الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1855 - أخبرنا حميد قال : قال أبو عبيد : فهذا قول أهل العراق ، وأما الذي عليه العمل عندي فما قال أهل الحجاز ، وهو على تأويل ما جاء عن السلف من الصحابة ، عمر ، وابن عمر ، وجابر ، وذلك أن مال العبد ملك له ، وأن الزكاة ساقطة عنه لخروجه من ملك السيد إلى العبد ومما يثبت ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : " من ابتاع عبدا وله مال ، فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع " ، فأوجب أن له مالا بقوله : " وله مال " وبقوله : " فماله للبائع " ، فنسب المال إلى العبد إلا أن سنة ملك العبد مفارقة لملك الأحرار وذلك أن الحر مسلط على ماله بالاستهلاك والإتلاف من العتاق والهبة والصدقة ما لم يكن عليه حجر قبل ذلك ، وأن المملوك ليس له شيء من هذا ، وقد أنكر من مذهبنا هذا ناس من الناس فقالوا : لا نعد هذا ملكا ، إذ كان لا سبيل له إلى هلكته كالحر ، فقلنا هذه حجة ، لو كانت أحكام المماليك كلها لاحقة بأحكام الأحرار ، كان لكم أن تشبهوا حكمه في ملك المال بها ، ولكنا رأينا أحكام الفريقين مختلفة متباينة ، ألا يرون أن العبد لا ينكح من النساء إلا اثنتين ، وأن الأمة تبين من زوجها [ ص: 1008 ] بتطليقتين ، وتعتد من الطلاق حيضتين ، أو شهرا ونصفا ، ومن الوفاة شهرين وخمسة أيام ، ويكون الإيلاء منهما شهرين ، وأنهما لا يجلدان في الزنا إلا خمسين جلدة ، وفي الفرية إلا أربعين جلدة ؟ وفي أشياء كثيرة يقصر فيها المماليك عن مراتب الأحرار ، من المواريث ، والفيء ، والمغنم ، والشهادات ، والإقرار بالديون ، ووجوب الحج ، وغير ذلك ، فلم قصرت أمور هؤلاء عن مبلغ ذلك ؟ قالوا : لأن هذه سنة المماليك أن تكون أنقص من سنن الأحرار قلنا : فكذلك ملكهم المال أيضا ، سنة ملكهم أنقص من سنة ملك الأحرار ، إلا أنه لا يجزيه ذلك من أن يكون ملكا ، ولكنه ملك مصلحة وتوفير وليس بملك إهلاك ولا توى ، فإذا وهب له سيده مالا ، فهو له على الشرط الذي جعلته السنة له ، فلا يزال كذلك حتى ينزعه منه السيد ، أو يبيعه فيزول حينئذ ملكه عنه ، ثم يرجع إلى ربه فاختلف ملك العبد والحر في المال ، كما اختلفت أمورهما وسنتهما في جميع ما ذكرنا نقول ذلك اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه على أنه ليست خلة واحدة كانت أحرى أن يتمسك بها ، وتتبع في حكم العبد ، من ملكهم الأموال ، وذلك أنا لا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن في شيء مما ذكرنا من أمر المماليك ، ولا حفظ عنه فيهم شيء من أحكامهم سوى سنته في المال ، وأما سائر ذلك فإنما يروى عن [ ص: 1009 ] الصحابة والتابعين ، فأيهما كان أولى بالاتباع والتمسك به ، ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم مثبتا محفوظا أم جاء عن سواه ؟ وإن كانوا الأئمة يقتدى بهم ، فأما الذي عندنا من ذلك ، أن المقدم من الأقوال ما قاله سيد المسلمين وإمام المتقين ، حين نسب المال إلى العبد وأضافه إليه ، وفي إجابته دعوة المملوك ، وقبول الهدية من سلمان ، وهو مملوك ، مع كل هذا تثبيت ما قلنا ، فنحن نقول بسنته في مال العبد ، ثم نصير إلى ما أفتى به الصالحون بعد في سائر أحكامه ، فنحن له ولهم متبعون في كل ما أتانا عنهم ومما يثبت ماله أيضا ، ما أرخصوا فيه من تسريه ، فإن ذلك محفوظ عن عدة من العلماء ، منهم ابن عباس ، وابن عمر ، وعمر بن عبد العزيز ، والحسن وغيرهم ، مع أنه قد روي ذلك عن ابن عمر ، أنه رأى الزكاة في ماله واجبة وذكر حديث جابر الحذاء حين قال : قلت لابن عمر : " أعلى العبد زكاة ؟ قال : أمسلم هو ؟ قلت : نعم ، قال : في كل مائتين خمسة دراهم ، وما زاد فبالحساب " [ ص: 1010 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية