الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 2902 ] سنة الله في الأمم

                                                          وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين

                                                          بعد أن قص الله - سبحانه وتعالى - قصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب - أخذ يبين - سبحانه وتعالى - سنته في الناس، ومعاملتهم لأنبياء الله، [ ص: 2903 ] وكيف يختبرهم بالشر والخير فتنة، وذكر هذه السنة سبحانه ليعتبروا بالقصص، ويروا ما يصلح حالهم، وما يحملهم على السير في طريق الخير، وليعلموا أن الله تعالى يختبر بالنعمة، ويعاقب من لا يشكر، وليروا بأعينهم سنة الله تعالى في الظالمين، وما ينزله من عقاب دنيوي يحل بديارهم فوق العقاب الأخروي الذي يستقبلهم، فقال: وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون

                                                          هذا بيان الله تعالى للأمة من الأمم إذا بعث فيها نبيها الذي يدعوها إلى الإيمان بالله تعالى وحده، ويدعوها إلى الخير الذي يصلحون به في الدنيا والآخرة، ويقدمون على الله يوم القيامة بالعمل الصالح، فيجزيهم جزاءه وفقا لما قدموا، فيقول تعالى: وما أرسلنا في قرية أي في مجتمع أمة من الأمم من نبي من هنا بيانية، والمعنى: وما أرسلنا في مجتمع كبير - فالقرية المجتمع الكبير الذي يقرى إليه الناس - إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء أي أن الله تعالى لا يرسل نبيا مؤيدا بالمعجزات إلا يوطن النفوس به - عليه السلام - ببيان قدرة الله تعالى، فيأخذها بالبأساء وهي شدائد الفقر والحرمان والتعرض للطغيان من الحكام، والضراء وهي ما يصيب الأبدان من مرض شديد مختلف الأنواع، لا قبل لهم به، وإذا مسهم الضر دعوا الله تعالى وضرعوا إليه، كما نزل بأهل مكة عند مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الكون الإنساني.

                                                          وأخذ الله تعالى للقرى التي بعث فيها النبي بذلك; لأن الشدة تولد في قلب من عنده استعداد للإيمان الاتجاه إلى طلب النجاة، فتخضع النفس للحق إذا دعيت إليه، فإنه حيث الضعف أو الشعور به تنبع منابع الإيمان، وتتجه النفوس إلى الديان، وإن الله تعالى يختبرهم بذلك رجاء أن يضرعوا ويخضعوا، ويذلوا له - سبحانه وتعالى - وحده، فإنه وحده الخالق لكل شيء، الذي يلجأ إليه عند هذه الشدائد.

                                                          [ ص: 2904 ] ولذا قال تعالى: لعلهم يضرعون أي ليرجوا الضراعة والخشوع لله تعالى، وحيث كانت الضراعة كان انفتاح القلب للإيمان؛ لأن الضراعة أعظم العبادة، كما قال تعالى: ادعوا ربكم تضرعا وخفية

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية