الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا قال سعيد بن جبير: وجد الخضر غلمانا يلعبون فأخذ غلاما ظريفا فأضجعه وذبحه ، وقيل كان الغلام سداسيا وقيل أنه أراد بالسداسي ابن ست عشرة سنة ، وقيل بل أراد أن طوله ستة أشبار ، قاله الكلبي: وكان الغلام لصا يقطع الطريق بين قرية أبيه وقرية أمه فينصره أهل القريتين ويمنعون منه. قال قتادة: فرح به أبواه حين ولد ، وحزنا عليه حين قتل ، ولو بقي كان فيه هلاكهما. قيل كان اسم الغلام جيسور. قال مقاتل وكان اسم أبيه كازير ، واسم أمه سهوى. فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فيه ثلاثة أوجه: أحدهما: علم الخضر أن الغلام يرهق أبويه طغيانا وكفرا لأن الغلام كان كافرا

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 334 ] قال قتادة: وفي قراءة أبي وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين فعبر عن العلم بالخشية.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: معناه فخاف ربك أن يرهق الغلام أبويه طغيانا وكفرا ، فعبر عن الخوف بالخشية قال مقاتل: في قراءة أبي فخاف ربك والخوف ها هنا استعارة لانتفائه عن الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: وكره الخضر أن يرهق الغلام أبويه بطغيانه وكفره إثما وظلما فصار في الخشية ها هنا ثلاثة أوجه: أحدها: أنها العلم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنها الخوف.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: الكراهة. وفي يرهقهما وجهان: أحدهما: يكفلهما ، قاله ابن زيد.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: يحملهما على الرهق وهو الجهد. فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة فيه ثلاثة أوجه: أحدها: خيرا منه إسلاما، قاله ابن جريج.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: خيرا منه علما، قاله مقاتل.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: خيرا منه ولدا. وكانت أمه حبلى فولدت، وفي الذي ولدته قولان: أحدهما: ولدت غلاما صالحا مسلما، قاله ابن جريج.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 335 ] الثاني: ولدت جارية تزوجها نبي فولدت نبيا هدى الله على يديه أمة من الأمم. وأقرب رحما فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يعني أكثر برا بوالديه من المقتول ، قاله قتادة ، وجعل الرحم البر ، ومنه قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        طريد تلافاه يزيد برحمة فلم يلف من نعمائه يتعذر



                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أعجل نفعا وتعطفا ، قال أبو يونس النحوي : وجعل الرحم المنفعة والتعطف ، ومنه قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        وكيف بظلم جارية     ومنها اللين والرحم



                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أقرب أن يرحما به ، والرحم الرحمة ، قاله أبو عمرو بن العلاء ، ومنه قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        أحنى وأرحم من أم بواحدها     رحما وأشجع من ذي لبدة ضاري



                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية