الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (39) قوله : والذين كفروا إلى قوله: خالدون : "الذين" مبتدأ وما بعده صلة وعائد، و"بآياتنا" متعلق بكذبوا، ويجوز أن تكون الآية من باب الإعمال؛ لأن "كفروا" يطلبها، ويكون من إعمال الثاني للحذف من الأول، والتقدير: كفروا بنا وكذبوا بآياتنا.

                                                                                                                                                                                                                                      و"أولئك" مبتدأ ثان و"أصحاب" خبره، والجملة خبر الأول، ويجوز أن يكون "أولئك" بدلا من الموصول أو عطف بيان له، و"أصحاب" خبر المبتدأ الموصول.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: هم فيها خالدون جملة اسمية في محل نصب على الحال للتصريح بذلك في مواضع، قال تعالى: أصحاب النار خالدين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأجاز أبو البقاء أن تكون حالا من "النار"، قال: "لأن فيها ضميرا يعود عليها، ويكون العامل فيها معنى الإضافة أو اللام المقدرة"، انتهى، وقد عرف ما في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 307 ] ويجوز أن تكون في محل رفع خبرا لأولئك، وأيضا فيكون قد أخبر عنه بخبرين، أحدهما مفرد وهو "أصحاب"، والثاني جملة، وقد عرف ما فيه من الخلاف.

                                                                                                                                                                                                                                      و"فيها" متعلق بـ"خالدون".

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا: وحذف من الكلام الأول ما أثبت في الثاني، ومن الثاني ما أثبت في الأول، والتقدير: فمن تبع هداي فلا خوف ولا حزن يلحقه وهو صاحب الجنة، ومن كفر وكذب لحقه الحزن والخوف وهو صاحب النار؛ لأن التقسيم يقتضي ذلك، ونظروه بقول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      397 - وإني لتعروني لذكراك فترة كما انتفض العصفور بلله القطر



                                                                                                                                                                                                                                      والآية [لغة]: العلامة، قال النابغة الذبياني:


                                                                                                                                                                                                                                      398 - توهمت آيات لها فعرفتها     لستة أعوام وذا العام سابع



                                                                                                                                                                                                                                      وسميت آية القرآن [آية] لأنها علامة لانفصال ما قبلها عما بعدها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: سميت بذلك لأنها تجمع حروفا من القرآن فيكون من قولهم: "خرج بنو فلان بآيتهم" أي: بجماعتهم، قال الشاعر:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 308 ]

                                                                                                                                                                                                                                      399 - خرجنا من النقبين لا حي مثلنا     بآياتنا نزجي اللقاح المطافلا



                                                                                                                                                                                                                                      واختلف النحويون في وزنها: فمذهب سيبويه والخليل أنها فعلة، والأصل: أيية بفتح العين، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وهذا شاذ؛ لأنه إذا اجتمع حرفا علة أعل الأخير؛ لأنه محل التغيير نحو: هوى وحوى، ومثلها في الشذوذ: غاية وطاية وراية.

                                                                                                                                                                                                                                      ومذهب الكسائي أن وزنها آيية على وزن فاعلة، فكان القياس أن يدغم فيقال: آية كدابة إلا أنه ترك ذلك تخفيفا، فحذفوا عينها كما خففوا كينونة، والأصل: كينونة بتشديد الياء، وضعفوا هذا بأن بناء كينونة أثقل فناسب التخفيف بخلاف هذه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومذهب الفراء أنها فعلة بسكون العين، واختاره أبو البقاء قال: "لأنها من تأيا القوم أي اجتمعوا، وقالوا في الجمع: آياء، فظهرت الياء [الأولى] ، والهمزة الأخيرة بدل من ياء، ووزنه أفعال، والألف الثانية بدل من همزة هي فاء الكلمة، ولو كانت عينها واوا لقالوا في الجمع: آواء، ثم إنهم قلبوا الياء الساكنة ألفا على غير قياس" انتهى، يعني أن حرف العلة لا يقلب حتى يتحرك وينفتح ما قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 309 ] وذهب بعض الكوفيين إلى أن وزنها أيية، بكسر العين مثل: نبقة فأعل، وهو في الشذوذ كمذهب سيبويه والخليل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل وزنها: فعلة بضم العين، وقيل أصلها: أياة بإعلال الثاني، فقلبت بأن قدمت اللام وأخرت العين وهو ضعيف، فهذه ستة مذاهب لا يسلم كل واحد منها من شذوذ.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية