الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1805 - حدثنا حميد قال أبو عبيد : فلم يختلف المسلمون فيهما [ ص: 988 ] واختلفوا في الحلي ، وذلك أنه يستمتع به ويكون جمالا ، وأن العين والورق لا يصلحان لشيء من الأشياء ، إلا أن يكونا ثمنا لها ، ولا ينتفع منهما بأكثر من الإنفاق لهما ، فبهذا أبان حكمهما من الحلي الذي يكون زينة ومتعا ، فصار ههنا كسائر الأثاث والأمتعة ، فلهذا أسقط الزكاة عنه من أسقطها ولهذا المعنى قال أهل العراق : لا صدقة في الإبل والبقر العوامل ، وأسقطوها عن الحلي وكلا الفريقين قد كان يلزمه في مذهبه أن يجعلهما واحدا ، إما إسقاط الصدقة عنهما جميعا ، وإما إيجابها فيهما جميعا ، وكذلك هما عندنا ، سبيلهما واحد : لا تجب الصدقة عليهما ، لما قصصنا من أمرهما ، فأما الحديث المرفوع الذي ذكرناه في أول هذا الباب حين قال لليمانيتين صاحبتي السوارين : " أديا زكاته " فإن هذا الحديث لا نعلمه يروى إلا في وجه واحد ، بإسناد قد تكلم الناس فيه قديما وحديثا ، فإن يكن الأمر على ما روي ، وكان عن النبي صلى الله عليه وسلم محفوظا ، قد يحتمل معناه أن يكون أراد بالزكاة العارية كما فسرته العلماء الذين ذكرناهم في قولهم : زكاته عاريته ، ولو كانت الزكاة في الحلي فرضا كفرض الرقة ، ما اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك على أن يقول لامرأة ، يخصها به عند رؤيته الحلي عليها دون الناس ، ولكان هذا كسائر الصدقات الشائعة المنتشرة في العامل من كتبه وسنته ، ولفعلته الأئمة بعد ، فقد كان الحلي من فعل الناس في آباد الدهر ، ولم نسمع له ذكرا في شيء من كتب صدقاتهم ، وكذلك حديث [ ص: 989 ] عائشة في قولها : لا بأس بلباس الحلي إذا أعطيت زكاته ، ولا وجه له عندي سوى العارية ، لأن القاسم بن محمد كان ينكر عليها أن تكون أمرت بذلك أحدا من نسائها أو بنات أخيها ، ولم يصح زكاة الحلي عندنا عن أحد من الصحابة ، إلا عن ابن مسعود ، فأما حديث عبد الله بن عمرو في تزكيته حلي نسائه وبناته ، ففي إسناده نحو مما في إسناد المرفوع .

والقول الآخر إنما هو عن عائشة رضي الله عنها ، وابن عمر ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، ثم من وافقهم من التابعين بعد ، ومع هذا كله ، ما تأولنا فيها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم المصدقة لمذهبهم عند التدبر والنظر .

وقد قال من يوجب الزكاة في الحلي : إن الله تبارك وتعالى يقول : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ) ، قال : فالحلي من الكنوز ، وفيه الزكاة لذلك ، فيقال له : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال حين ذكر الإبل " في كل خمس شاة " ، حتى عد صدقة المواشي ، ولم يشترط سائمة ولا غيرها ، فإن أوجبت الصدقة في الحلي لأن تلك الآية عامة فأوجب الصدقة في الإبل العوامل لأن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عام فيهما . [ ص: 990 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية