الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2114 - قال أبو أحمد : أحسن ما سمعنا في التفريق ، بين الفقير والمسكين ، أن المسكين هو المتعفف الذي يتشبه بالأغنياء في إنقاء نفسه وثيابه ، ولا يسأل الناس إلحافا ، ويكون له النشب من المال لا يقيمه ، كالدار يسكنها ، والدابة يركبها ، والخادم يخدمه ، والضيعة لا تقيمه غلتها ، ولا يكون له من المال ما يجب فيه الزكاة ، فهو يتشبه [ ص: 1139 ] بالأغنياء وليس منهم ، والفقير الظاهر الفقر ، الذي لا شيء له مما ذكرنا ، سأل الناس أو لم يسألهم ، وأن الصدقة على المسكين أفضل من الصدقة على الفقير ، لأنه قد أمر بالتعفف والتجمل ، وهو يتعفف ويتجمل ، ونهي عن المسألة وإظهار المسكنة ، وهو لا يسأل ولا يتمسكن ، ولأن الذي يعرف بالحاجة قد يعطى وإن لم يسأل ، وهذا لا يكاد يعطى شيئا لتجمله وغفلة الناس عن حاجته ، وقد يجوز أن يسمى المسكين فقيرا ، والفقير مسكينا ، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس المسكين بالطواف عليكم الذي ترده اللقمة واللقمتان ، إنما المسكين الذي يتعفف " ، يريد أن المسكين كل المسكين ليس بالطواف على الأبواب ، وإن كنتم تسمونه مسكينا ، إنما المسكين حقا هو الذي يتعفف ، واقرؤوا هذه الآية : ( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ) إلى قوله : ( لا يسألون الناس إلحافا ) فسماه الله في هذه الآية فقيرا ، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مسكينا ، لما أعلمتك ، وقد ذكر الله جل ثناؤه المساكين في كفارة الظهار ، وكفارة اليمين ، وكفارة الصيام ، وجزاء الصيد ، ولم يذكر الفقراء معهم في شيء من ذلك ، وأجمع أهل العلم على أصحاب هذه الكفارات إذا وضعوها في أهل الحاجة من المسلمين أجزأ ذلك عنهم ولم يفرقوا في شيء من ذلك بين الفقراء والمساكين ، فالمسكين فقير ، والفقير مسكين ، والتفريق بينهما ما أعلمتك . [ ص: 1140 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية