الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (80) قوله تعالى: إلا أياما معدودة هذا استثناء مفرغ، فـ(أياما) منصوب على الظرف بالفعل قبله، والتقدير: لن تمسنا النار أبدا إلا أياما قلائل يحصرها العد؛ لأن العد يحصر القليل، وأصل أيام: أيوام؛ لأنه جمع يوم، نحو: قوم وأقوام، فاجتمع الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فوجب قلب الواو ياء وإدغام الياء في الياء، مثل هين وميت.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: أتخذتم الهمزة للاستفهام، ومعناه الإنكار والتقريع، وبها استغني عن همزة الوصل الداخلة على "اتخذتم" كقوله: أفترى على الله أصطفى وبابه، وقد تقدم القول في تصريف " اتخذتم " وخلاف أبي علي فيها، ويحتمل أن تكون هنا متعدية لواحد.

                                                                                                                                                                                                                                      قال [ ص: 454 ] أبو البقاء : "وهو بمعنى جعلتم المتعدية لواحد"، ولا حاجة إلى جعلها بمعنى "جعل" في تعديها لواحد، بل المعنى: هل أخذتم من الله عهدا، ويحتمل أن تتعدى لاثنين، والأول "عهدا" ، والثاني "عند الله" مقدما عليه، فعلى الأول يتعلق "عند الله" باتخذتم، وعلى الثاني يتعلق بمحذوف.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز نقل حركة همزة الاستفهام إلى لام "قل" قبلها فتفتح وتحذف الهمزة وهي لغة مطردة قرأ بها نافع في رواية ورش عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فلن يخلف الله هذا جواب الاستفهام المتقدم في قوله: أتخذتم وهل هذا بطريق تضمين الاستفهام معنى الشرط، أو بطريق إضمار الشرط بعد الاستفهام وأخواته؟ قولان، تقدم تحقيقهما.

                                                                                                                                                                                                                                      واختار الزمخشري القول الثاني، فإنه قال: فلن يخلف متعلق بمحذوف تقديره: إن اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عطية : فلن يخلف الله عهده اعتراض بين أثناء الكلام، كأنه يعني بذلك أن قوله: "أم تقولون" معادل لقوله: "أتخذتم" فوقعت هذه الجملة بين المتعادلين معترضة، والتقدير: أي هذين واقع؟ اتخاذكم العهد أم قولكم بغير علم، فعلى هذا لا محل لها من الإعراب، وعلى الأول محلها الجزم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: أم تقولون "أم" هذه يجوز فيها وجهان، أحدهما: أن تكون متصلة فتكون للمعادلة بين الشيئين، أي: أي هذين واقع، وأخرجه مخرج المتردد فيه، وإن [كان] قد علم وقوع أحدهما، وهو قولهم على الله [ ص: 455 ] ما لا يعلمون للتقرير، ونظيره: وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين وقد علم أيهما على هدى وأيهما في ضلال، وقد عرفت شروط المتصلة أول السورة.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تكون منقطعة، فتكون غير عاطفة، وتقدر بـ"بل والهمزة"، والتقدير: بل أتقولون، ويكون الاستفهام للإنكار؛ لأنه قد وقع القول منهم بذلك، هذا هو المشهور في أم المنقطعة.

                                                                                                                                                                                                                                      وزعم جماعة أنها تقدر بـ"بل" وحدها دون همزة استفهام، فيعطف ما بعدها على ما قبلها في الإعراب، واستدل عليه بقولهم: إن لنا إبلا أم شاء، بنصب "شاء"، وقول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      566 - وليت سليمى في المنام ضجيعتي هنالك أم في جنة أم جهنم



                                                                                                                                                                                                                                      تقديره: بل في جهنم، ولو كانت همزة الاستفهام مقدرة بعدها لوجب الرفع في "شاء" و"جهنم" على أنها خبر لمبتدأ محذوف، وليس لقائل أن يقول: هي في هذين الموضعين متصلة لما عرف من أن شرطها أن تتقدمها الهمزة لفظا أو تقديرا، ولا يصلح ذلك هنا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ما لا تعلمون "ما" منصوبة بتقولون، وهي موصولة بمعنى الذي أو نكرة موصوفة، والعائد على كلا القولين محذوف، أي: ما لا تعلمونه، فالجملة لا محل لها على القول الأول، ومحلها النصب على الثاني ولا يجوز أن تكون هنا مصدرية.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية