الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
233 - قال أبو عبيد : فقد توالت الأخبار في افتتاح الأرضين عنوة بهذين الحكمين ، أما الأول منهما فحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خيبر ، وذلك أنه جعلها غنيمة فخمسها وقسمها ، وبهذا الرأي أشار بلال على عمر في بلاد الشام . وأشار به الزبير بن العوام على عمرو بن العاص في أرض مصر ، وبهذا كان يأخذ مالك بن أنس ، كذلك يروى عنه .

وأما الحكم الآخر ، فحكم عمر في السواد وغيره ، وذلك أنه جعله فيئا موقوفا على المسلمين ما تناسلوا . لم يخمسه ولم يقسمه ، وهو الذي أشار عليه علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل ، وبهذا كان يأخذ سفيان بن سعيد ، وهو معروف من قوله ، إلا أنه كان يقول : الخيار في أرض العنوة إلى الإمام ، إن شاء جعلها غنيمة فخمس وقسم ، وإن شاء جعلها فيئا عاما للمسلمين ، ولم يخمس ولم يقسم .

قال أبو عبيد : وكلا الحكمين فيه قدوة ومتبع من الغنيمة والفيء إلا أن الذي اختار من ذلك أن يكون النظر فيه إلى الإمام ، وليس فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - رادا لفعل عمر . ولكنه - صلى الله عليه وسلم - اتبع آية من كتاب الله فعمل بها ، واتبع عمر آية أخرى فعمل بها ، وهما آيتان [ ص: 197 ] محكمتان فيما ينال المسلمون من أموال المشركين ، فيصير غنيمة ، أو فيئا . قال الله - تبارك وتعالى - : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) فهذه آية الغنيمة ، وهي لأهلها دون الناس وبها عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال الله تعالى : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ، فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين ) إلى قوله : ( للفقراء المهاجرين ) . ( والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم ) . ( والذين جاؤوا من بعدهم ) فهذه آية الفيء ، وبها عمل عمر ، وإياها تأول حين ذكر الأموال وأصنافها .

قال : فاستوعبت هذه الآية الناس ، وإلى هذه الآية ذهب علي ومعاذ حين أشار على عمر بما أشارا - فيما نرى - والله أعلم .

وقد قال بعض الناس : إن عمر إنما فعل ما فعل بهم برضى من الذين افتتحوا الأرض واستطابت به أنفسهم ، لما كان عمر كلم به جرير بن عبد الله في أمر السواد ، وقد علمنا ما كان من كلامه إياه .

التالي السابق


الخدمات العلمية