الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
104 - أنا حميد أنا روح بن أسلم حدثني حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم قال : كان رسول قيصر جارا لي زمن معاوية بن أبي سفيان ، فقلت له : أخبرني عن كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قيصر . فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أرسل دحية الكلبي إلى قيصر ، وكتب معه إليه كتابا ، يخيره من إحدى ثلاث : إما أن يسلم ، وله ما في يديه من ملكه ، وإما أن يؤدي الخراج . وإما أن يأذن بحرب . قال : فجمع قيصر بطارقته وقسيسيه في قصره ، وأغلق عليهم الباب ، وقال : إن محمدا بعث إلي يخيرني إحدى ثلاث : إما أن أسلم ، ولي ما تحت قدمي من ملكي . وإما أن أرسل إليه بالخراج . وإما أن آذن بحرب . وقد تجدون فيما تقرؤون من كتبكم ، بأنه سيملك ما تحت قدمي من ملكي ، قال : فنخروا نخرة ، حتى أن بعضهم خرجوا من برانسهم ، وقالوا : نحن نرسل إلى رجل [ ص: 124 ] من العرب ، جاء في برديه ونعليه ، بالخراج ؟ فقال : اسكتوا إنما أردت أن أعلم تمسككم بدينكم ورغبتكم فيه . ثم قال : أبغوني رجلا من العرب . قال : فجاؤوا بي وكتب معي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابا ، وقال : انظر ما سقط عنك من قوله ، فلا يسقطن عنك ذكر الليل والنهار . فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مع أصحابه ، وهم محتبون بحمائل سيوفهم ، حول بئر تبوك . فقلت : أيكم محمد ؟ فأومأ بيده إلى نفسه ، فدفعت إليه الكتاب ، فوضعه في حجره ، ثم قال : ممن الرجل ؟ قلت امرؤ من تنوخ ، فقال : هل لك في دين أبيك إبراهيم ، الحنيفية ؟ فقلت : إني رسول قوم وعلى دينهم حتى أرجع إليهم ، قال : فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونظر إلى أصحابه وإلي ، ثم قال : وتلا هذه الآية ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) قال : ثم دفع الكتاب إلى رجل عن يمينه ، فقلت : من هذا ؟ ، فقيل : هذا معاوية بن أبي سفيان . فكتبت اسمه . فلما قرأ الكتاب إذا فيه : كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، فأين النار ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : سبحان الله ، فإذا جاء الليل فأين النهار ؟ وإذا جاء النهار فأين الليل ؟ فكتبت . ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنك رسول وإن لك حقا ، ولكنك جئتنا ونحن مرملون . فقال عثمان : أنا أكسوه حلة صفورية . فقال رجل من الأنصار : علي ضيافته . وقال لي قيصر فيما قال : انظر إلى ظهره [ ص: 125 ] فنسيت ، فلما قضيت ، قال له جبريل - عليه السلام - إنه قد أمر أن ينظر إلى ظهرك . فدعاني فقال : تعال ، فامض لما أمرت به . وكشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ظهره ، فرأيت الخاتم في كتفه . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني كتبت إلى النجاشي فخرق كتابي والله مخرقه ، وكتبت إلى كسرى - ملك فارس - فمزق كتابي ، والله ممزقه وملكه ، وكتبت إلى قيصر فرجع كتابي ، فلا يزال الناس يجدون بأسا ما كان في العيش خير .

التالي السابق


الخدمات العلمية