الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده [ ص: 596 ] يؤمنون من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون

                                                                                                                                                                                                                                        (182) أي: والذين كذبوا بآيات الله الدالة على صحة ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، من الهدى فردوها ولم يقبلوها. سنستدرجهم من حيث لا يعلمون بأن يدر لهم الأرزاق.

                                                                                                                                                                                                                                        (183) وأملي لهم أي: أمهلهم حتى يظنوا أنهم لا يؤخذون ولا يعاقبون، فيزدادون كفرا وطغيانا، وشرا إلى شرهم، وبذلك تزيد عقوبتهم، ويتضاعف عذابهم، فيضرون أنفسهم من حيث لا يعلمون، ولهذا قال: إن كيدي متين أي: قوي بليغ.

                                                                                                                                                                                                                                        (184) أولم يتفكروا ما بصاحبهم محمد صلى الله عليه وسلم من جنة أي: أولم يعملوا أفكارهم، وينظروا: هل في صاحبهم الذي يعرفونه ولا يخفى عليهم من حاله شيء، هل هو مجنون؟ فلينظروا في أخلاقه وهديه، ودله وصفاته، وينظروا في ما دعا إليه، فلا يجدون فيه من الصفات إلا أكملها، ولا من الأخلاق إلا أتمها، ولا من العقل والرأي إلا ما فاق به العالمين، ولا يدعو إلا لكل خير، ولا ينهى إلا عن كل شر.

                                                                                                                                                                                                                                        أفبهذا يا أولي الألباب جنة؟ أم هو الإمام العظيم والناصح المبين، والماجد الكريم، والرءوف الرحيم؟

                                                                                                                                                                                                                                        ولهذا قال: إن هو إلا نذير مبين أي: يدعو الخلق إلى ما ينجيهم من العذاب، ويحصل لهم الثواب.

                                                                                                                                                                                                                                        (185) أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض فإنهم إذا نظروا إليها، وجدوها أدلة دالة على توحيد ربها، وعلى ما له من صفات الكمال.

                                                                                                                                                                                                                                        ( و ) كذلك لينظروا إلى جميع ما خلق الله من شيء فإن جميع أجزاء العالم، يدل أعظم دلالة على الله وقدرته وحكمته وسعة رحمته، وإحسانه، ونفوذ مشيئته، وغير ذلك من صفاته العظيمة، الدالة على تفرده بالخلق والتدبير، الموجبة لأن يكون هو المعبود المحمود، المسبح الموحد المحبوب.

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله: وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم أي: لينظروا في خصوص حالهم، وينظروا لأنفسهم قبل أن يقترب أجلهم، ويفجأهم الموت وهم في غفلة معرضون، فلا يتمكنون حينئذ، من استدراك الفارط.

                                                                                                                                                                                                                                        فبأي حديث بعده يؤمنون أي: إذا لم يؤمنوا بهذا الكتاب الجليل، فبأي حديث يؤمنون به؟" أبكتب الكذب والضلال؟ أم بحديث كل مفتر دجال؟

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 597 ] (186) ولكن الضال لا حيلة فيه، ولا سبيل إلى هدايته. ولهذا قال تعالى من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون أي: متحيرون يترددون، لا يخرجون منه ولا يهتدون إلى حق.



                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية