الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          3769 - (ع) : عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، واسمه عبد الله [ ص: 556 ] ابن أبي قحافة، واسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، القرشي التيمي، أبو محمد، وقيل : أبو عبد الله، وقيل : أبو عثمان، المدني، وهو شقيق عائشة أم المؤمنين.

                                                                          شهد بدرا مع المشركين، ثم أسلم وهاجر إلى المدينة قبل الفتح .

                                                                          ذكر سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان : أن عبد الرحمن بن أبي بكر خرج في فتية من قريش، هاجروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح، قال : وأحسبه قال : إن معاوية منهم، وقيل : إنه كان أسن ولد أبي بكر، وكان من أشجع رجال قريش، وأرماهم بسهم، وحضر اليمامة مع خالد بن الوليد، فقتل سبعة من كبارهم، شهد له بذلك جماعة عند خالد بن الوليد، وهو الذي قتل محكم اليمامة ابن الطفيل، رماه بسهم في نحره فقتله.

                                                                          ويقال : كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، ويقال : عبد العزى، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم : عبد الرحمن .

                                                                          روى عن : النبي صلى الله عليه وسلم (ع) ، وعن أبيه أبي بكر الصديق (م قد) .

                                                                          [ ص: 557 ] روى عنه : سعيد بن المسيب ، وشريح بن الحارث القاضي ، وابنه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (قد) ، وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، وعبد الله بن كعب ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، (د) ، وعمرو بن أوس الثقفي (خ م ت س ق) ، وابن أخيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وقيس بن زيد قاضي المصرين ، وموسى بن وردان ، وميمون بن مهران ، وأبو ثور الفهمي ، وأبو عثمان النهدي (خ م د) ، وابنته حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (د) .

                                                                          قال أبو عمر بن عبد البر : يكنى أبا عبد الله، وقيل : يكنى أبا محمد، بابنه محمد الذي يقال له : أبو عتيق، والد عبد الله بن أبي عتيق، وأدرك أبو عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة، هو، وأبوه، وجده، وأبو جده، النبي صلى الله عليه وسلم، ولد أبو عتيق قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                          قال أبو عمر : يقال : إنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، أربعة، ولا أب وبنوه إلا أبو قحافة، وابنه أبو بكر، وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر، وابنه أبو عتيق، والله أعلم.

                                                                          وقال الزبير بن بكار : كان امرأ صالحا، وكانت فيه دعابة.

                                                                          قال الزبير : حدثني عبد الله بن نافع الصائغ، عن عبد الرحمن [ ص: 558 ] ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه : أن عمر بن الخطاب نفل عبد الرحمن بن أبي بكر ليلى بنت الجودي، حين فتح دمشق، وكانت ابنة ملك دمشق.

                                                                          قال أبو عمر : وكان قد رآها قبل ذلك، فكان يشبب بها، وله فيها أشعار، وخبره معها مشهور عند أهل الأخبار.

                                                                          وقال الزبير أيضا : حدثني محمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي، عن أبيه الضحاك بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه : أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، قدم الشام في تجارة، فرأى هناك امرأة يقال لها : ابنة الجودي، على طنفسة حولها ولائد، فأعجبته، فقال فيها :


                                                                          تذكرت ليلى والسماوة دونها فما لابنة الجودي ليلى وما ليا     وأنى تعاطى قلبه حارثية
                                                                          تدمن بصرى أو تحل الجوابيا     وأنى تلاقيها، بلى ولعلها
                                                                          إن الناس حجوا قابلا أن توافيا



                                                                          قال : فلما بعث عمر بن الخطاب جيشه إلى الشام، قال لصاحب [ ص: 559 ] الجيش : إن ظفرت بليلى ابنة الجودي عنوة، فادفعها إلى عبد الرحمن ابن أبي بكر، فظفر بها، فدفعها إلى عبد الرحمن، فأعجب بها، وآثرها على نسائه، حتى شكونه إلى عائشة، فعاتبته على ذلك فقال : والله كأني أرشف بأنيابها حب الرمان، فأصابها وجع سقط له فوها، فجفاها حتى اشتكته إلى عائشة، فقالت له عائشة : يا عبد الرحمن، لقد أحببت ليلى فأفرطت وأبغضتها فأفرطت، فإما أن تنصفها، وإما أن تجهزها إلى أهلها، فجهزها إلى أهلها .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الحسن ابن البخاري، قال : أخبرنا أبو حفص بن طبرزذ، قال : أخبرنا أبو منصور بن خيرون، قال : أخبرنا أبو جعفر ابن المسلمة، قال : أخبرنا أبو طاهر المخلص، قال : أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي، قال : حدثنا الزبير بن بكار ، فذكره.

                                                                          وقال معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب في حديث ذكره : أن عبد الرحمن بن أبي بكر لم تجرب عليه كذبة قط.

                                                                          قال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم بن محمد : توفي عبد الرحمن بن أبي بكر في مقيل قاله على غير وصية، فأعتقت عائشة رقيقا من رقيقه؛ رجاء أن ينفعه الله به.

                                                                          وقال ابن جريج، عن ابن أبي مليكة : توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشي، والحبشي على اثني عشر ميلا من مكة، فحمل فدفن بمكة، فلما قدمت عائشة أتت قبره.

                                                                          فقالت :


                                                                          وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر     حتى قيل لن يتصدعا
                                                                          [ ص: 560 ] فلما تفرقنا كأني ومالكا     لطول اجتماع لم نبت ليلة معا



                                                                          وقال محمد بن سعد، وخليفة بن خياط، وغير واحد : مات سنة ثلاث وخمسين.

                                                                          وروي عن يحيى بن بكير، أنه قال : مات سنة أربع وخمسين.

                                                                          وقال الحافظ أبو نعيم : توفي بمكة في نومة نامها في إمرة معاوية، سنة ثلاث وخمسين، وقيل : سنة خمس وخمسين، وقيل : سنة ست وخمسين.

                                                                          وقال أبو زرعة الدمشقي، توفي بعد منصرف معاوية من المدينة، في قدمته التي قدم فيها لأخذ البيعة من عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، ثم توفيت عائشة بعد ذلك بيسير، سنة تسع وخمسين من التاريخ.

                                                                          روى له الجماعة.

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية