الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            10 - باب ما يفعل بالرجال البالغين من أهل الحرب بعد الأسر ، وقبله وما جاء في قتل النساء ، والصبيان ، ومن لا قتال فيه

                                                            قال الله عز وجل : فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها .

                                                            يعني والله أعلم حتى ينزل عيسى ابن مريم هكذا قال سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وروي عن عائشة ، وأبي هريرة ما دل على ذلك .

                                                            3539 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أخبرنا بحر بن نصر ، قال : قرئ على شعيب بن الليث ، أخبرك أبوك ، عن سعيد بن أبي المقبري ، أنه سمع أبا هريرة يقول : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له : ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة ، فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " ما عندك يا ثمامة ؟ " قال : عندي ، يا محمد ! خير ، إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت ، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان الغد ، ثم قال له : " ما عندك يا ثمامة ؟ " فقال : ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر ، وإن تقتل تقتل ذا دم ، وإن كنت تريد المال ، فسل تعط منه ما شئت ، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد ، فقال : " ما عندك يا ثمامة ؟ " فقال : عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر ، وإن تقتل تقتل ذا دم ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أطلقوا ثمامة " ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد ، فاغتسل ، ثم دخل المسجد ، [ ص: 382 ] فقال : أشهد ألا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، يا محمد ! والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي ، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إلي ، وإن خيلك أخذتني ، وأنا أريد العمرة ، فماذا ترى ؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمره أن يعتمر ، فلما قدم مكة قال له قائل : صبوت ؟ قال : لا ولكني أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لا تأتينكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

                                                            3540 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا إسماعيل الصفار ، أخبرنا أحمد بن منصور ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسارى بدر : " لو كان مطعم بن عدي حيا ، ثم كلمني في هؤلاء النتنى لخليتهم له " .

                                                            3541 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار ، أخبرنا يونس بن بكير ، عن إسحاق ، قال : وكان ممن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسارى بدر بغير فداء المطلب بن حنطب المخزومي ، وكان محتاجا ، فلم يفاد فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو عزة الجمحي ، فقال : يا رسول الله ! بناتي ، فرحمه ، فمن عليه ، وصيفي بن عابد المخزومي أخذ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يف .

                                                            3542 - ورواه عبد الله بن المبارك ، عن محمد بن إسحاق قال : كان أبو عزة الجمحي أسر يوم بدر ، فقال : يا محمد إنه ذو بنات ، وحاجة ، وليس بمكة أحد يفديني ، فحقن النبي صلى الله عليه وسلم ، دمه ، وخلى سبيله ، وعاهده ألا يعين عليه بيد ، ولا لسان ، فخرج مع الأحابيش في حرب أحد ، فأسر ، فلما أتي به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أنعم علي ، فقال : " لا يتحدث أهل مكة إنك لعبت بمحمد مرتين " فأمر [ ص: 383 ] بقتله .

                                                            3543 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة ، أخبرنا أبو الفضل بن خميرويه ، أخبرنا أحمد بن نجدة ، أخبرنا الحسن بن الربيع ، أخبرنا ابن المبارك ، فذكره في قصة طويلة .

                                                            3544 - أخبرنا أبو علي الروذباري ، أخبرنا أبو بكر بن داسة ، أخبرنا أبو داود ، أخبرنا موسى بن إسماعيل ، أخبرنا حماد بن سلمة ، أخبرنا ثابت ، عن أنس أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه من جبل التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم ، فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعتقهم ، فأنزل الله عز وجل وهو الذي كف أيديهم عنكم ، وأيديكم عنهم .

                                                            3545 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني إملاء ، أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن يحيى الشهيد ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عرعرة ، أخبرنا أزهر بن سعد السمان ، أخبرنا ابن عون ، عن محمد بن عبيدة ، عن علي قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأسارى يوم بدر : " إن شئتم قتلتموهم ، وإن شئتم فاديتموهم ، واستمتعتم بالفداء ، واستشهد منكم بعدتهم " ، فكان آخر السبعين ثابت بن قيس استشهد باليمامة .

                                                            3546 - وأخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي ، الحافظ ببغداد ، أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن حمدان ، أخبرنا محمد بن أيوب ، أخبرنا ابن أبي أويس ، حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة مولى آل الزبير ، عن عمه موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : ائذن لنا يا رسول الله فلنترك لابن أختنا العباس فداءه ، فقال : لا ، والله لا تذرون درهما .

                                                            3547 - وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أخبرنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين ، قال : أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل ، وكانت ثقيف قد أسرت رجلين [ ص: 384 ] من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففداه النبي صلى الله عليه وسلم بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف .

                                                            3548 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه ، أخبرنا أبو بكر القطان ، أخبرنا أبو الأزهر ،

                                                            3549 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار ، أخبرنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، قال : وكان في الأسارى عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث ، فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط ، فقال عقبة : من للصبية ؟ فقال : " النار " .

                                                            3550 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، أخبرنا أبو الحسن الطرائقي ، أخبرنا عثمان بن سعيد ، أخبرنا عبد الله بن صالح ، أخبرنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض . وذلك يوم بدر ، والمسلمون يومئذ قليل ، فلما كثروا ، واشتد سلطانهم أنزل الله - عز وجل - قليل ، بعد هذا في الأسارى فإما منا بعد ، وإما فداء فجعل الله عز وجل النبي والمؤمنين بالخيار في أمر الأسارى إن شاؤوا قتلوهم ، وإن شاؤوا استعبدوهم ، وإن شاؤوا فادوهم .

                                                            3551 - قال الشافعي رحمه الله : قد سبا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق ، وهوازن ، وقبائل من العرب ، وأجرى عليهم الرق حتى من عليهم ، فاختلف أهل العلم بالمغازي ، فزعم بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أطلق سبي هوازن قال : " لو كان تاما على أحد من العرب سبي لتم على هؤلاء ، ولكنه أسار وفداء .

                                                            3552 - قال الشافعي : فمن ثبت هذا الحديث زعم أن الرق لا يجري على عربي بحال ، وهذا قول الزهري ، وابن المسيب ، والشعبي .

                                                            ويروى عمر بن الخطاب ، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما .

                                                            3553 - قال الشافعي : ومن لم يثبت الحديث ذهب إلى أن العرب ، والعجم سواء ، وإنه يجري عليهم الرق .

                                                            قال الشيخ : إنما رواه الواقدي بإسناده ، وهو ضعيف .

                                                            وفي حديث عمران بن حصين في قصة العقيلي دلالة على جريان الرق عليه [ ص: 385 ] بعد الإسلام .

                                                            وروينا في حديث عمران بن حصين ، وسمرة ، وبريدة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعاب أنه نهى عن المثلة .

                                                            3554 - وفي حديث أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا يعذب بالنار إلا ربها " فإذا قتل مشركا بعد الإسار أمر بضرب عنقه ، ولا يمثل به ، ولا يحرقه بالنار ، ولا يخالف .

                                                            هذا ما روينا عن أسامة بن زيد حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرق على ابني .

                                                            وما روي في نصب المنجنيق على الطائف ، فإنه ورد في قتال المشركين ما كانوا ممتنعين ، وهكذا لا بأس بعقر دابة من يقاتله ، قد عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد ، فأما في غير القتال ، فلا يجوز عقرها ، ولا يجوز قتل ما له روح إلا بأن يذبح ما يحل أكله ليؤكل .

                                                            3555 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسن الشرقي ، أخبرنا عبد الله بن هاشم ، أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل شيء من البهائم صبرا .

                                                            3565 - وروينا عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عز وجل عن قتله ، قيل : يا رسول الله ! وما حقها ؟ قال : أن تذبحها ، فتأكلها ، ولا تقطع رأسها ، فترمي بها .

                                                            3557 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، أخبرنا أبو العباس ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن صهيب مولى عبد الله بن عامر ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، فذكره .

                                                            3558 - قال الشيخ : وعلى هذا لا يقصد نساء المشركين ، وولدانهم بالقتل ، وإن صاروا مقتولين في التبييت من غير قصد ، فلا بأس .

                                                            3559 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وآخرين قالوا : أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : أخبرني الصعب بن جثامة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار من المشركين يبيتون ، فيصاب من نسائهم ، وذراريهم ؟ [ ص: 386 ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هم منهم " .

                                                            وزاد عمرو بن دينار عن الزهري : هم من آبائهم .

                                                            3560 - فحدثنا أبو محمد بن يوسف ، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي ، أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن كعب بن مالك ، عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى ابن أبي الحقيق نهاه عن قتل النساء ، والولدان .

                                                            3561 - قال الشافعي رحمه الله : معنى نهيه عندنا ، والله أعلم عن قتل النساء ، والولدان أن يقصد قصدهم بقتل ، وهم يعرفون متميزين ممن أمرهم بقتلهم ، ومعنى قوله : هم منهم أنهم يجمعون خصلتين أن ليس لهم حكم الإيمان الذي يمنع الدم ، ولا حكم دار الإيمان الذي يمنع الغارة على الدار .

                                                            3562 - قال الشيخ : وروينا عن عائشة قصة في قتل النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من بني قريظة قال الشافعي عن بعض أصحابه : أنها كانت دلت على محمود بن مسلمة رحا فقتلته ، فقتلت بذلك .

                                                            3563 - قال الشيخ : إنها إنما دلت رحا على خلاد بن سويد الخزرجي ، فقتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                            3564 - قال الشافعي : ويحتمل أن تكون أسلمت ، وارتدت ، ولحقت بقومها ، فقتلها لذلك ، ويحتمل غير ذلك .

                                                            3565 - قال الشيخ : وروينا في حديث رباح بن الربيع ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في إنكاره : " قتل امرأة " ، وقال : " ما كانت هذه لتقاتل " ، وفيه دلالة على أنها لو قاتلت جاز قتلها .

                                                            3566 - أخبرناه أبو محمد الحسن بن علي بن المؤمل ، أخبرنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري ، أخبرنا أبو يعقوب ، أخبرنا إسماعيل بن قتيبة ، أخبرنا يحيى بن يحيى ، أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن الخزامي ، عن أبي الزناد ، عن المرقع بن صيفي ، عن جده رباح بن ربعي أخي حنظلة الكاتب أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها ، وخالد بن الوليد على المقدمة ، فمر رباح ، وأصحاب رسول [ ص: 387 ] الله صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة مما أصاب المقدمة فوقفوا عليها يتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته ، فأفرجوا عن المرأة فوقف عليها ، ثم قال : " ما كانت هذه تقاتل " ، ثم نظر في وجوه القوم ، فقال لأحدهم : " الحق خالد بن الوليد ، فلا تقتلن ذرية ، ولا عسيفا " . كذا في كتاب رباح بن ربعي ، وفي سائر الروايات رباح بن الربيع ، وقيل : رياح بالياء أصح قاله البخاري ، وفيه النهي عن قتال من لا قتال فيه .

                                                            3567 - وروى أيوب السختياني ، عن رجل ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الوصفاء والعسفاء .

                                                            3568 - وفي حديث ابن أبي حبيبة عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعا : " لا تقتلوا الولدان ، ولا أصحاب الصوامع " .

                                                            3569 - وفي حديث أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا طفلا صغيرا ، ولا امرأة " .

                                                            3570 - وفي حديث مالك ، عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام ، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان ، فذكر الحديث ، ثم قال : إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله عز وجل ، فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له ، وستجد قوما فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر ، فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف ، وإني موصيك بعشر : لا تقتلن امرأة ، ولا صبيا ، ولا كبيرا هرما ، ولا تقطعن شجرا مثمرا ، ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شاة ، ولا بعيرا إلا لمأكلة ، ولا تحرقن نخلا ، ولا تغرقنه ، ولا تغلل ولا تجبن .

                                                            3571 - أخبرنا أبو أحمد المهرجاني ، أخبرنا أبو بكر بن جعفر المزكي ، أخبرنا محمد بن إبراهيم البوسجي ، أخبرنا ابن بكير ، أخبرنا مالك ، فذكره .

                                                            وهذا عن أبي بكر مرسلا ، ورواه أيضا جماعة ، فأرسلوه ، وروي عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي بكر ، وهو أيضا مرسل . ومن رأى قتل من لا قتال فيه حمل ما عسى ما يصح من هذه الأخبار على التحريض على قتال من فيه قتال ، فإن قتل من لا قتال فيه جاز ، واحتج بقتلهم دريد بن الصمة يوم حنين ، [ ص: 388 ] وهو ابن خمسين ومائة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل الأعمى من بني قريظة بعد الإسار ، وهو الزبير بن باطا القرظي .

