الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
425 - حدثنا حميد قال أبو عبيد : فهذه الأمصار التي ذكرنا في صدر هذا الباب ، وأشباهها مما مصر المسلمون ، هي التي لا سبيل لأهل الذمة فيها إلى إظهار شيء من شرائعهم . وأما البلاد التي لهم فيها السبيل إلى ذلك ، فما كان منها صلحا صولحوا عليه ، فلن ينزع منهم وهو تأويل قول ابن عباس الذي ذكرناه ، قوله : وما كان قبل ذلك فحق على المسلمين أن يوفوا لهم به . فمن بلاد الصلح : أرض هجر ، والبحرين ، وأيلة ، ودومة الجندل ، وأذرح . فهذه القرى التي أدت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجزية . فهم على ما أقرهم عليه رسول الله . وكذلك ما كان بعده من الصلح ، منه بيت المقدس ، افتتحه عمر بن الخطاب صلحا ، وعلى هذا مدن الشام ، كانت كلها صلحا ، دون أرضيها . وكذلك بلاد الجزيرة ، يروى أنها كلها صلح صالحهم عليها عياض بن غنم . [ ص: 281 ]

وكذلك قبط مصر صالحهم عمرو بن العاص وكذلك بلاد خراسان يقال : إنها أو أكثرها صلح على يدي عبد الله بن عامر بن كريز ، فهؤلاء على شروطهم لا يحال بينهم وبينها .

وكذلك كل بلاد أخذت عنوة ، فرأى الإمام ردها إلى أهلها وإقرارها في أيديهم على دينهم وذمتهم كفعل عمر بأهل السواد ، وإنما أخذ عنوة على يدي سعد .

وكذلك بلاد الشام كلها عنوة ، ما خلا مدنها ، على يدي يزيد بن أبي سفيان وشرحبيل ابن حسنة وأبي عبيدة بن الجراح .

وكذلك الجبل أخذ عنوة في وقعة جلولاء ، ونهاوند على يدي سعد [ ص: 282 ] بن أبي وقاص ، والنعمان بن مقرن .

وكذلك الأهواز أو أكثرها ، وكذلك فارس على يدي أبي موسى وعتبة بن غزوان ، وعثمان بن أبي العاص ، وغيرهم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - .

فهذه بلاد العنوة وقد أقر أهلها فيها على مللهم وشرائعهم ولكل هذه قصص وأنباء ، نأتي بما علمنا منها إن شاء الله .

فأما الذي فعله عمر بالذي أثرى في تجارة الخمر من تسيير ماشيته وكسر متاعه ، وما فعله علي بأهل زرارة من إحراقها ، وهم ممن قد أقر على ملته ، فإنما وجهه عندنا ، - والله أعلم - ، (أنهما) عملا ذلك ؛ لأن التجارة في الخمر لم تكن مما شرط لهم ، إنما كان لهم في ذمتهم (شربها) ، فأما المتاجر فيها ، وحملها من بلد إلى بلد فلا . وهو بين في حديث يروى عن عمر بن عبد العزيز .

التالي السابق


الخدمات العلمية