الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2270 - قال حميد : ذهب ناس من أهل العلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يسأل عبد مسألة وله ما يغنيه ، إلا جاءت شينا في وجهه " ، قالوا : يا رسول الله ، وما غناه ؟ قال : " خمسون درهما ، أو حسابها من الذهب " ، وبحديثي علي ، وعبد الله اللذين في صدر هذا [ ص: 1203 ] الكتاب ، إلى أن قالوا : " لا يعطى من الزكاة من له خمسون درهما ، ولا يعطى منها أحد أكثر من خمسين " ، ولا يعجبنا قولهم هذا ، لأن حديثي علي وعبد الله ليسا بثابتين ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو تشديد في المسألة ، ألا تسمع إلى قوله في أول الحديث : " لا يسأل عبد مسألة وله ما يغنيه " ، فلما قيل له : ما غناه ؟ قال : " خمسون درهما أو حسابها من الذهب " ، وقال في حديث آخر : " من سأل وله أوقية فقد سأل الناس إلحافا " ، وقال في حديث ثالث : " من سأل الناس عن ظهر غنى ، فإنما يستكثر من جهنم " ، فقيل : وما ظهر الغنى ؟ قال : إذا كان عند أهله ما يغديهم أو يعشيهم ؟ وكل ذلك تشديد في المسألة وفي الخمسين والأوقية والغداء والعشاء ما ينبغي للعاقل أن يستغني به عن المسألة فلا يسأل ، فأما إذا أعطي من غير مسألة ، فلا بأس أن يأخذه ، وإن كان مالكا لخمسين ، لأن الغني من تجب عليه الزكاة ، والفقير من لا تجب عليه ، فإذا لم تجب على الرجل فإنها تجب له . وأما قولهم : ولا يعطى منها أحد أكثر من خمسين ، فإن من قال هذا لزمه أن يقول : من لم يكن له شيء أعطي خمسين ، ومن كان له دون الخمسين أعطي تمام الخمسين ، وهذا قول لم يبلغنا أن أحدا قاله ولا يكلف سؤال مسكين عن ما عنده حتى يكمل له الخمسين أو المائتين ، بل كانوا يعطون المسكين ما بين العشرة إلى المائة ، ولا يسألون ، فهذا اختلافهم في الخمسين [ ص: 1204 ] وذهب آخرون إلى أن قالوا : ما يعطى من الزكاة من له مائتا درهم ، ولا يزاد أحد على المائتين إلا درهما ؛ لأن المائتين تجب فيها الزكاة فأما قولهم : لا يعطى من له مائتا درهم ، فحسن عندنا لأن المائتين أدنى ما تجب فيه الزكاة ، وأما قولهم : لا يعطى منها أحد مائتين فلا يعجبنا لأنه لا تجب على صاحب المائتين زكاة حتى يحول عليه الحول وهي عنده ، ولعل الحول يحول وقد أنفقها كلها ، أو قضى بها دينا ، أو نكح بها امرأة ، والأصل في ذلك عندنا أن من لا تجب عليه زكاة في عين ، ولا حرث ، ولا ثمر ، ولا ماشية ، وأن يكفيه ما عنده وعياله ، فإنه يعطى من الزكاة وليس فيما يعطى المسكين الواحد من الزكاة حد محدود ، ولكنه إلى رأي المعطي ، وكانوا يستحبون أن يغنوا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية