الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1839 - أخبرنا حميد قال : قال أبو عبيد : وأما سفيان فكان يأخذ بقول عبد الله يقول : أحص ما في مال اليتيم من الزكاة ، فإذا كبر فادفعه إليه ، وأخبره بما عليه وأما سائر أهل العراق ، سوى سفيان ومن قال بقوله ، فلا يرون في مال الصغير زكاة ، ولا يرون على وصيه إحصاء [ ص: 1000 ] ذلك أيضا ، ولا إعلامه ، وكذلك المعتوه عندهم ، واقتاسوا ذلك بالصلاة ، وقالوا : إنما تجب الزكاة على من تجب عليه الصلاة .

أخبرنا حميد قال : قال أبو عبيد : والذي عندي في ذلك ، أن شرائع الإسلام لا يقاس بعضها ببعض ، لأنها أمهات ، وتمضي كل واحدة على فرضها وسنتها ، وقد وجدناها مختلفة في أشياء كثيرة منها أن الزكاة تخرج قبل حلها ووجوبها ، فتجزي عن صاحبها ، وأن الصلاة لا تجزي إلا بعد دخول الوقت ومنها أن الزكاة تجب في أرض الصغير ، إذا كانت أرض عشر في قول الناس جميعا ، وهو لا يجب عليه الصلاة ، ومنها أن المكاتب تجب عليه الصلاة ، ولا تجب عليه الزكاة ، فالصلاة ساقطة عن الصبي ، والصدقة واجبة عليه في أرضه والزكاة ساقطة عن المكاتب ، والصلاة فرض عليه ، فهذا اختلاف متفاوت .

وكذلك الصيام أيضا ، ألا ترى أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة ؟ وأن الآكل في رمضان ناسيا لا قضاء عليه ، وأن الناسي للصلاة عليه الصلاة إذا ذكرها ؟ وكذلك المريض يسعه الإفطار إلى أن يصح ، وهو لا يجزيه تأخير الصلاة إلا أن تقضى في وقتها ، على ما بلغته طاقته من الجلوس ، أو الإيماء ، أو غير ذلك في أشياء من هذا كثيرة يطول بها الكتاب فأين يذهب الذي يقيس الفرائض بعضها ببعض عما ذكرنا ؟ . [ ص: 1001 ]

ومما يباعد حكم الصلاة من الزكاة أيضا ، أن الصلاة إنما هي حق يجب لله على العباد فيما بينهم وبينه ، وأن الزكاة شيء جعله الله حقا من حقوق الفقراء في أموال الأغنياء ، وإنما مثلها كالصبي يكون له المملوك ، ألست ترى أن نفقة المملوك عليه في ماله ، إن كان ذا مال ، كما تجب على الكبير ؟ وكذلك إن كانت لهذا الصبي زوجة زوجه إياها أبوه وهي كبيرة ، فأخذته بالصداق والنفقة ، أن ذلك واجب على الصبي في ماله ، وكذلك لو ضيع لإنسان مالا ، أو خرق له ثوبا ، كان دينا عليه في ماله ، مع أشباه لهذا كثيرة . فهذا أشبه بالزكاة من الصلاة ؛ لأنهما جميعا من حقوق الناس ، وليست الصلاة كذلك ، أفلا يسقطون عنه هذه الديون ، إن كانت الصلاة لا تجب عليه ؟ وفيه ما هو أكبر من هذا : لو أن رجلا زوج ابنة له صغيرة ، فمات عنها زوجها ، أو طلقها ، كانت العدة لازمة لها بالطلاق والوفاة جميعا ، لا اختلاف بين المسلمين في ذلك أعلمه ، ولو كان زوجها أبوها قبل انقضاء العدة كان نكاحها باطلا كبطول نكاح الكبيرة في العدة ، فهلا سقط الحرج عنها في هذا ، أو عمن زوجها إن كانت الصلاة غير واجبة عليها ؟ فالأمر عندنا على الآثار التي ذكرناها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه البدريين وغيرهم ، ثم من بعدهم من التابعين ، أن الزكاة واجبة على الصبي في ماله ، مع ما ذكرنا من تأويل هذه الوجوه وكذلك المعتوه عندي هو مثل الصبي في ذلك كله .

حدثنا حميد قال : قال : أبو عبيد : وأما حديث عبد الله في قوله [ ص: 1002 ] : أحص ما في مال اليتيم من الزكاة ، ثم أخبره بذلك ، فإن هذا ليس يثبت عنه ، وذلك أن مجاهدا لم يسمع منه ، وهو مع هذا يفتي بخلافه . من ذلك حديث عثمان بن الأسود عنه ، أنه كان يقول : " أد زكاة مال اليتيم " . وحديث خصيف عنه أنه كان يقول : " كل مال لليتيم ينمى أو يضارب به ، فزكه . وقد ذكرنا ذلك في هذا الباب ، فلو صح قول عبد الله عند مجاهد ، ما أفتى بخلافه ، وهو مع هذا كله لو ثبت عن عبد الله ، لكان إلى قول من يوجب عليه الزكاة أقرب ، ألا ترى أنه قد أمره أن يحصي ماله ، ويعلمه ذلك بعد البلوغ ؟ ولولا الوجوب عليه ما كان للإحصاء والإعلام معنى فالزكاة واجبة عندنا على مال الصغير ، يقوم به الولي ، كما يقوم له بالبيع والشراء ، ما دام صغيرا سفيها ، وإن لم يفعل ذلك حتى يبلغ ، ويؤنس منه رشد ، فدفع إليه ماله ، فليعلمه كما قال عبد الله إن كان ذلك قد صح عنه ، حتى يزكيه اليتيم لما مضى من السنين ، وإلا لم آمن عليه الإثم كما قال طاوس - إن لم يفعل ذلك ، فالإثم في عنقه . [ ص: 1003 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية