإضافة للاعتزاز بمربوبية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لله تعالى ، وتعريضا بالمشركين الذين أضلهم أربابهم ، ولو وحدوا الرب الحقيق بالعبادة لهداهم .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161هداني ربي إلى صراط مستقيم تمثيلية : شبهت هيئة الإرشاد إلى الحق المبلغ بالنجاة بهيئة من يدل السائر على الطريق المبلغة للمقصود .
والمناسبة بين الهداية وبين الصراط تامة ، لأن حقيقة الهداية التعرف بالطريق ، يقال : هو هاد خريت ، وحقيقة الصراط الطريق الواسعة . وقد صح أن تستعار الهداية للإرشاد والتعليم ، والصراط للدين القويم ، فكان تشبيها مركبا قابلا للتفكيك وهو أكمل أحوال التمثيلية .
ووصف الصراط بالمستقيم ، أي الذي لا خطأ فيه ولا فساد ، وقد تقدم عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ، والمقصود إتمام هيئة التشبيه بأنه دين لا يتطرق متبعه شك في نفعه كما لا يتردد سالك الطريق الواسعة التي لا انعطاف فيها ولا يتحير في أمره .
وفي قوله : دينا تجريد للاستعارة مؤذن بالمشبه ، وانتصب على الحال من : " صراط " لأنه نكرة موصوفة .
والدين تقدم عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=19إن الدين عند الله الإسلام وهو السيرة التي يتبعها الناس .
[ ص: 199 ] والقيم بفتح القاف وتشديد الياء كما قرأه
نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر ، ويعقوب : وصف مبالغة قائم بمعنى معتدل غير معوج ، وإطلاق القيام على الاعتدال والاستقامة مجاز ، لأن المرء إذا قام اعتدلت قامته ، فيلزم الاعتدال القيام . والأحسن أن نجعل القيم للمبالغة في الأمر ، وهو مرادف القيوم ، فيستعار القيام للكفاية بما يحتاج إليه والوفاء بما فيه صلاح المقوم عليه ، فالإسلام قيم بالأمة وحاجتها ، يقال : فلان قيم على كذا ، بمعنى مدبر له ومصلح ، ومنه وصف الله تعالى بالقيوم ، وهذا أحسن لأن فيه زيادة على مفاد مستقيم الذي أخذ جزءا من التمثيلية ، فلا تكون إعادة لبعض التشبيه .
وقرأ
عاصم ، وحمزة ، وابن عامر ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وخلف : " قيما " بكسر القاف وفتح الياء مخففة وهو من صيغ مصادر قام ، فهو وصف للدين بمصدر القيام المقصود به كفاية المصلحة للمبالغة ، وهذه زنة قليلة في المصادر ، وقلب واوه ياء بعد الكسرة على غير الغالب ، لأن الغالب فيه تصحيح لامه لأنها مفتوحة ، فسواء في خفتها وقوعها على الواو أو على الياء ، مثل عوض وحول ، وهذا كشذوذ جياد جمع جواد ، وانتصب " قيما " على الوصف لـ " دينا " وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161ملة إبراهيم حال من : دينا أو من : صراط مستقيم أو عطف بيان من : دينا . الملة ، الدين : مرادفة الدين ، فالتعبير بها هنا للتفنن ألا ترى إلى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=132ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين .
و " ملة " فعلة بمعنى المفعول ، أي المملول ، من أمللت الكتاب إذا لقنت الكاتب ما يكتب ، وكان حقها أن لا تقترن بهاء التأنيث لأن زنة فعل بمعنى المفعول تلزم التذكير ، كالذبح ، إلا أنهم
[ ص: 200 ] قرنوها بهاء التأنيث لما صيروها اسما للدين ، ولذلك قال
الراغب : الملة كالدين ، ثم قال : والفرق بينها وبين الدين أن الملة لا تضاف إلا إلى النبيء الذي تسند إليه نحو ملة
إبراهيم ، ملة آبائي ، ولا توجد مضافة إلى الله ولا إلى الأمة ، ولا تستعمل إلا في جملة الشريعة دون آحادها لا يقال الصلاة ملة الله ، أي ويقال : الصلاة دين الله ذلك أنه يراعى في لفظ الملة أنها مملولة من الله فهي تضاف للذي أملت عليه .
ومعنى كون الإسلام ملة
إبراهيم : أنه جاء بالأصول التي هي شريعة
إبراهيم وهي : التوحيد ، ومسايرة الفطرة ، والشكر ، والسماحة ، وإعلان الحق ، وقد بينت ذلك عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=67ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما في سورة آل عمران .
والحنيف : المجانب للباطل ، فهو بمعنى المهتدي ، وقد تقدم عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=135قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين في سورة البقرة . وهو منصوب على الحال .
وجملة "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161وما كان من المشركين " عطف على الحال من
إبراهيم عليه السلام المضاف إليه ، لأن المضاف هنا كالجزاء من المضاف إليه ، وقد تقدم في آية سورة البقرة .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161nindex.php?page=treesubj&link=28977_29255_28666قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قَيِّمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِلِانْتِقَالِ مِنْ مُجَادَلَةِ الْمُشْرِكِينَ ، وَمَا تَخَلَّلَهَا ، إِلَى فَذْلَكَةِ مَا أُمِرَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الشَّأْنِ ، غَلْقًا لِبَابِ الْمُجَادَلَةِ مَعَ الْمُعْرِضِينَ ، وَإِعْلَانًا بِأَنَّهُ قَدْ تَقَلَّدَ لِنَفْسِهِ مَا كَانَ يُجَادِلُهُمْ فِيهِ لِيَتَقَلَّدُوهُ وَأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَى مَا جَاءَهُمْ بِهِ ، وَأَنَّ إِعْرَاضَهُمْ لَا يُزَلْزِلُهُ عَنِ الْحَقِّ .
وَفِيهِ إِيذَانٌ بِانْتِهَاءِ السُّورَةِ لِأَنَّ الْوَاعِظَ وَالْمُنَاظِرَ إِذَا مَا أَشْبَعَ الْكَلَامَ فِي غَرَضِهِ ، ثُمَّ أَخَذَ يُبَيِّنُ مَا رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ وَمَا قَرَّ عَلَيْهِ قَرَارُهُ ، عَلِمَ السَّامِعُ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ يَطْوِي سِجِلَّ الْمُحَاجَّةِ ، وَلِذَلِكَ غَيَّرَ الْأُسْلُوبَ . فَأَمَرَ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَقُولَ أَشْيَاءَ يُعْلِنُ بِهَا أُصُولَ دِينِهِ ، وَتَكَرَّرَ الْأَمْرُ بِالْقَوْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَنْوِيهًا بِالْمَقُولِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ الَّذِي بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=155وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَزَادَهُ بَيَانًا بِقَوْلِهِ هَذَا قُلْ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، لِيُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا الدِّينَ إِنَّمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَدْيٍ
[ ص: 198 ] مِنَ اللَّهِ ، وَأَنَّهُ جَعَلَهُ دِينًا قَيِّمًا عَلَى قَوَاعِدِ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، إِلَّا أَنَّهُ زَائِدٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ إِذْ هَدَاهُ إِلَى ذَلِكَ الصِّرَاطِ الَّذِي هُوَ سَبِيلُ النَّجَاةِ .
وَافْتُتِحَ الْخَبَرُ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ .
وَتَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ لِلِاعْتِزَازِ بِمَرْبُوبِيَّةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّهِ تَعَالَى ، وَتَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَضَلَّهُمْ أَرْبَابُهُمْ ، وَلَوْ وَحَّدُوا الرَّبَّ الْحَقِيقَ بِالْعِبَادَةِ لَهَدَاهُمْ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161هَدَانِي رَبِّيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ تَمْثِيلِيَّةٌ : شَبَّهَتْ هَيْئَةَ الْإِرْشَادِ إِلَى الْحَقِّ الْمُبَلَّغِ بِالنَّجَاةِ بِهَيْئَةِ مَنْ يَدُلُّ السَّائِرَ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُبَلِّغَةِ لِلْمَقْصُودِ .
وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْهِدَايَةِ وَبَيْنَ الصِّرَاطِ تَامَّةٌ ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْهِدَايَةِ التَّعَرُّفُ بِالطَّرِيقِ ، يُقَالُ : هُوَ هَادٍ خِرِّيتٌ ، وَحَقِيقَةُ الصِّرَاطِ الطَّرِيقُ الْوَاسِعَةُ . وَقَدْ صَحَّ أَنْ تُسْتَعَارَ الْهِدَايَةُ لِلْإِرْشَادِ وَالتَّعْلِيمِ ، وَالصِّرَاطُ لِلدِّينِ الْقَوِيمِ ، فَكَانَ تَشْبِيهًا مُرَكَّبًا قَابِلًا لِلتَّفْكِيكِ وَهُوَ أَكْمَلُ أَحْوَالِ التَّمْثِيلِيَّةِ .
وَوُصِفَ الصِّرَاطُ بِالْمُسْتَقِيمِ ، أَيِ الَّذِي لَا خَطَأَ فِيهِ وَلَا فَسَادَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ، وَالْمَقْصُودُ إِتْمَامُ هَيْئَةِ التَّشْبِيهِ بِأَنَّهُ دِينٌ لَا يَتَطَرَّقُ مُتَّبِعَهُ شَكٌّ فِي نَفْعِهِ كَمَا لَا يَتَرَدَّدُ سَالِكُ الطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ الَّتِي لَا انْعِطَافَ فِيهَا وَلَا يَتَحَيَّرُ فِي أَمْرِهِ .
وَفِي قَوْلِهِ : دِينًا تَجْرِيدٌ لِلِاسْتِعَارَةِ مُؤْذِنٌ بِالْمُشَبَّهِ ، وَانْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ : " صِّرَاطَ " لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ .
وَالدِّينُ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=19إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَهُوَ السِّيرَةُ الَّتِي يَتَّبِعُهَا النَّاسُ .
[ ص: 199 ] وَالْقَيِّمُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ كَمَا قَرَأَهُ
نَافِعٌ ، وَابْنُ كَثِيرٍ ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَأَبُو جَعْفَرٍ ، وَيَعْقُوبُ : وَصْفُ مُبَالَغَةٍ قَائِمٌ بِمَعْنَى مُعْتَدِلٍ غَيْرِ مُعْوَجٍّ ، وَإِطْلَاقُ الْقِيَامِ عَلَى الِاعْتِدَالِ وَالِاسْتِقَامَةِ مَجَازٌ ، لِأَنَّ الْمَرْءَ إِذَا قَامَ اعْتَدَلَتْ قَامَتُهُ ، فَيَلْزَمُ الِاعْتِدَالُ الْقِيَامَ . وَالْأَحْسَنُ أَنْ نَجْعَلَ الْقَيِّمَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْأَمْرِ ، وَهُوَ مُرَادِفُ الْقَيُّومِ ، فَيُسْتَعَارُ الْقِيَامُ لِلْكِفَايَةِ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَالْوَفَاءُ بِمَا فِيهِ صَلَاحُ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ ، فَالْإِسْلَامُ قَيِّمٌ بِالْأُمَّةِ وَحَاجَتِهَا ، يُقَالُ : فُلَانٌ قَيِّمٌ عَلَى كَذَا ، بِمَعْنَى مُدَبِّرٌ لَهُ وَمُصْلِحٌ ، وَمِنْهُ وُصِفَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقَيُّومِ ، وَهَذَا أَحْسَنُ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مُفَادِ مُسْتَقِيمٍ الَّذِي أَخَذَ جُزْءًا مِنَ التَّمْثِيلِيَّةِ ، فَلَا تَكُونُ إِعَادَةً لِبَعْضِ التَّشْبِيهِ .
وَقَرَأَ
عَاصِمٌ ، وَحَمْزَةُ ، وَابْنُ عَامِرٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، وَخَلَفٌ : " قِيَمًا " بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْيَاءِ مُخَفَّفَةً وَهُوَ مِنْ صِيَغِ مَصَادِرِ قَامَ ، فَهُوَ وَصْفٌ لِلدِّينِ بِمَصْدَرِ الْقِيَامِ الْمَقْصُودِ بِهِ كِفَايَةُ الْمَصْلَحَةِ لِلْمُبَالَغَةِ ، وَهَذِهِ زِنَةٌ قَلِيلَةٌ فِي الْمَصَادِرِ ، وَقَلْبُ وَاوِهِ يَاءً بَعْدَ الْكَسْرَةِ عَلَى غَيْرِ الْغَالِبِ ، لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ تَصْحِيحُ لَامِهِ لِأَنَّهَا مَفْتُوحَةٌ ، فَسَوَاءٌ فِي خِفَّتِهَا وُقُوعُهَا عَلَى الْوَاوِ أَوْ عَلَى الْيَاءِ ، مِثْلَ عِوَضٍ وَحِوَلٍ ، وَهَذَا كَشُذُوذِ جِيَادٍ جَمْعِ جَوَادٍ ، وَانْتَصَبَ " قَيِّمًا " عَلَى الْوَصْفِ لِـ " دِينًا " وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَالٌ مِنْ : دِينًا أَوْ مِنْ : صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ مِنْ : دِينًا . الْمِلَّةُ ، الدِّينُ : مُرَادِفَةُ الدِّينِ ، فَالتَّعْبِيرُ بِهَا هُنَا لِلتَّفَنُّنِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=132وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ .
وَ " مِلَّةَ " فِعْلَةٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ ، أَيِ الْمَمْلُولِ ، مِنْ أَمْلَلْتُ الْكِتَابَ إِذَا لَقَّنْتُ الْكَاتِبَ مَا يَكْتُبُ ، وَكَانَ حَقُّهَا أَنْ لَا تَقْتَرِنَ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ لِأَنَّ زِنَةَ فِعْلٍ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ تَلْزَمُ التَّذْكِيرَ ، كَالذَّبْحِ ، إِلَّا أَنَّهُمْ
[ ص: 200 ] قَرَنُوهَا بَهَاءِ التَّأْنِيثِ لَمَّا صَيَّرُوهَا اسْمًا لِلدِّينِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ
الرَّاغِبُ : الْمِلَّةُ كَالدِّينِ ، ثُمَّ قَالَ : وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدِّينِ أَنَّ الْمِلَّةَ لَا تُضَافُ إِلَّا إِلَى النَّبِيءِ الَّذِي تُسْنَدُ إِلَيْهِ نَحْوَ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ ، مِلَّةِ آبَائِي ، وَلَا تُوجَدُ مُضَافَةً إِلَى اللَّهِ وَلَا إِلَى الْأُمَّةِ ، وَلَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي جُمْلَةِ الشَّرِيعَةِ دُونَ آحَادِهَا لَا يُقَالُ الصَّلَاةُ مِلَّةُ اللَّهِ ، أَيْ وَيُقَالُ : الصَّلَاةُ دِينُ اللَّهِ ذَلِكَ أَنَّهُ يُرَاعَى فِي لَفْظِ الْمِلَّةِ أَنَّهَا مَمْلُولَةٌ مِنَ اللَّهِ فَهِيَ تُضَافُ لِلَّذِي أُمِلَّتْ عَلَيْهِ .
وَمَعْنَى كَوْنِ الْإِسْلَامِ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ : أَنَّهُ جَاءَ بِالْأُصُولِ الَّتِي هِيَ شَرِيعَةُ
إِبْرَاهِيمَ وَهِيَ : التَّوْحِيدُ ، وَمُسَايَرَةُ الْفِطْرَةِ ، وَالشُّكْرُ ، وَالسَّمَاحَةُ ، وَإِعْلَانُ الْحَقِّ ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=67مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .
وَالْحَنِيفُ : الْمُجَانِبُ لِلْبَاطِلِ ، فَهُوَ بِمَعْنَى الْمُهْتَدِي ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=135قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ .
وَجُمْلَةُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " عَطْفٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ ، لِأَنَّ الْمُضَافَ هُنَا كَالْجَزَاءِ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ .