الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          [ ص: 408 ] 3559 - (بخ) : عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي ، أبو الوليد المدني ، ثم الدمشقي أمير المؤمنين ، بويع له بالخلافة بعد أبيه مروان بن الحكم بعهد منه .

                                                                          روى عن : جابر بن عبد الله ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وأبي بحرية عبد الله بن قيس ، وعثمان بن عفان ، وأبيه مروان بن الحكم ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وابنه يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة ، وبريرة مولاة عائشة ، وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                          [ ص: 409 ] روى عنه : إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر ، وثعلبة بن أبي مالك القرظي ، وحريز بن عثمان ، وخالد بن معدان ، وربيعة بن يزيد ، ورجاء بن حيوة ، وزيد بن واقد ، وعروة بن الزبير ، وعلي بن رباح اللخمي ، وعمر بن سلام قوله ، وعمرو بن الحارث الفهمي ، وابنه محمد بن عبد الملك بن مروان ، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، ويوسف بن الزبير الأسدي ، ويونس بن ميسرة بن حلبس .

                                                                          قال أبو بكر بن أبي خيثمة ، عن مصعب بن عبد الله الزبيري : أول من سمي في الإسلام عبد الملك عبد الملك بن مروان بن الحكم ، وروي عن محمد بن سيرين أن مروان بن الحكم سمى ابنه القاسم ، وكان يكنى به ، فلما بلغه النهي حول اسمه عبد الملك .

                                                                          وقال الزبير بن بكار : فولد مروان بن الحكم أحد عشر رجلا ونسوة ، عبد الملك ولي الخلافة ، ومعاوية وأم عمرو تزوجها الوليد بن عثمان بن عفان ، وأمهم عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص .

                                                                          وذكر بقيتهم ، وذكره محمد بن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة ، وقال : كان عابدا ناسكا قبل الخلافة ، وشهد يوم الدار مع أبيه ، وهو ابن عشر سنين ، وحفظ أمرهم وحديثهم ، واستعمله معاوية على أهل المدينة ، وهو يومئذ ابن ست عشرة سنة فركب بالناس البحر ، وكان قد جالس العلماء والفقهاء وحفظ عنهم ، وكان قليل الحديث .

                                                                          [ ص: 410 ] وذكره ابن سميع في الطبقة الثالثة .

                                                                          وقال محمد بن أبي السري العسقلاني : كان ربعة إلى الطول أقرب منه إلى القصر أبيض ليس بالنحيف ولا البادن ، ولم يخضب إلى أن مات ، وكانت أسنانه مشبكة بالذهب ، أفوه مفتوح الفم ، مقرون الحاجبين كبير العينين ، مشرف الأنف ، دقيق الوجه ، حسن الجسم .

                                                                          وقال غيره : خضب ثم ترك .

                                                                          وقال رجاء بن أبي سلمة ، عن عبادة بن نسي : قيل لابن عمر : إنكم معشر أشياخ قريش يوشك أن ينقرضوا ، فمن نسأل بعدكم ؟ فقال : إن لمروان ابنا فقيها فسلوه .

                                                                          وقال وهب بن جرير بن حازم ، عن أبيه : سمعت نافعا يقول : لقد رأيت المدينة ، وما بها شاب أشد تشميرا لا أفقه ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان ، أو قال : ولا أطول صلاة ، ولا أطلب للعلم منه .

                                                                          وقال محمد بن زكريا الغلابي ، عن ابن عائشة : قيل لعبد الملك بن مروان : أي الرجال أفضل ؟ قال : من تواضع عن رفعة ، وزهد عن قدرة ، وأنصف عن قوة .

                                                                          وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي ، عن سفيان بن عيينة : كان عبد الملك بن مروان يقول : ثلاثة من أحسن شيء : جود لغير ثواب ، ونصب لغير دنيا ، وتواضع لغير ذل .

                                                                          [ ص: 411 ] وقال محمد بن زكريا الغلابي ، عن ابن عائشة ، عن أبيه : كان عبد الملك بن مروان إذا دخل عليه رجل من أفق من الآفاق قال : أعفني من أربع ، وقل بعدها ما شئت : لا تكذبني فإن المكذوب لا رأي له ، ولا تجبني فيما لا أسألك عنه فإن في الذي أسأل عنه شغلا عما سواه ، ولا تطرني فإني أعلم بنفسي منك ، ولا تحملني على الرعية فإني إلى الرفق بهم والرأفة أحوج .

                                                                          وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي : ما جالست أحدا إلا وجدت لي الفضل عليه ، إلا عبد الملك بن مروان ، فإني ما ذاكرته حديثا إلا زادني فيه ، ولا شعرا إلا زادني فيه .

                                                                          وقال عبد الله بن بكر السهمي : حدثني بشر أبو نصر أن عبد الملك بن مروان دخل على معاوية ، وعنده عمرو بن العاص ، فسلم ثم جلس ، ثم لم يلبث أن نهض فقال معاوية : ما أكمل مروءة هذا الفتى ، فقال عمرو : يا أمير المؤمنين إنه أخذ بأخلاق أربعة ، وترك أخلاقا ثلاثة : أخذ بأحسن البشر إذا لقي ، وأحسن الحديث إذا حدث ، وأحسن الاستماع إذا حدث ، وأيسر المؤونة إذا خولف ، وترك مزاح من لا يوثق بعقله ولا دينه ، وترك مجالسة لئام الناس ، وترك من الكلام ما يعتذر منه .

                                                                          وقال أحمد بن عبد الله العجلي : كان أبخر ، وولد لستة أشهر ، وخطب خطبة بليغة ، ثم قطعها ، وبكى بكاء شديدا ، ثم قال : يا رب إن ذنوبي عظيمة ، وإن قليل عفوك أعظم منها ، فامح بقليل عفوك عظيم [ ص: 412 ] ذنوبي فبلغ ذلك الحسن فبكى ، وقال : لو كان كلام يكتب بالذهب لكتب هذا الكلام .

                                                                          وقال إبراهيم بن عبد الله بن زبر ، عن سعيد بن عبد العزيز : لما نزل بعبد الملك بن مروان الموت أمر بفتح باب قصره ، وإذا بقصار يضرب بثوب له على حجر فقال : ما هذا ؟ فقالوا : قصار ، فقال : يا ليتني كنت قصارا مرتين ، فقال سعيد : الحمد لله الذي جعلهم يفزعون ويفرون إلينا ولا نفر إليهم .

                                                                          وقال محمد بن جعفر الخرائطي ، عن عمران بن موسى المؤدب : يروى أن عبد الملك بن مروان لما أحس بالموت قال : ارفعوني على شرف ففعل ذلك فتنسم الرياح ثم قال : يا دنيا ما أطيبك إن طويلك لقصير ، وإن كثيرك لحقير ، وإن كنا منك لفي غرور ، وتمثل بهذين البيتين


                                                                          إن تناقش يكن نقاشك يا رب عذابا لا طوق لي بالعذاب     أو تجاوز فأنت رب صفوح
                                                                          عن مسيء ذنوبه كالتراب



                                                                          قال أبو القاسم ، وقد روي أن معاوية هو المتمثل بهذه الأبيات .

                                                                          قال خليفة بن خياط : ولد سنة ثلاث وعشرين .

                                                                          وقال أبو حسان الزيادي : ولد سنة خمس وعشرين .

                                                                          وقال محمد بن سعد : ولد سنة ست وعشرين في خلافة عثمان .

                                                                          [ ص: 413 ] وقال عمرو بن علي : بايع مروان بن الحكم لابنيه عبد الملك ، وعبد العزيز ، فقام عبد الملك بالحرب ، وقتل الحجاج ابن الزبير ، واستقام الناس لعبد الملك ، وكانت الفتنة من يوم مات معاوية بن يزيد إلى أن استقام الناس لعبد الملك تسع سنين ، وإحدى وعشرين ليلة ، فملك عبد الملك ثلاث عشرة سنة ، وأربعة أشهر إلا ليلتين ، ومات يوم الأربعاء النصف من شوال سنة ست وثمانين ، وبايع لابنيه الوليد وسليمان .

                                                                          وقال غيره : بايعه أهل الشام بالخلافة ليلة الأحد لهلال شهر رمضان سنة خمس وستين .

                                                                          وقال أبو معشر المدني : كانت الجماعة على عبد الملك سنة ثلاث وسبعين ، وتوفي يوم الخميس النصف من شوال سنة ست وثمانين ، وكانت خلافته ثلاث عشرة سنة ، وخمسة أشهر .

                                                                          [ ص: 414 ] روى له البخاري في " الأدب " قوله ، وقد ذكرناه في ترجمة عمر بن سلام .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية