الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [135] قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون

                                                                                                                                                                                                                                      قل يا قوم اعملوا على مكانتكم أي: على غاية تمكنكم واستطاعتكم. يقال: مكن مكانة، إذا تمكن أبلغ التمكن. أو على جهتكم وحالتكم، من قولهم: مكان ومكانة، كمقام ومقامة. والمعنى: اثبتوا على كفركم إني عامل أي: ما أمرت به من الثبات على الإسلام فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار أي: التي بنيت لعبادته [ ص: 2512 ] تعالى وحده، دون غيرهم، - هل تكون للعدل الذي يضع العبادة في موضعها، أو للظالم بوضعها في غير موضعها. والمراد بالدار، الدنيا. وبالعاقبة، العاقبة الحسنى. أي: عاقبة الخير؛ لأنها الأصل، فإنه تعالى جعل الدنيا مزرعة الآخرة، وقنطرة المجاز إليها.

                                                                                                                                                                                                                                      إنه لا يفلح الظالمون أي: الكافرون. ووضع الظلم موضع الكفر، إيذانا بأن امتناع الفلاح يترتب على أي فرد كان من أفراد الظلم، فما ظنك بالكفر الذي هو أعظم أفراده؟

                                                                                                                                                                                                                                      لطائف:

                                                                                                                                                                                                                                      في إيراد التهديد بصيغة الأمر، أعني قوله: اعملوا على مكانتكم مبالغة في الوعيد، كأن المهدد يريد تعذيبه، مجمعا عليه، فيحمله بالأمر على ما يؤدي إليه. وتسجيل بأن المهدد لا يتأتى منه إلا الشر، كالمأمور به الذي لا يقدر أن يتقصى عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله تعالى: فسوف تعلمون مع الإنذار، إنصاف في المقال، وحسن الأدب، حيث لم يقل: (العاقبة لنا) وفوض الأمر إلى الله. وهذا من الكلام المنصف، كقوله تعالى: وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين

                                                                                                                                                                                                                                      وفيه تنبيه على وثوق المنذر بأنه محق.

                                                                                                                                                                                                                                      وفيه تبشير بأن العاقبة له.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كثير: وقد أنجز الله موعوده لرسوله صلوات الله عليه، فمكن له في البلاد، وحكمه في نواصي مخالفيه من العباد، وفتح له مكة، وأظهره على من كذبه من قومه وعاداه وناوأه، واستقر أمره على سائر جزيرة العرب، وكذلك اليمن والبحرين، وكل ذلك في حياته. ثم فتحت الأمصار والأقاليم والرساتيق بعد وفاته، في أيام خلفائه رضي الله عنهم أجمعين. كما [ ص: 2513 ] قال تعالى: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز وقال: إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار وقال تعالى: فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد وقال تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا وقد فعل تعالى ذلك بهذه الأمة، وله الحمد والمنة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية