الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            110 - باب سجود السهو

                                                            878 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي ، أخبرنا حمزة بن العباس بن الفضل ، حدثنا عباس بن محمد بن حاتم الدوري ، حدثنا موسى بن داود ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا ، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ، وليسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم ، فإن كان صلى خمسا كانتا شفعا ، وإن صلى تمام الأربع كانتا ترغيما للشيطان " .

                                                            879 - ورواه ابن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، وفيه من الزيادة : " فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان " .

                                                            880 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر محمد بن يوسف الفقيه ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك قال : وحدثني ابن بكير ، حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن عبد الله بن مالك بن بحينة ، قال : " صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات ، ثم قام فلم يجلس ، فقام الناس ، فلما قضى صلاته وانتظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ، ثم سلم " .

                                                            881 - وروينا عن النعمان بن بشير " أنه نهض في الركعتين فسبح القوم فجلس ، فلما فرغ سجد سجدتي السهو . [ ص: 315 ] وهذا لأنه لم يستتم قائما ، فجلس فإن استتم قائما لم يجلس كما " روينا في حديث ابن بحينة .

                                                            882 - أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد ، حدثنا عباس بن الفضل ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم " صلى الظهر خمسا " ، فقيل له : أزيد في الصلاة ؟ قال : " ما ذاك ! " قال : صليت خمسا ؛ فسجد سجدتين وهو جالس . وقال مرة : بعد ما فرغ .

                                                            883 - قلت : وهذا لأنه لم يذكره قبل التسليم فسجدهما بعد ما سلم .

                                                            884 - أخبرنا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي ، حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا مالك . ( ح ) . وحدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن داود بن الحصين ، عن أبي سفيان مولى [بن ] أبي أحمد قال : سمعت أبا هريرة يقول : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ، فسلم في الركعتين ؛ فقام ذو اليدين فقال : أقصرت الصلاة أو نسيت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل ذلك لم يكن " ، فقال : قد كان بعض ذلك يا رسول الله ؛ فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال : " أصدق ذو اليدين ؟ " ، فقالوا : نعم . فأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من صلاته ، ثم سجد سجدتين بعد التسليم وهو جالس .

                                                            885 - قلت : قد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن السهو إن كان نقصانا من [ ص: 316 ] الصلاة كان سجوده قبل التسليم بحديث ابن بحينة . قلت : وكذلك إن كان زيادة متوهمة بحديث أبي سعيد الخدري ، وإن كان زيادة متيقنة في الصلاة فإن سجوده بعد التسليم بحديث ذي اليدين .

                                                            885 - وذهب الزهري إلى " أن السجود قبل التسليم آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، وفي حديث ذي اليدين دلالة على أن كلام المخطئ لا يبطل الصلاة ، وفي معناه كلام الجاهل بتحريمه في الصلاة وكلام الناسي للصلاة .

                                                            886 - وأما الحديث الذي أخبرنا أبو علي الروذباري ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عمر بن شوذب الواسطي حدثنا بها أحمد بن راشد الكوفي بواسط ، حدثنا محمد بن الفضيل ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند النجاشي ، سلمنا عليه فلم يرد علينا ؛ قلنا : يا رسول الله ! كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا ؟ فقال : " إن في الصلاة شغلا " .

                                                            887 - وفي رواية عاصم ، عن أبي وائل عن عبد الله في هذا الحديث ، قال : فقال : " إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة " . فهذا في كلام العمد ، وما ذكرنا في كلام الخطأ [فقد ] :

                                                            888 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو عبد الله إسحاق بن محمد بن يوسف السوسي ، قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أخبرنا العباس بن مزيد ، أخبرني أبي ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني يحيى بن أبي كثير ، عن [هلال ] ابن أبي ميمونة ، قال : حدثني عطاء بن يسار ، قال : حدثني معاوية بن الحكم السلمي ، قال : قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني حديث عهد بجاهلية ، فجاء الله بالإسلام وأن [ ص: 317 ] رجالا منا يتطيرون . قال : " ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم " ، [قال : يا رسول الله ! ورجال منا يأتون الكهنة ؟ قال : " فلا يأتوهم " ] قال : يا رسول الله ورجال منا يخطون ؟ قال : " كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك " . قال : وبينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة إذ عطس رجل من القوم ؛ فقلت : يرحمك الله ، فحدقني القوم بأبصارهم . قال : فقلت : واثكل أمياه ما لكم تنظرون إلي ، فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يسكتوني لكني سكت ، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاني ، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه ، والله ما ضربني ولا كهرني ولا سبني ، فقال : " إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، وإنما هي التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن " .

                                                            889 - قلت : وفي هذا الحديث الصحيح دلالة على أن كلام الجاهل لا يبطل الصلاة حيث لم يأمره بالإعادة ، وأن سهو المأموم يتحمله الإمام حيث لم يأمره بسجود السهو ، وأن العمل القليل في الصلاة والنظر إلى غيره لا يبطل الصلاة ، ولا يقتضي سجود سهو حيث فعله القوم ، والله أعلم .

                                                            * * *

                                                            التالي السابق


                                                            الخدمات العلمية