                                                            3572 - وحدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي ، أخبرنا يحيى بن منصور القاضي ، أخبرنا محمد بن عمرو الحرشي ، أخبرنا يحيى بن يحيى ، أخبرنا معاوية ، عن حجاج ، عن قتادة ، عن الحسن بن سمرة بن جندب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقتلوا شيوخ المشركين ، واستحيوا شرفهم " .

                                                            3573 - ورواه أبو داود في كتاب السنن ، عن سعيد بن منظور ، عن هشيم عن حجاج قال : أخبرنا قتادة وقال في الحديث " واستبقوا شرخهم " .

                                                            ورواه عمرو بن عوف ، عن هشيم ، وقال في آخره : يعني الصغار ، والذرية .

                                                            وأما الذي روينا عن أبي بكر في النهي عن قطع الشجر المثمر ، فقد .

                                                            3574 - قال الشافعي رحمه الله : إنما هو لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أن بلاد الشام تفتح على المسلمين ، فلما كان مباحا له أن يقطع ، ويترك اختار الترك نظرا للمسلمين ، وقد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بني النضير ، فلما أسرع في النخيل ، فقيل له : قد وعدكها الله فلو استقيتها لنفسك ، فكف القطع استبقاء لا أن القطع محرم ، فقد قطع بخيبر ، ثم قطع بالطائف .

                                                            3575 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وآخرين قالوا : أخبرنا أبو العباس هو الأصم ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أخبرني ابن وهب ، أخبرني الليث بن سعد ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير ، وقطع ، وهو البويرة ، فأنزل الله - عز وجل - : ما قطعتم من لينة ، أو تركتموها قائمة على أصولها ، فبإذن الله ، وليخزي الفاسقين .

                                                            ورواه موسى بن عقبة ، وغيره ، عن نافع ، وزاد فيه ولها يقول حسان بن ثابت

                                                            وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير .

                                                            [ ص: 389 ]

                                                            3576 - أخبرنا أبو بكر بن فورك ، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، أخبرنا يونس بن حبيب ، أخبرنا أبو داو ، أخبرنا صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن أسامة بن زيد ، قال : أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أغير على ابنا صباحا ، وأحرق .

                                                            3577 - قال الشافعي : وكان أبو مسهر يقول : نحن أعلم هي بينا فلسطين .

                                                            وروينا عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المجانيق على أهل الطائف .

                                                            وروينا عن عمرو بن العاص أنه نصب المنجنيق على أهل الإسكندرية ، ويتوقى المسلم في الحرب قتل أبيه المشرك ، ولو قتله لم يكن به بأس .

                                                            3578 - قال الشافعي : كف النبي صلى الله عليه وسلم أبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه ، وأبا بكر يوم أحد عن قتل ابنه .

                                                            3579 - قال الشيخ وروينا عن حصين بن وحوح أن طلحة بن البراء قال : يا نبي الله مرني بما أحببت فقال له : " اقتل أباك " فخرج موليا ليفعل ، فدعاه فقال : " إني لم أبعث بقطيعة رحم " .

                                                            وروينا عن أبي عبيدة أنه كان يحيد عن أبيه يوم بدر ، وهو ينصب له الآلهة ، فلما كثر قصده أبو عبيدة ، فقتله ، فأنزل الله - عز وجل - هذه الآة لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم .

                                                            3580 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، أخبرنا يعقوب بن سفيان ، أخبرنا الحسن بن الربيع ، أخبرنا ابن المبارك ، عن إسماعيل بن سميع الحنفي ، عن مالك بن عمير وكان قد أدرك الجاهلية قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لقيت العدو ، ولقيت أبي فيهم ، فسمعت لك منه مقالة قبيحة ، فلم أصبر حتى طعنته بالرمح ، أو حتى قتلته ، فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاءه آخر ، فقال : إني لقيت أبي ، فتركته ، وأحببت أن يليه غيري ، فسكت عنه .

                                                            تابعه سفيان الثوري ، عن إسماعيل بن سميع . [ ص: 390 ]

                                                            التالي السابق


                                                            الخدمات العلمية